كانت الصين محط اهتمام عناوين الأخبار في الأسبوع الماضي، فهي الآن أكبر سوق مستهلك للحواسيب والكمبيوترات، وهي أكبر سوق هواتف نقالة، وتملك أكبر عدد من المشتركين في خدمات الهاتف النقال، ولعلك تقول أن الصين ما هي إلا مقلد كبير، وسيكون الحق في جانبك، لكن هذا لم يمنع الصينيين من تطوير نظام دفع إلكتروني ليعتمد على بصمة الإصبع ، ولم يمنع أنظمتهم للدفع الإلكتروني (يونيون باي) من تهديد عرش فيزا و ماستر كارد. وأما درة العقد فهي إعلان جاك ما مؤسس موقع علي بابا الصيني عن اهتمامه العميق بمعرفة إمكانية شراء موقع ياهوو !
للصين تاريخ حافل وكبير جدا وخاصة مجال الاستيراد والتصدير ، لكن بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، لم يكن حالها ليختلف عن حال بعض الدول العربية غير البترولية اليوم، ومن الاختصار الشديد القول بأن الصين بنت نهضتها على التقليد، وتقديم البديل الرخيص ذي الجودة المقبولة، حتى انتهى بها المآل لتكون مصنع العالم.
على خطى الصين تسير البرازيل، فها هي الأخبار تخرج أن مصنع شركة ابل المقبل سيكون في البرازيل القريبة جغرافيا من السوق الأمريكية، وعلى أثرها مايكروسوفت بمصنع لأجهزتها اكس بوكس. حال البرازيل صعب كذلك، ويسودها نظام ضرائب باهظ، ويضرب بأنيابه فيها التضخم والفقر. رغم ذلك، تحولت لتكون شيئا فشيئا الباحة الخلفية للتصنيع من أجل السوق الأمريكي.
تأسيس مشروعه الخاص
ماذا أفعل، أنا لا أعرف هدفي من الحياة، ولعل الإجابة تكون الاستثمار في الصين، فهي مثال عملي ناجح لفكرة التقليد وتقديم البديل الرخيص المقبول كفكرة لمشروع تجاري يبدأ به الباحث عن فكرة مشورع له.
ذات يوم قرأت مقالة يزعم فيها كاتبها أن انتشار استخدام الأجهزة الإلكترونية الصغيرة المعتمدة على أضواء led الملونة، إنما حدث لأن مصانع كثيرة كانت تنتج هذه الأضواء وبسعر منخفض، ما جعل هناك حاجة في هذه البلد لاستغلال هذه المنتجات لتشجيع الإنتاج المحلي، وهو ما حدث فعليا.
أي أن البداية قد تكون في التفكير في خلق استخدامات جديدة لمنتجات رخيصة منتجة محليا، أو صنع هذه المنتجات ومن ثم التسويق لها، ولعل هذه تكون فكرة مشروع صغير ناجح. هكذا فعلت اليابان و كوريا و سنغافورة والصين في بدايات مشوارها نحو التصنيع، لكن بشرط ألا يكون التقليد هو الهدف، بل وسيلة العبور إلى نقل العلم والمعرفة والانتقال من التقليد إلى الابتكار.
اعتمد النموذج الصيني على مبدأ بسيط، عندما يكون البديل ذا سعر رخيص وفرق جودة صغير، ساعتها سيقبل عليك العملاء بدون مجهود كبير منك في التسويق.
اليوم، تتغير قواعد اللعبة في العالم، فالصين بدأت تغتني وتكون سوق كبيرة لمنتجاتها، ولم تعد فقيرة مثل السابق، وبدأ العالم الغربي يدفع ثمن مغامراته العسكرية الفاشلة في الأراضي العربية والإسلامية ويترنح اقتصاده، وأصبحت الفرصة مهيأة بقوة، فأوروبا تبحث بدورها عن البديل الرخيص ذي الجودة القريبة من مستوى الأصلي، ويكون قريبا من الأراضي الأوروبية.
بالطبع، ليس هذا هو الطريق الأمثل، فنحن هنا نركز ونشدد على ضرورة التميز والتفرد وتقديم غير المسبوق، وألا نقيم نشاطا تجاريا على مبدأ السعر الأقل وحسب، وننبه دائما إلى أن تأسيس نشاط تجاري قائم على هامش ربح بسيط جدا يعني أن أي أزمة اقتصادية، محلية أو عالمية، ستقضي على هذا النشاط وتبتلعه مثلما يبتلع موج البحر رمال الشواطئ.
التجارة فى الصين عالم لا نهاية له ولكن يبقى السؤال
هل تستطيع التقليد والمجيء بمنتج أرخص وأقل جودة بفارق بسيط في البداية فقط؟ وهل تستطيع المغامرة بترك التقليد إلى جانب الإبداع والابتكار فيما بعد؟