كان بالبصرة مجنون يأوي إلى دكان خياط، وفي يده قصبة قد جعل في رأسها أكرة ولف عليها خرقة، لئلا يؤذي بها الناس، فكان إذا أحرده الصبيان التفت إلى الخياط وقال له: قد حمي الوطيس، وطاب اللقاء، فما ترى؟ فيقول: شأنك بهم، فيشد عليهم، ويقول:
.....أشد على الكتيبة لا أبالي ... أحتفي كان فيها أم سواها؟
فإذا أدرك منهم صبياً رمى بنفسه إلى الأرض وأبدى له عورته، فيتركه وينصرف ويقول: عورة المؤمن حمى، ولولا ذلك لتلفت نفس عمرو بن العاص يوم صفين. ثم يقول وينادي:
أنا الرجل الضرب الذي تعرفونني ... خشاش كرأس الحية المتوقد
ثم يرجع إلى دكان الخياط، ويلقي العصا من يده ويقول:
فألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قر عيناً بالإياب المسافر