وماذا بعد الظلم ؟ أحداث تاريخية هامة وقصص واقعية عن نهاية الظلم - الصفحة 2 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية

قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية تعرض فيه تاريخ الأمم السابقة ( قصص الأنبياء ) و تاريخ أمتنا من عهد الرسول صلى الله عليه و سلم ... الوقوف على الحضارة الإسلامية، و كذا تراجم الدعاة، المشائخ و العلماء

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

وماذا بعد الظلم ؟ أحداث تاريخية هامة وقصص واقعية عن نهاية الظلم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2014-12-07, 19:51   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

نهايةُ الخليفة الأمويّ الوليد

بن يزيد بن عبد الملك


ترجمته:


هو الوليد بن يزيد عبد الملك بن مروان بن الحكم أبو العبَّاس الأمويّ الدمشقيّ؛ بويع له بالخلافة بعد عمِّه هشام بن عبد الملك يوم الأربعاء لستٍّ خَلَوْنَ من ربيع الآخر سنة 125هـ، وأمُّه أمُّ الحجَّاج بنت محمد بن يوسف الثَّقَفيّ، وكان مولدُه سنة تسعين، وقيل ثنتين وتسعين، وقيل سبع وثمانين، وقتل يوم الخميس لليلتين بقيتا في جمادى الآخرة سنةَ ستٍّ وعشرين ومائة، ووقعت بسبب ذلك فتنة عظيمة بين الناس بسبب قتله، ومع ذلك إنَّما قُتل لفسقه، وقيل: وزندقته.


وقد قال الإمامُ أحمد: حدَّثنا أبو المغيرة، ثنا ابن عيَّاش، حدَّثَني الأوزاعيُّ وغيرُه عن الزُّهريِّ عن سعيد بن المسيَّب عن عمرو بن الخطَّاب قال: ولد لأخي أم سلمة زوج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم غلام فسمَّوه الوليد، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «سميتموه باسم فراعينكم، ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد، لهو أشد فسادا لهذه الأمة من فرعون لقومه». قال الحافظ ابن عساكر: وقد رواه الوليد بن مسلم ومعقل بن زياد محمد بن كثير وبشر بن بكر عن الأوزاعيِّ فلم يذكروا عمر في إسناده وأرسلوه، ولم يذكر ابن كثير سعيد بن المسيَّب، ثم ساق طرقه هذه كلَّها بأسانيدها وألفاظها.


وحكي عن البيهقيِّ أنَّه قال: هو مرسَلٌ حسنٌ، ثم ساق من طريق محمد عن محمد بن عمر بن عطاء عن زينب بنت أمِّ سلمة عن أمِّها قالت: "دخل النبيُّ صلى الله عليه وسلم وعندي غلام من آل المغيرة اسمه الوليد، فقال: «من هذا يا أمَّ سلمة؟» قالت: هذا الوليد. فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «قد اتَّخذتم الوليد خناناً- حساناً- غَيِّروا اسمَه؛ فإنَّه سيكون في هذه الأمة فرعون يقال له الوليد». وروى ابنُ عساكر من حديث عبد الله بن محمد بن مسلم، ثنا محمد بن غالب الأنطاكيّ، ثنا محمد بن سليمان بن أبي داود، ثنا صدقة، عن هشام بن الغاز، عن مكحول، عن أبي ثعلبة الخشني، عن أبي عبيدة بن الجراح، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال هذا الأمر قائما بالقسط حتى يثلمه رجل من بني أمية».

نهايةُ وزوالُ دَوْلَته:


كان هذا الرجلُ مجاهراً بالفواحش مُصرًّا عليها، منتهكاً محارمَ الله– عزَّ وجلَّ- لا يتحاشى من معصية، وربَّما اتَّهمه بعضُهم بالزَّندقة والانحلال من الدِّين، فالله أعلم؛ لكن الذي يظهر أنَّه كان عاصياً شاعراً ماجناً متعاطياً للمعاصي، لا يتحاشاها من أحد، ولا يستحيي من أحد، قبل أن يلي الخلافة وبعد أن ولي.


وقد روي أنَّ أخاه سليمان كان من جملة مَن سعى في قتله، قال: أشهد أنَّه كان شروباً للخمر ماجناً فاسقاً، ولقد أرادني على نفسي الفاسق، وحكى المعافي بن زكريا عن ابن دريد عن أبي حاتم عن النَّبيِّ أنَّ الوليدَ بن يزيد نَظَرَ إلى نصرانيَّة من حسان نساء النَّصارى اسمها سفري فأحبَّها، فبعث يراودها عن نفسها فأبت عليه، فألحَّ عليها وعشقها فلم تطاوعه، فاتَّفق اجتماع النصارى في بعض كنائسهم لعيد لهم، فذهب الوليد إلى بستان هناك فتنكَّر وأظهر أنه مصاب، فخرج النساء من الكنيسة إلى ذلك البستان، فرأينه فأحدقن به، فجعل يكلِّم سفري ويحادثها وتضاحكه ولا تعرفه، حتى اشتفى من النظر إليها، فلما انصرفت قيل لها: ويحكم، أتدرين مَنْ هذا الرَّجل؟ فقالت: لا! فقيل لها: هو الوليد. فلما تحقَّقَتْ ذلك حنَّت عليه بعد ذلك، وكانت عليه أحرص منه عليها قبل أن تحنَّ عليه. فقال الوليد في ذلك أبياتاً:


أضحك فؤادك يا وليد عميدا




صبا قديما للحسان صيودا([1])



في حب واضحة العوارض طفلة([2])





برزت لنا نحو الكنيسة عيدا


عود الصليب فويح نفسي من رأى




منكم صليبا مثله معبودا


فسألت ربي أن أكون مكانه




وأكون في لهب الجحيم وقودا





وقال فيها أيضا لما ظهر أمره وعلم بحاله الناس. وقيل: إنَّ هذا وقع قبل أن يلي الخلافة:


ألا حبذا سفري وإن قيل إنني




كلفت بنصرانية تشرب الخمرا


يهون علينا أن تظل نهارنا




إلى الليل لا ظهرا تصلي ولا عصرا





قال القاضي أبو الفرج المعافي بن زكريا الجريري المعروف بابن طرار النهزواني بعد إيراده هذه الأشياء: للوليد في نحو هذا من الخلاعة والمجون وسخافة الدين ما يطول ذكره، وقد ناقضاه في أشياء من منظوم شعره المتضمِّن ركيكَ ضلاله وكفره.


وروى ابن عساكر بسنده أنَّ الوليد سمع بخمار صلف بالحيرة فقصده حتى شرب منه ثلاثة أرطال من الخمر، وهو راكب على فرسه، ومعه اثنان من أصحابه، فلما انصرف أمر للخمَّار بخمسمائة دينار، وقال القاضي أبو الفرج: أخبار الوليد كثيرة قد جمعها الأخباريُّون مجموعةً ومفردةً، وقد جمعت شيئاً من سيرته وأخباره، ومن شعره الذي ضمنه ما فجر به من جرأته وسفاهته وحمقه وهزله ومجونه وسخافة دينه، وما صرَّح به من الإلحاد في القرآن العزيز، والكفر بمن أنزله وأُنْزل عليه، وقد عارضتُ شعرَه السَّخيفَ بشعر حصيف([3])، وباطله بحق نبيه شريف، وترجيت رضاء الله عز وجل واستيجاب مغفرته.


وقال أبو بكر بن أبي خيثمة: ثنا سليمان بن أبي شيخ، ثنا صالح بن سليمان، قال: أراد الوليدُ بن يزيد الحجَّ وقال: أشرب فوقَ ظهر الكعبة الخمر. فهمُّوا أن يَفْتكوا به إذا خرج، فجاؤوا إلى خالد بن عبد الله القسريّ فسألوه أن يكون معهم فأبى، فقالوا له: فاكتم علينا، فقال: أما هذا فنعم. فجاء إلى الوليد فقال: لا تخرج؛ فإني أخاف عليك. فقال: ومن هؤلاء الذين تخافهم عليَّ؟ قال: لا أخبرك بهم. قال: إن لم تخبرني بهم بعثتُ بك إلى يوسف بن عمر. قال: وإن بعثتَ بي إلى يوسف بن عمر. فبعثه إلى يوسف فعاقبه حتى قتله.


وذكر ابنُ جرير أنَّه لما امتنع أن يعلمه بهم سجنه ثم سلَّمه إلى يوسف بن عمر يستخلص منه أموالَ العراق فقتله، وقد قيل: إنَّ يوسفَ لما وفد إلى الوليد اشترى منه خالد بن عبد الله القسري بخمسين ألف ألف يخلصها منه، فما زال يعاقبه ويستخلص منه حتى قتله، فغضب أهل اليمن من قتله، وخرجوا على الوليد.


قال الزُّبيرُ بن بكَّار: حدَّثنا مصعبُ بن عبد الله قال: سمعت أبي يقول: كنت عند المهدي، فذكر الوليد بن يزيد فقال رجل في المجلس: كان زنديقاً. فقال المهديُّ: خلافة الله عنده أجلُّ من أن يجعلها في زنديق. وقال أحمد بن عمير بن حوصاء الدِّمَشْقيّ: ثنا عبد الرحمن بن الحسن، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا حصين بن الوليد عن الأزهريّ بن الوليد قال: سمعت أمَّ الدرداء تقول: إذا قتل الخليفة الشّاب من بني أمية بين الشّام والعراق مظلوماً لم يزل طاعة مستخفًّا بها ودماً مسفوكاً على وجه الأرض بغير حقٍّ.


قال الإمام أبو جعفر بن جرير الطَّبريّ:


قتل يزيد بن الوليد الناقص للوليد بن يزيد:


قد ذكرنا بعض أمر الوليد بن يزيد وخلاعته ومجانته وفسقه وما ذكر عن تهاونه بالصَّلوات واستخفافه بأمر دينه قبل خلافته وبعدها؛ فإنَّه لم يزدد في الخلافة إلَّا شرًّا ولهواً ولذة وركوباً للصَّيد وشرب المسكر ومنادمة الفُسَّاق؛ فما زادتْه الخلافةُ على ما كان قبلها إلا تمادياً وغروراً، فثقل ذلك على الأمراء والرَّعية والجند، وكرهوه كراهة شديدة، وكان من أعظم ما جنى على نفسه حتى أورثه ذلك هلاكه، إفساده على نفسه بني عميه هشام والوليد بن عبد الملك مع إفساد اليمانية، وهي أعظم جند خراسان؛ وذلك أنَّه لما قتل خالد بن عبد الله القسري وسلمه إلى غريمه يوسف بن عمر الذي هو نائب العراق إذ ذاك فلم يزل يعاقبه حتى هلك، انقلبوا عليه وتنكَّروا له وساءهم قتلُه، ثم روى ابن جرير بسنده أنَّ الوليدَ بن يزيد ضرب ابنَ عمِّه سليمان بن هشام مائة سوطاً وحلق رأسَه ولحيتَه وغرَّبه إلى عمان فحبسه بها، فلم يزل هناك حتى قتل الوليد، وأخذ جارية كانت لآل عمِّه الوليد بن عبد الملك، فكلَّمه فيها عمر بن الوليد فقال: لا أردُّها. فقال: إذًا تكثر الصَّواهل([4]) حول عَسكرك. وحبس الأفقم يزيد بن هشام، وبايع لولديه الحكم وعثمان، وكانا دون البلوغ، فشقَّ ذلك على النَّاس أيضاً ونصحوه فلم ينتصح، ونهوه فلم يرتدع ولم يقبل.


قال المدائنيُّ في روايته: ثقل ذلك على الناس ورماه بنو هشام وبنو الوليد بالكفر والزندقة وغشيان أمهات أولاد أبيه، وباللُّواط وغيره، وقالوا: قد اتَّخذ مائة جامعة على كل جامعة اسم رجل من بني هاشم ليقتله بها، ورموه بالزَّندقة، وكان أشدهم فيه قولاً يزيد بن الوليد بن عبد الملك، وكان الناسُ إلى قوله أميل؛ لأنَّه أظهر النُّسك والتَّواضع، ويقول: ما يسعنا الرِّضا بالوليد حتى حمل الناس على الفتك به. قالوا: وانتدب للقيام عليه جماعة من قضاعة واليمانية وخلق من أعيان الأمراء وآل الوليد بن عبد الملك، وكان القائم بأعباء ذلك كلِّه والدَّاعي إليه يزيد بن الوليد بن عبد الملك، وهو من سادات بني أمية، وكان ينسب إلى الصَّلاح والدِّين والوَرَع، فبايعه الناس على ذلك.


وقد نهاه أخوه العبَّاسُ بن الوليد فلم يقبل، فقال: والله لولا أنِّي أخاف عليك لقيَّدتُك وأرسلتُك إليه، واتَّفق خروج الناس من دمشق من وباء وقع بها، فكان ممَّن خرج الوليد بن يزيد أمير المؤمنين في طائفة من أصحابه نحو المائتين، إلى ناحية مشارف دمشق، فانتظم إلى يزيد بن الوليد أمره وجعل أخوه العباسُ ينهاه عن ذلك أشدَّ النَّهي، فلا يقبل، فقال العباس في ذلك:


إني أعيذكم بالله من فتن




مثل الجبار تسامى ثم تندفع


إن البرية قد ملت سياستكم




فاستمسكوا بعمود الدين وارتدعوا


لا تلحمن ذئاب الناس أنفسكم




إن الذئاب إذا ما ألحمت رتعوا([5])



لا تبقرن بأيدكم بطونكم




فثم لا حسرة تغني ولا جزع





فلما استوثق ليزيد بن الوليد أمرُه، وبايعه مَن بايعه من الناس، قصد دمشق فدخلها في غيبة الوليد، فبايعه أكثر أهلها في الليل، وبلغه أنَّ أهلَ المزة قد بايعوا كبيرهم معاوية بن مصاد، فمضى إليه يزيد ماشياً في نفر من أصحابه، فأصابهم في الطريق خطر شديد، فأتوه فطرقوا بابه ليلا ثم دخلوا، فكلمه يزيد في ذلك فبايعه معاوية بن مصاد، ثم رجع يزيد من ليلته إلى دمشق على طريق القناة وهو على حمار أسود، فحلف أصحابه أنه لا يدخل دمشق إلا في السلاح، فلبس سلاحا من تحت ثيابه فدخلها، وكان الوليد قد استناب على دمشق في غيبته عبد الملك بن محمد بن الحجَّاج بن يوسف الثَّقَفيّ، وعلى شرطتها أبا العاج كثير بن عبد الله السَّلَميّ، فلما كان ليلة الجمعة اجتمع أصحاب يزيد بين العشائين عند باب الفراديس، فلما أذن العشاء الآخرة دخلوا المسجد، فلما لم يبق في المسجد غيرهم، بعثوا إلى يزيد بن الوليد فجاءهم فقصدوا باب المقصورة ففتح لهم الخادم، فدخلوا فوجدوا أبا العاج وهو سكران، فأخذوا خزائن بيت المال وتسلَّموا الحواصل، وتقوَّوا بالأسلحة، وأمر يزيد بإغلاق أبواب البلد، وأن لا يفتح إلا لمن يعرف.


فلما أصبح الناس قدم أهل الحواضر من كل جانب فدخلوا من سائر أبواب البلد، كل أهل محلة من الباب الذي يليهم، فكثرت الجيوش حول يزيد بن الوليد بن عبد الملك في نصرته، وكلهم قد بايعه بالخلافة.


وقد قال فيه بعضُ الشعراء في ذلك:


فجاءتهم أنصارهم حين أصبحوا




سكاسكها أهل البيوت الصنادد([6])



وكلب فجاؤوهم بخيل وعدة




من البيض والأبدان ثم السواعد


فأكرم بها أحياء أنصار سنة




هم منعوا حرماتها كل جاحد


وجاءتهم شيبان والأزد شرعا




وعبس ولخم بين حام وذائد([7])



وغسان والحيان قيس وتغلب




وأحجم عنها كل وان([8]) وزاهد



فما أصبحوا إلا وهم أهل ملكها




قد استوثقوا من كل عات ومارد





وبعث يزيد بن الوليد عبد الرحمن بن مصاد في مائتي فارس إلى قطنا ليأتوه بعبد الملك بن محمَّد بن الحجَّاج نائب دمشق وله الأمان، وكان قد تحصَّن هناك، فدخلوا عليه فوجدوا عنده خرجين في كلِّ واحد منهما ثلاثون ألف دينارا، فلما مرُّوا بالمزة قال أصحاب ابن مصاد: خذ هذا المال؛ فهو خير من يزيد بن الوليد. فقال: لا والله لا تحدث العرب أني أول من خان. ثم أتوا به يزيد بن الوليد فاستخدم من ذلك المال جندا للقتال قريبا من ألفي فارس، وبعث به مع أخيه عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك خلف الوليد بن يزيد ليأتوا به، وركب بعض موالي الوليد فرسا سابقا فساق به حتى انتهى إلى مولاه من الليل، وقد نفق الفرس من السوق، فأخبره الخبر فلم يصدِّقه وأمر بضربه، ثم تواترت عليه الأخبار فأشار عليه بعض أصحابه أن يتحول من منـزله ذاك إلى حمص؛ فإنَّها حصينة.
وقال الأبرش سعيد بن الوليد الكلبي: أنزل على قومي بتدمر، فأبى أن يقبل شيئا من ذلك؛ بل ركب بمن معه، وهو في مائتي فارس، وقصد أصحاب يزيد فالتقوا بثقلة في أثناء الطريق فأخذوه، وجاء الوليد فنـزل حصن البخراء الذي كان للنعمان بن بشير، وجاءه رسول العبَّاس بن الوليد: إني آتيك– وكان من أنصاره- فأمر الوليد بإبراز سريره فجلس عليه وقال: أعليّ يتوثب الرِّجال وأنا أثب على الأسد وأتخصَّر الأفاعي؟


وقدم عبد العزيز بن الوليد بمن معه؛ وإنما كان قد خلص معه من الألفي فارس ثمانمائة فارس، فتصافُّوا فاقتتلوا قتالاً شديداً، فقتل من أصحاب العباس جماعة حملت رؤوسهم إلى الوليد، وقد كان جاء العباس بن الوليد لنصرة الوليد بن يزيد، فبعث إليه أخوه عبد العزيز فجيء به قهراً حتى بايع لأخيه يزيد بن الوليد، واجتمعوا على حرب الوليد بن يزيد، فلما رأى الناس اجتماعَهم فرُّوا من الوليد إليهم، وبقي الوليد في ذل وقل من الناس، فلجأ إلى الحصن فجاؤوا إليه وأحاطوا به من كلِّ جانب يحاصرونه، فدنا الوليد من باب الحصن فنادى: ليكلمني رجل شريف. فكلَّمه يزيد بن عنبسة السكسكي، فقال الوليد: ألم أدفع الموت عنكم؟ ألم أعط فقراءكم؟ ألم أخدم نساءكم؟ فقال يزيد: إنَّما تنقم عليك انتهاك المحارم وشرب الخمور ونكاح أمهات أولاد أبيك، واستخفافك بأمر الله عز وجل. فقال: حسبك يا أخا السكاسك؛ لقد أكثرت وأغرقت، وإن فيما أحل الله لي لسعة عما ذكرتَه. ثم قال: أما والله لئن قتلتموني لا ترتقن فتنتكم ولا يلم شعثكم([9]) ولا تجتمع كلمتكم.


ورجع إلى القصر فجلس ووضع بين يديه مصحفا فنشره وأقبل يقرأ فيه وقال: يوم كيوم عثمان. واستسلم، وتسور عليه أولئك الحائط، فكان أول من نزل إليه يزيد بن عنبسة، فتقدم إليه وإلى جانبه سيف فقال: نحه عنك. فقال الوليد: لو أردت القتال به لكان غير هذا، فأخذ بيده وهو يريد أن يحسبه حتى يبعث به إلى يزيد بن الوليد، فبادره عليه عشرة من الأمراء، فأقبلوا على الوليد يضربونه على رأسه ووجهه بالسيوف حتى قتلوه، ثم جروه برجله ليخرجوه، فصاحت النسوة فتركوه، واحتز أبو علاقة القضاعي رأسه، واحتاطوا على ما كان معه مما كان خرج به في وجهه ذلك، وبعثوا به إلى يزيد مع عشرة نفر، منهم منصور بن جمهور وروح بن مقبل وبشر مولى كنانة من بني كلب، وعبد الرحمن الملقب بوجه الفلس، فلما انتهوا إليه بشَّروه بقتل الوليد وسلَّموا عليه بالخلافة، فأطلق لكل رجل من العشرة عشرةَ آلاف، فقال له روح بن بشر بن مقبل: أبشر يا أمير المؤمنين بقتل الوليد الفاسق. فسجد شكراً لله ورجعت الجيوش إلى يزيد، فكان أول من أخذ يدَه للمبايعة يزيد بن عنبسة السكسكي فانتزع يده من يده وقال: اللهمَّ إن كان هذا رضى لك فأعنِّي عليه.


وكان قد جعل لمن جاءه برأس الوليد مائة ألف درهم، فلما جيء به –وكان ذلك ليلة الجمعة، وقيل يوم الأربعاء- لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة ست وعشرين ومائة. فأمر يزيد بنصب رأسه على رمح وأن يطاف به في البلد، فقيل له: إنما ينصب رأس الخارجي. فقال: والله لأنصبنه. فشهره في البلد على رمح ثم أودعه عند رجل شهرا ثم بعث به إلى أخيه سليمان بن يزيد، فقال أخوه: بعدا له، أشهد أنك كنت شروبا للخمر ماجنا فاسقا، ولقد أرادني على نفسي هذا الفاسق وأنا أخوه، لم يأنف من ذلك.


وقد قيل: إنَّ رأسَه لم يزل معلَّقاً بحائط جامع دمشق الشَّرقيِّ ممَّا يلي الصحن حتى انقضت دولة بني أمية. وقيل: إنما كان ذلك أثر دمه، وكان عمره يوم قتل ستًّا وثلاثين سنة، وقيل ثمانيا وثلاثين، وقيل إحدى وثلاثين، وقيل اثنتان، وقيل خمس، وقيل ست وأربعون سنة، ومدة ولايته سنة وستة أشهر على الأَشْهَر، وقيل ثلاثة أشهر.


قال ابن جرير: كان شديدَ البطش طويلَ أصابع الرجلين، كانت تضرب له سكة الحديد في الأرض ويربط فيها خيط إلى رجله ثم يثب على الفرس فيركبها ولا يمس الفرس، فتنقلع تلك السكة من الأرض مع وثبته.


([1]) صيودا: صياد.

([2]) طفلة: الناعمة الرقيقة.

([3]) حصيف: محكم لا خلل فيه.

([4]) الصواهل: الخيول.

([5]) رتعوا: أقاموا وأكلوا وشربوا في مكان فيه خصب وسعة.

([6]) الصنادد: الشجعان.

([7]) ذائد: حام ومدافع.

([8]) وان: ضعيف، خامل.

([9]) شعثكم: تفرقكم.








 


رد مع اقتباس
قديم 2014-12-09, 18:04   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

نهاية القرمطي الخبيث زكرويه بن مهرويه

في المحرَّم من سنة 294هـ اعترض زكرويه([1]) في أصحابه إلى الحُجَّاج من أهل خراسان وهم قافلون من مكة فقتلهم عن آخرهم وأخذ أموالهم وسبى نساءهم، فكان قيمة ما أخذه منهم ألفي ألف دينار، وعدة من قتل عشرين ألف إنسان، وكانت نساء القرامطة يطفن بين القتلى من الحُجَّاج وفي أيديهم الآنية من الماء يزعمن أنهن يسقين الجريح العطشان، فمن كلمهن من الجرحى قتلنه وأجهزن عليه، لعنهن الله ولعن أزواجهن.


ذكر مقتل زكرويه:


لما علم الخليفة العباسيُّ المكتفي بالله بخبر الحجيج وما أوقع بهم الخبيث جهز إليه جيشا كثيفا فالتقوا معه فاقتتلوا قتالا شديدا جدا، قتل من القرامطة خلق كثير ولم يبق منهم إلا القليل، وذلك في أول ربيع الأول منها، وضرب رجل زكرويه بالسيف في رأسه فوصلت الضربة إلى دماغه، وأخذ أسيرا فمات بعد خمسة أيام، فشقوا بطنه وصبروه وحملوه في جماعة من رؤوس أصحابه إلى بغداد، واحتوى عسكر الخليفة على ما كان بأيدي القرامطة من الأموال والحواصل، وأمر الخليفة بقتل أصحاب القرمطي، وأن يُطاف برأسه في سائر بلاد خراسان؛ لئلا يمتنع الناس عن الحج، وأطلق من كان بأيدي القرامطة من النساء والصبيان الذين أسرهم.




وفيها غزا أحمد بن كنغلغ نائب دمشق بلاد الروم من ناحية طرسوس فقتل منهم نحوا من أربعة آلاف وأسر من ذراريهم نحوا من خمسين ألفا، وأسلم بعض البطارقة وصحبته نحو من مائتي أسير كانوا في حبسه من المسلمين، فأرسل ملك الروم جيشا في طلب ذلك البطريق، فركب في جماعة من المسلمين فكبس جيش الروم فقتل منهم مقتلة عظيمة وغنم منهم غنيمة كثيرة جدا، ولما قدم على الخليفة أكرمه وأحسن إليه وأعطاه ما تمناه عليه. وفيها ظهر بالشام رجل فادعى أنه السفياني فأخذ وبعث به إلى بغداد فادعى أنه موسوس فترك، وحج بالناس الفضل بن عبد الملك الهاشمي.


([1]) هو زكرويه بن مهرويه القرمطي، من زعماء القرامطة ومتألهيهم من أهل القطيف، اختفى أربع سنين في أيام المعتضد العباسي فلم يظفر به، ولما مات المعتضد أظهر نفسه واستهوى طوائف من أهل بادية العراق، وبث الدعاة، وكان أتباعه يسجدون له، وقد قتل في أيام المكتفي بالله أحد خلفاء بني العباس، كما سيأتي بإذن الله.









رد مع اقتباس
قديم 2014-12-09, 18:18   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

نهاية الحسين بن منصور الحلاج


قال ابن كثير: وفي سنة 309هـ كان مقتل الحسين بن منصور الحلاج، ولنذكر شيئا من ترجمته وسيرته، وكيفية قتله على وجه الإيجاز وبيان المقصود بطريق الإنصاف والعدل، من غير تحمل ولا هوى ولا جور.


ترجمة الحلاج:


ونحن نعوذ بالله أن نقول عليه ما لم يكن قاله، أو نتحمل عليه في أقواله وأفعاله، فنقول: هو الحسين بن منصور بن محمى الحلاج أبو مغيث، ويقال أبو عبد الله، كان جده مجوسيا محمى من أهل فارس من بلدة يقال لها البيضاء، ونشأ بواسط، ويقال بتستر، ودخل بغداد وتردد إلى مكة وجاور بها في وسط المسجد في البرد والحر، مكث على ذلك سنوات متفرقة، وكان يصابر نفسه ويجاهدها، ولا يجلس إلى تحت السماء في وسط المسجد الحرام، ولا يأكل إلا بعض قرص ويشرب قليلا من الماء معه وقت الفطور مدة سنة كاملة، وكان يجلس على صخرة في شدة الحر في جبل أبي قبيس، وقد صحب جماعة من سادات المشايخ الصوفية، كالجنيد بن محمد، وعمرو بن عثمان المكي، وأبي الحسين النوري.


قال الخطيب البغدادي: والصوفية مختلفون فيه؛ فأكثرهم نفى أن يكون الحلاج منهم، وأبى أن يعده فيهم، وقبله من متقدميهم أبو العباس بن عطاء البغدادي، ومحمد بن خفيف الشيرازي، وإبراهيم بن محمد النصر أباذي النيسابوري، وصححوا له حاله، ودونوا كلامه، حتى قال ابن خفيف: الحسين بن منصور عالم رباني. وقال أبو عبد الرحمن السلمي– واسمه محمد بن الحسين: سمعت إبراهيم بن محمد النصر أباذي وعوتب في شيء حكي عن الحلاج في الروح فقال للذي عاتبه: إن كان بعد النبيين والصديقين موحد فهو الحلاج. قال أبو عبد الرحمن: وسمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت الشبلي يقول: كنت أنا والحسين بن منصور شيئا واحدا، إلا أنه أظهر وكتمت. وقد روي عن الشبلي من وجه آخر أنه قال- وقد رأى الحلَّاج مصلوباً: ألم أنهك عن العالمين؟ قال الخطيب: والذين نفوه من الصوفية نسبوه إلى الشعبذة([1]) في فعله، وإلى الزندقة في عقيدته وعقده. قال: وله إلى الآن أصحاب ينسبون إليه ويغالون فيه ويغلون.


وقد كان الحلاج في عبارته حلو المنطق، وله شعر على طريقة الصوفية. قلت: لم يزل الناس منذ قتل الحلاج مختلفين في أمره؛ فأمَّا الفقهاء فحكي عن غير واحد من العلماء والأئمة إجماعهم على قتله، وأنه قتل كافرا، وكان كافرا ممخرقا([2]) مموها مشعبذا، وبهذا قال أكثر الصوفية فيه.


ومنهم طائفة كما تقدم أجملوا القول فيه، وغرهم ظاهره ولم يطلعوا على باطنه ولا باطن قوله؛ فإنه كان في ابتداء أمره فيه تعبد وتأله وسلوك، ولكن لم يمكن له علم ولا بنى أمره وحاله على تقوى من الله ورضوان؛ فلهذا كان ما يفسده أكثرَ مما يصلحه، وقال سفيان بن عيينة: من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى، ولهذا دخل على الحلاج الحلول([3]) والاتحاد([4])، فصار من أهل الانحلال والانحراف.


وقد روي من وجه أنه تقلبت به الأحوال وتردد إلى البلدان، وهو في ذلك كله يظهر للناس أنه من الدعاة إلى الله عز وجل، وصحَّ أنَّه دخل إلى الهند وتعلم بها السحر، وقال: أدعو به إلى الله، وكان أهل الهند يكاتبونه بالمغيث– أي أنه من رجال الغيث، ويكاتبه أهل سركسان بالمقيت، ويكاتبه أهل خراسان بالمميز، وأهل فارس بأبي عبد الله الزاهد، وأهل خوزستان بأبي عبد الله الزاهد حلاج الأسرار.


وكان بعض البغاددة حين كان عندهم يقولون له: المصطلم([5]). وأهل البصرة يقولون له: المحير. ويقال: إنما سماه الحلاج أهل الأهواز لأنه كان يكاشفهم عن ما في ضمائرهم، وقيل لأنه مرة قال الحلاج: اذهب لي في حاجة كذا وكذا. فقال: إني مشغول بالحلج، فقال: اذهب فأنا أحلج عنك، فذهب ورجع سريعا فإذا جميع ما في ذلك المخزن قد حلجه.


يقال: إنه أشار بالمرود؛ فامتاز الحب عن القطن. وفي صحَّة هذا ونسبته إليه نظر، وإن كان قد جرى مثل هذا؛ فالشياطين تعين أصحابها ويستخدمونهم. وقيل: لأن أباه كان حلاجا.


ومما يدل على أنه كان ذا حلول في بدء أمره أشياء كثيرة، منها شعره في ذلك؛ فمن ذلك قوله:


جبلت روحك في روحي كما




يجبل العنبر بالمسك الفنق([6])


فإذا مسَّك شيء مسّني




وإذا أنت أنا لا تفترق





وقوله:


مزجت روحك في روحي كما




تمزج الخمرة بالماء الزلال


فإذا مسَّك شيء مسَّني




فإذا أنت أنا في كل حال





وقوله أيضاً:


قد تحققتك في سر



ي فخاطبك لساني


فاجتمعنا لمعان



وافترقنا لمعان


إن يكن غيبك التعظيـ



ـم عن لحظ العيان([7])


قد صيرك الوجـ



ـد من الأحشاء دان([8])


وقد أنشد لابن عطاء قول الحلاج:


أريدك لا أريدك للثواب




ولكني أريدك للعقاب


وكل مآربي قد نلت منها




سوى ملذوذ وجدي بالعذاب





فقال ابن عطا: قال هذا ما تزايد به عذاب الشغف وهيام الكلف، واحتراق الأسف، فإذا صفا ووفا علا إلى مشرب عذب وهاطل من الحق دائم سكب. وقد أنشد لأبي عبد الله بن خفيف قول الحلاج:


سبحان من أظهر ناسوته




سر سنا لا هوته الثاقب([9])


ثم بدا في خلقه ظاهرا




في صورة الأكل والشارب


حتى لقد عاينه خلقه




كلحظة الحاجب بالحاجب





فقال ابن خفيف: علا من يقول هذا لعنةُ الله؟ فقيل له: إن هذا من شعر الحلاج، فقال: قد يكون مقولا عليه. وينسب إليه أيضا:


أوشكت تسأل عني كيف كنت




وما لاقيت بعدك من هم وحزن


لا كنت إن كنت أدري كيف كنت




ولا لا كنت أدري كيف لم أكن





قال ابن خلِّكان: ويروى لسمنون لا للحلاج. ومن شِعره أيضا قوله:


متى سهرت عيني لغيرك أو بكت




فلا أعطيت ما أملت وتمنَّت


وإن أضمرت نفسي سواك فلا زكت




رياض المنى من وجنتيك وجنت





ومن شعره أيضاً:


دنيا تغالطني كأنني




لست أعرف حالها


حظر المليك حرامها




وأنا احتميت حلالها


فوجدتها محتاجة




فوهبت لذتها لها





وقد كان الحلاج يتلون في ملابسه؛ فتارة يلبس لباس الصوفية وتارة يتجرد في ملابس زرية، وتارة يلبس لباس الأجناد ويعاشر أبناء الأغنياء والملوك والأجناد. وقد رآه بعض أصحابه في ثياب رثَّة وبيده ركوة وعكازة وهو سائح فقال له: ما هذه الحالة يا حلاج؟ فأنشأ يقول:


لئن أمسيت في ثوبي عديم




لقد بليا على حر كريم


فلا يغررك أن أبصرت حالا




مغيَّرة عن الحال القديم


فلي نفس ستتلف أو سترقى




لعمرك بي إلى أمر جسيم([10])





ومن مستجاد كلامه وقد سأله رجل أن يوصيه بشيء ينفعه الله به فقال: عليك نفسك إن لم تشغلها بالحق وإلا شغلتك عن الحق. وقال له رجل: عظني. فقال: كن مع الحق بحكم ما أوجب. وروى الخطيب بسنده إليه أنه قال: علم الأولين والآخرين مرجعه إلى أربع كلمات: حب الجليل، وبغض القليل، واتباع التنـزيل، وخوف التحويل.


قلت: وقد أخطأ الحلَّاج في المقامين الأخيرين؛ فلم يتَّبع التَّنـزيل ولم يبق على الاستقامة؛ بل تحوَّل عنها إلى الاعوجاج والبدعة والضلالة، نسأل الله العافية.


وقال أبو عبد الرحمن السلمي عن عمرو بن عثمان المكي أنه قال: كنت أماشي الحلاج في بعض أزقة مكة، وكنت أقرأ القرآن فسمع قراءتي فقال: يمكنني أن أقول مثل هذا، ففارقته. قال الخطيب: وحدثني مسعود بن ناصر أنبأنا ابن باكوا الشيرازي، سمعت أبا زرعة الطَّبريَّ يقول: الناس فيه– يعني حسين بن منصور الحلاج- بين قبول ورَدٍّ؛ ولكن سمعت محمد بن يحيى الرَّازي يقول: سمعت عمرو بن عثمان يلعنه ويقول: لو قدرت عليه لقتلتُه بيدي. فقلت له: إيش الذي وجد الشيخ عليه؟ قال: قرأتُ آيةً من كتاب الله فقال: يمكنني أن أؤلِّفَ مثله وأتكلم به. قال أبو زرعة الطبري: وسمعت أبا يعقوب الأقطع يقول: زوجت ابنتي من الحسين الحلاج لما رأيت من حسن طريقته واجتهاده، فبان لي منه بعد مدة يسيرة أنَّه ساحر محتال، خبيث كافر. قلت: كان تزويجه إياها بمكة، وهي أم الحسين بنت أبي يعقوب الأقطع فأولدها ولده أحمد بن الحسين بن منصور، وقد ذكر سيرةَ أبيه كما ساقها من طريق الخطيب.


وذكر أبو القاسم القشيريّ في رسالته في باب حفظ قلوب المشايخ: أن عمرو بن عثمان دخل على الحلاج وهو بمكة وهو يكتب شيئاً في أوراق فقال له: ما هذا؟ فقال: هو ذا أعراض القرآن. قال: فدعا عليه فلم يفلح بعدها، وأنكر على أبي يعقوب الأقطع تزويجه إياه ابنته. وكتب عمرو بن عثمان إلى الآفاق كتبا كثيرة يلعنه فيها ويحذر الناس منه، فشرد الحلاج في البلاد فعاث يميناً وشمالاً، وجعل يظهر أنه يدعو إلى الله ويستعين بأنواع من الحيل، ولم يزل ذلك دأبه وشأنه حتى أحلَّ الله به بأسَه الذي لا يرد عن القوم المجرمين، فقتله بسيف الشَّرع الذي لا يقع إلا بين كتفي زنديق، والله أعدل من أن يسلِّطَه على صديق؛ كيف وقد تهجَّم على القرآن العظيم، وقد أراد معارضته في البلد الحرام حيث نزل به جبريل، وقد قال تعالى: }وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ{ [الحج: 25]. ولا إلحادَ أعظم من هذا، وقد أشبه الحلاج كفار قريش في معاندتهم؛ كما قال تعالى عنهم: }وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ{ [الأنفال: 31].

([1]) الشعبذة: الشعوذة.

([2]) الممخرق: الكاذب المختلف.

([3]) الحلول: أي حلول اللاهوت في الناسوت أي الرب في العباد.

([4]) الاتحاد: وهو اتحاد الخالق والمخلوق فيصيران شيئا واحدا، أو هو فناء المخلوق بالخالق.

([5]) المصطلم: القاطع.

([6]) الفنق: الناعم.

([7]) لحظ العيان: أي المشاهدة.

([8]) الوجد: شدة العشق، ودان: قريب.

([9]) المعنى أن الإنسان هو سر الله المضيء.

([10]) تتلف: تهلك، وترقى: تصعد.









رد مع اقتباس
قديم 2014-12-11, 19:09   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

نهايةُ الحاكم بن المعزِّ الفاطميِّ


في سنة 411هـ عدم الحاكم بمصر؛ وذلك أنَّه لما كان ليلة الثلاثاء لليلتين بقيتا من شوال فقد الحاكم بن المعز الفاطمي صاحب مصر، فاستبشر المؤمنون والمسلمون بذلك؛ وذلك لأنه كان جبَّارا عنيدا، وشيطانا مريدا، ولنذكر شيئا من صفاته القبيحة، وسيرته الملعونة، أخزاه الله.


كان كثر التَّلَوُّن في أفعاله وأحكامه وأقواله جائزا، وقد كان يروم أن يدعي الألوهية كما ادَّعاها فرعون؛ فكان قد أمر الرَّعيَّةَ إذا ذكر الخطيب على المنبر اسمه أن يقوم الناس على أقدامهم صفوفاً؛ إعظاماً لذكره واحتراماً لاسمه؛ فعل ذلك في سائر ممالكه؛ حتى في الحرمين الشَّريفين، وكان قد أمر أهل مصر على الخصوص إذا قاموا عند كذره خروا سجدا له، حتى إنه ليسجد بسجودهم مَن في الأسواق من الرِّعاع وغيرهم ممن كان لا يصلِّي الجمعة، وكانوا يتركون السُّجودَ لله في يوم الجمعة وغيره ويسجدون للحاكم، وأمر في وقت لأهل الكتابين بالدُّخول في دين الإسلام كرهاً، ثم أذن لهم في العودة إلى دينهم، وخرَّب كنائسَهم ثم عمَّرَها، وخرَّب القمامة ثم أعادها، وابتنى المدارس، وجعل فيها الفقهاء والمشايخ، ثم قتلهم وأخربها، وألزم الناس بغلق الأسواق نهاراً، وفتحها ليلا، فامتثلوا ذلك دهراً طويلاً، حتى اجتاز مرة برجل يعمل النجارة في أثناء النهار فوقف عليه فقال: ألم أنهكم؟ فقال: يا سيدي لما كان الناس يتعيشون بالنهار كانوا يسهرون بالليل، ولما كانوا يتعيشون بالليل سهروا بالنهار فهذا من جملة السهر، فتبسم وتركه، وأعاد الناس إلى أمرهم الأول.




وكلُّ هذا تغييرٌ للرُّسوم، واختبار لطاعة العامة له؛ ليرقى في ذلك إلى ما هو أشرّ وأعظم منه، وقد كان يعمل الحسبة بنفسه؛ فكان يدور بنفسه في الأسواق على حمار له– وكان لا يركب إلا حمارا؛ فمن وجده قد غش في معيشة أمر عبدا أسود معه يقال له مسعود أن يفعل به الفاحشة العظمى، وهذا أمر منكر ملعون لم يسبق إليه، وكان قد منع النساء من الخروج من منازلهن وقطع شجر الأعناب حتى لا يتخذ الناس منها خمرا، ومنعهم من طبخ الملوخية، وأشياء من الرعونات التي من أحسنها منع النساء من الخروج، وكراهة الخمر، وكانت العامة تبغضه كثيرا، ويكتبون له الأوراق بالشتيمة البالغة له ولأسلافه في صورة قصص، فإذا قرأها ازداد غيظا وحنقا عليهم، حتى إن أهل مصر عملوا صورة امرأة من ورق بخفيها وإزارها، وفي يدها قصة من الشتم واللعن والمخالفة شيء كثير، فلما رآها ظنها امرأة، فذهب من ناحيتها وأخذ القصة من يدها فقرأها فرأى ما فيها، فأغضبه ذلك جدا، فأمر بقتل المرأة، فلما تحققها من ورق ازداد غيظا على غيظه، ثم لما وصل إلى القاهرة أمر السودان أن يذهبوا إلى مصر فيحرقوها وينهبوا ما فيها من الأموال والمتاع والحريم، فذهبوا فامتثلوا ما أمرهم به، فقاتلهم أهل مصر قتالا شديدا ثلاثة أيام، والنار تعمل في الدور والحريم، وهو في كل يوم- قبَّحه الله- يخرج فيقف من بعيد وينظر ويبكي ويقول: من أمر هؤلاء العبيد بهذا؟ ثم اجتمع الناس في الجوامع ورفعوا المصاحف وصاروا إلى الله عز وجل، واستغاثوا به، فرق لهم التُّرك والمشارقة وانحازوا إليهم، وقاتلوا معهم عن حريمهم ودورهم، وتفاقم الحال جدا، ثم ركب الحاكم لعنه الله ففصل بين الفريقين، وكفَّ العبيد عنهم، وكان يظهر التنصل مما فعله العبيد وأنهم ارتكبوا ذلك من غير علمه وإذنه، وكان ينفذ إليهم السلاح ويحثهم على ذلك في الباطن، وما انجلى الأمر حتى احترق من مصر نحو ثلثها، ونُهب قريب من نصفها، وسبيت نساء وبنات كثيرة، وفعل معهن الفواحش والمنكرات، حتى إن منهن من قتلت نفسها خوفا من العار والفضيحة، واشترى الرجال منهم من سبي لهم من النساء والحريم.




قال ابن الجوزي: ثم ازداد ظلم الحاكم حتى عنَّ له أن يدَّعي الربوبية، فصار قوم من الجهال إذا رأوه يقولون يا واحد يا أحد يا محيي يا مميت قبحهم الله جميعا.


صفة مقتله:




كان قد تعدَّى شرُّه إلى الناس كلِّهم حتى إلى أخته، وكان يتهمها بالفاحشة، ويسمعها أغلظ الكلام، فتبرمت منه، وعملت على قتله، فراسلت أكبر الأمراء، أميرا يقال له ابن دواس، فتوافقت هي وهو على قتله ودماره، وتواطأ على ذلك، فجهز من عنده عبدين أسودين شهمين، وقال لهما: إذا كانت الليلة الفلانية فكونا في جبل المقطم، ففي تلك الليلة يكون الحاكم هناك في الليل لينظر في النجوم، وليس معه أحد إلا ركابي وصبي، فاقتلاه واقتلاهما معه، واتفق الحال على ذلك. فلما كانت تلك الليلة قال الحاكم لأمه: علي في هذه الليلة قطع عظيم، فإن نجوت منه عمرت نحوا من ثمانين سنة، ومع هذا فانقلي حواصلي إليك؛ فإن أخوف ما أخاف عليك من أختي، وأخوف ما أخاف على نفسي منها، فنقل حواصله إلى أمه، وكان له في صناديق قريب من ثلاثمائة ألف دينار، وجواهر أخر، فقالت له أمه: يا مولانا إذا كان الأمر كما تقول فارحمني ولا تركب في ليلتك هذه إلى موضع، وكان يحبها. فقال: أفعل، وكان من عادته أن يدور حول القصر كل ليلة، فدار ثم عاد إلى القصر، فنام إلى قريب من ثلث الليل الأخير، فاستيقظ وقال إن لم أركب الليلة فاضت نفسي، فثار فركب فرسا وصحبه صبي وركابي، وصعد الجبل المقطم فاستقبله ذانك العبدان فأنزلاه عن مركوبه، وقطعا يديه ورجليه، وبقرا بطنه، فأتيا به مولاهما ابن دواس، فحمله إلى أخته فدفنته في مجلس دارها، واستدعت الأمراء والأكابر والوزير وقد أطلعته على الحيلة، فبايعوا لولد الحاكم أبي الحسن علي، ولقب بالظاهر لإعزاز دين الله، وكان بدمشق، فاستدعت به وجعلت تقول للناس: إن الحاكم قال لي: إنه يغيب عنكم سبعة أيام ثم يعود، فاطمأن الناس، وجعلت ترسل ركابين إلى الجبل فيصعدونه، ثم يرجعون فيقولون تركناه في الموضع الفلاني، ويقول الذين بعدهم لأمه: تركناه في موضع كذا وكذا. حتى اطمأن الناس وقدم ابن أخيها واستصحب معه من دمشق ألف ألف دينار، وألف ألف درهم، فحين وصل ألبسته تاج جد أبيه المعز، وحلة عظيمة، وأجلسته على السرير، وبايعه الأمراء والرؤساء وأطلق لهم الأموال، وخلعت على ابن دواس خلعة سنية هائلة، وعملت عزاء أخيها الحاكم ثلاثة أيام، ثم أرسلت إلى ابن دواس طائفة من الجند ليكونوا بين يديه بسيوفهم وقوفا في خدمته، ثم يقولوا له في بعض الأيام: أنت قاتل مولانا، ثم يهبرونه بسيوفهم، ففعلوا وقويت حرمتها وثبتت دولتها. وقد كان عمر الحاكم يوم قتل سبعا وثلاثين سنة، ومدة ملكه من ذلك خمسا وعشرين سنة.










رد مع اقتباس
قديم 2014-12-11, 19:45   رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

نهاية السلطان ركن الدين بيبرس الجاشنكير


استهلت سنة 709هـ وخليفة الوقت المستكفي أمير المؤمنين ابن الحاكم بأمر الله العباسي، وسلطان البلاد الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير، ونائبه بمصر الأمير سيف الدين سلار، وبالشام آقوش الأفرم، وفي ليلة سلخ صفر توجه الشيخ تقي الدين ابن تيمية– رحمه الله- من القاهرة إلى الإسكندرية صحبة أمير مقدم، فأدخله دار السلطان وأنزله في برج منها فسيح متسع الأكناف، فكان الناس يدخلون عليه ويشتغلون في سائر العلوم، ثم كان بعد ذلك يحضر الجماعات ويعمل المواعيد على عادته في الجامع، وكان دخوله إلى الإسكندرية يوم الأحد، وبعد عشرة أيام وصل خبره إلى دمشق فحصل عليه؛ تألَّم وخافوا عليه غائلة الجاشنكير وشيخه المنبجي، فتضاعف له الدعاء؛ وذلك أنهم لم يمكنوا أحدا من أصحابه أن يخرج معه إلى الإسكندرية، فضاقت له الصُّدور؛ وذلك أنه تمكَّن منه عدوُّه نصر المنبجيُّ.




وكان سبب عداوته له أنَّ الشَّيخَ تقيَّ الدِّين كان ينال من الجاشنكير ومن شيخه نصر المنبجيّ، ويقول: زالت أيامه وانتهت رياسته، وقرب انقضاء أجله، ويتكلم فيهما وفي ابن عربيّ وأتباعه، فأرادوا أن يسيِّروه إلى الإسكندرية كهيئة المنفيّ؛ لعلَّ أحداً من أهلها يتجاسر عليه فيقتله غيلةً، فما زاد ذلك الناس إلا محبةً فيه وقرباً منه وانتفاعاً به واشتغالاً عليه، وحنوا وكرامة له.


وجاء كتاب من أخيه يقول فيه: إن الأخ الكريم قد نزل بالثغر المحروس على نية الرباط، فإن أعداء الله قصدوا بذلك أمورا يكيدونه بها ويكيدون الإسلام وأهله، وكانت تلك كرامة في حقنا، وظنوا أنَّ ذلك يؤدِّي إلى هلاك الشيخ، فانقلبت عليهم مقاصدهم الخبيثة وانعكست من كلِّ الوجوه، أصبحوا وأمسوا وما زالوا عند الله وعند الناس العارفين سودَ الوجوه يتقطَّعون حسرات وندماً على ما فعلوا، وانقلب أهلُ الثَّغر أجمعين إلى الأخ مقبلين عليه مكرمين له، وفي كل وقت ينشر من كتاب الله وسنة رسوله ما تقر به أعين المؤمنين، وذلك شجى في حلوق الأعداء واتفق أنه وجد بالإسكندرية إبليس قد باض فيه وفرخ وأضل بها فرق السبعينية والعربية فمزق الله بقدومه عليهم شملهم، وشتت جموعهم شذر مذر، وهتك أستارهم وفضحهم، واستناب جماعة كثيرة منهم، وتوب رئيسا من رؤسائهم واستقر عند عامة المؤمنين وخواصهم من أمير وقاض وفقيه ومفت وشيخ وجماعة المجتهدين، إلا من شذ من الأغمار الجهال، مع الذلة والصغار- محبَّةُ الشيخ وتعظيمُه وقبول كلامه والرجوع إلى أمره ونهيه؛ فعلت كلمة الله بها على أعداء الله ورسوله، ولعنوا سرا وجهرا وباطنا وظاهرا، في مجامع الناس بأسمائهم الخاصة بهم، وصار ذلك عند نصر المنبجي المقيم المقعد، ونزل به من الخوف والذلِّ ما لا يعبر عنه، وذكر كلاما كثيرا.


والمقصود أن الشيخ تقيَّ الدين أقام بثغر الإسكندرية ثمانية أشهر مقيما ببرج متَّسع مليح نظيف له شبَّاكان؛ أحدهما إلى جهة البحر والآخر إلى جهة المدينة، وكان يدخل عليه من شاء، ويتردد إليه الأكابر والأعيان والفقهاء؛ يقرؤون عليه ويستفيدون منه، وهو في أطيب عيش وأشرح صدر.




وفي آخر ربيع الأول عزل الشيخ كمال الدين بن الزملكاني عن نظر المارستان بسبب انتمائه إلى ابن تيمية بإشارة المنبجي، وبإشارة شمس الدين عبد القادر بن الخطيري، وفي يوم الثلاثاء ثالث ربيع الآخر ولي قضاء الحنابلة بمصر الشيخ الإمام الحافظ سعد الدين أبو محمود مسعود بن أحمد بن مسعود بن زين الدين الحارثي، شيخ الحديث بمصر، بعد وفاة القاضي شرف الدين أبي محمد عبد الغني بن يحيى بن محمد بن عبد الله بن نصر بن أبي بكر الحرّاني.




وفي جمادى الأولى برزت المراسيم السُّلطانية المظفرية إلى البلاد السَّواحليَّة بإبطال الخمور وتخريب الحانات ونفي أهلها، ففعل ذلك وفرح المسلمون بذلك فرحا شديدا.




وفي مستهلِّ جمادى الآخرة وصل بريد بتوليه قضاء الحنابلة بدمشق للشيخ شهاب الدين أحمد بن شريف الدين حسن بن الحافظ جمال الدين أبي موسى عبد الله بن الحافظ عبد الغني المقدسي؛ عوضاً عن التَّقيِّ سليمان بن حمزة؛ بسبب تكلُّمه في نزول الملك الناصر عن الملك، وأنه إنما نزل عنه مضطهدا بذلك، ليس بمختار، وقد صدق فيما قال.




في عشرين جمادى الآخرة وصل البريد بولاية شد الدواوين للأمير سيف الدين بكتمر الحاجب؛ عوضاً على الرُّستميِّ؛ فلم يقبل، وبنظر الخزانة للأمير عز الدين أحمد بن زين الدين محمد بن أحمد بن محمود المعروف بابن القلانسيّ، فباشرهما وعزل عنها البصراويّ محتسب البلد، وفي هذا الشهر باشر قاضي القضاة ابن جماعة مشيخة سعيد السعداء بالقاهرة بطلب الصوفية له، ورضوا منه بالحضور عندهم في الجمعة مرة واحدة، وعزل عنها الشيخ كريم الدِّين الأيكي؛ لأنه عزل منها الشهود، فثاروا عليه وكتبوا في حقه محاضر بأشياء قادحة في الدِّين، فرسم بصرفة عنهم، وعومل بنظير ما كان يعامل به الناس.




ومن جملة ذلك قيامُه على شيخ الإسلام ابن تيمية وافتراؤه عليه الكذب مع جهله وقلَّة ورعه، فجعل الله له هذا الخزي على يدي أصحابه وأصدقائه جزاء وفاقا.




وفي شهر رجب كثر الخوف بدمشق وانتقل الناس من ظاهرها إلى داخلها؛ وسبب ذلك أنَّ السلطانَ الملكَ الناصرَ محمد بن قلاوون ركب من الكرك قاصداً دمشق يطلب عوده إلى الملك، وقد ملأه جماعة من الأمراء وكاتبوه في الباطن وناصحوه، وقفز إليه جماعة من أمراء المصريين، وتحدَّث النَّاس بسفر نائب دمشق الأفرم إلى القاهرة، وأن يكون مع الجمِّ الغفير، فاضطرب النَّاسُ ولم تفتح أبواب البلد إلى ارتفاع النهار، وتخبَّطت الأمور، فاجتمع القضاة وكثير من الأمراء بالقصر وجدَّدوا البيعةَ للملك المظفر.




وفي آخر نهار السبت غلقت أبواب البلد بعد العصر وازدحم الناس بباب النصر وحصل لهم تعب عظيم، وازدحم البلد بأهل القرى وكثر الناس بالبلد، وجاء البريد بوصول الملك الناصر إلى الخمان، فانزعج نائب الشام لذلك وأظهر أنه يريد قتاله ومنعه من دخول البلد، وقفز إليه أميران ركن الدين بيبرس المجنون، وبيبرس العلمي، وركب إليه الأمير سيف الدين بكتمر حاجب الحجاب يشير عليه بالرجوع، ويخبره بأنه لا طاقة له بقتال المصريين، ولحقه الأمير سيف الدين بهادر يشير عليه بمثل ذلك، ثم عاد إلى دمشق يوم الثلاثاء خامس من رجب، وأخبر أنَّ السُّلطانَ الملك الناصر قد عاد إلى الكرك، فسكن الناس ورجع نائب السَّلطنة إلى القصر، وتراجع بعض الناس إلى مساكنهم، واستقروا بها.


صفة عود الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون إلى الملك وزوال دولة المظفر الجاشنكير بيبرس وخذلانه وخذلان شيخه نصر المنبجي الاتحادي الحلولي


لما كان ثالث عشر من سنة 709هـ شعبان جاء الخبر بقدوم الملك الناصر إلى دمشق، فساق إليه الأميران سيف الدين قطلوبك والحاج بهادر إلى الكرك، وحضَّاه إلى المجيء إليها، واضطرب نائب دمشق وركب في جماعة من أتباعه على الهجن في سادس عشر شعبان ومعه ابن صبح صاحب شقيف أرنون، وهيئت بدمشق أبهة السلطنة والإقامات اللائقة به، والعصائب والكوسات، وركب من الكرك في أبهة عظيمة، وأرسل الأمان إلى الأفرم، ودعا له المؤذنون في المأذنة ليلة الاثنين سابع عشر شعبان، وصبح بالدعاء له والسرور بذكره، ونودي في الناس بالأمان، وأن يفتحوا دكاكينهم ويأمنوا في أوطانهم، وشرع الناس في الزينة ودقت البشائر وقام الناس في الأسطحة ليلة الثلاثاء ليتفرجوا على السلطان حين يدخل البلد، وخرج القضاة، والأمراء والأعيان لتلقيه.


قال كاتبه ابن كثير: وكنت فيمن شاهد دخوله يوم الثلاثاء وسط النهار في أبهة عظيمة وبسط له من عند المصلى وعليه أبهة الملك وبسطت الشقاق الحرير تحت أقدام فرسه، كلما جاوز شقة طويت من ورائه، والجد على رأسه والأمراء السلحدارية عن يمينه وشماله وبين يديه، والناس يدعون له ويضجُّون بذلك ضجيجاً عالياً، وكان يوماً مشهوداً؛ قال الشيخ علم الدِّين البرزالي: وكان على السُّلطان يومئذ عمامة بيضاء، وكاوثة حمراء، وكان الذي حمل الغاشية على رأس السلطان الحاج بهادر وعليه خلعة معظمة مذهبة بفرو فاخم.


ولما وصل إلى القلعة نصب له الجسر ونزل إليه نائبها الأمير سيف الدّين السنجري، فقبَّل الأرض بين يديه، فأشار إليه: إني الآن لا أنزل ههنا، وسار بفرسه إلى جهة القصر الأبلق والأمراء بين يديه، فخطب له يوم الجمعة.


وفي بكرة يوم السبت الثَّاني والعشرين من الشَّهر وصل الأمير جمال الدِّين آقوش الأفرم نائب دمشق مطيعاً للسُّلطان، فقبَّل الأرضَ بين يديه، فترجَّل له السُّلطان وأكرمه وأذن له في مباشرة النِّيابة على عادته، وفرح الناس بطاعة الأفرم له، ووصل إليه أيضا الأمير سيف الدين قبجق نائب حماة، والأمير سيف الدين استمرَّ نائب طرابلس يوم الاثنين الرابع والعشرين من شعبان، وخرج الناس لتلقِّيهما، وتلقَّاهما السلطان كما تلقَّى الأفرم.


وفي هذا اليوم رسم السُّلطان بتقليد قضاء الحنابلة وعوده إلى تقيِّ الدِّين سليمان، وهنَّأه الناس، وجاء إلى السلطان إلى القصر فسَلَّمَ عليه ومضى إلى الجوزية فحكم بها ثلاثة أشهر، وأقيمت الجمعة الثانية بالميدان وحضر السلطان والقضاة إلى جانبه، وأكابر الأمراء والدولة، وكثير من العامة. وفي هذا وصل إلى السلطان الأمير قراسنقر المنصوري نائب حلب، وخرج دهليز السلطان يوم الخميس رابع رمضان ومعه القضاة والقراء وقت العصر، وأقيمت الجمعة خامس رمضان بالميدان أيضا، ثم خرج السلطان من دمشق يوم الثلاثاء تاسع رمضان، وفي صحبته ابن صصري وصدر الدين الحنفي قاضي العساكر والخطيب جلال الدين، والشيخ كمال الدين بن الزملكاني، والموقعون وديوان الجيش وجيش الشام بكماله قد اجتمعوا عليه من سائر مدنه وأقاليمه بنوابه وأمرائه.


فلما انتهى السلطان إلى غزة دخلها في أبهة عظيمة، وتلقاه الأمير سيف الدين بهادر هو وجماعة من أمراء المصريين، فأخبروه أنَّ الملك المظفَّر قد خلع نفسه من المملكة، ثم تواتر قدوم الأمراء من مصر إلى السلطان وأخبروه بذلك، فطابت قلوب الشاميِّين واستبشروا بذلك ودقَّت البشائر...


واتَّفق في يوم هذا العيد أنَّه خرج نائب الخطيب الشَّيخ تقيّ الدين الجزري المعروف بالمقضاي في السناجق إلى المصلى على العادة، واستناب في البلد الشيخ مجد الدين التونسي، فلما وصلوا إلى المصلى وجدوا خطيب المصلى قد شرع في الصلاة، فنصبت السناجق في صحن المصلى وصلى بينهما تقيّ الدين المقضاي ثم خطب، وكذلك فعل ابن حسَّان داخلَ المصلَّى، فعُقد فيه صلاتان وخطبتان يومئذ، ولم يتفق مثل هذا فيما نعلم.


وكان دخول السلطان الملك الناصر إلى قلعة الجبل آخر يوم عيد الفطر من هذه السنة، ورسم لسلار أن يسافر إلى الشوبك، واستناب بمصر الأمير سيف الدين بكتمر الجوكندار الذي كان نائب صفد، وبالشام الأمير قراسنقر المنصوري؛ وذلك في العشرين من شوال، واستوزر الصاحب فخر الدين الخليلي بعدها بيومين، وباشر القاضي فخر الدين كاتب المماليك نظر الجيوش بمصر بعد بهاء الدين عبد الله بن أحمد بن علي بن المظفر الحلي، توفي ليلة الجمعة عاشر شوال، وكان من صدور المصريين وأعيان الكبار، وقد روى شيئاً من الحديث، وصرف الأمير جمال الدين آقوش الأفرم إلى نيامة صرخد، وقدم إلى دمشق الأمير زين الدين كتبغا رأس نوبة الجمدارية شد الدواوين، وأستاذ دار الإستادارية؛ عوضا عن سيف الدين تجبا، وتغيرت الدولة وانقلبت قلبة عظيمة.


قال الشيخ عَلَمُ الدِّين البرزاليّ: ولما دخل السُّلطان إلى مصر يوم عيد الفطر لم يكن له دأب إلا طلب الشيخ تقيّ الدين بن تيمية من الإسكندرية معزَّزاً مكرَّماً مبجَّلاً، فوجه إليه في ثاني يوم من شوال بعد وصوله بيوم أو يومين، فقدم الشيخ تقيّ الدين على السلطان في يوم ثامن الشهر، وخرج مع الشيخ خلق من الإسكندرية يودعونه، واجتمع بالسلطان يوم الجمعة فأكرمه وتلقَّاه ومشي إليه في مجلس حفل فيه قضاة المصريين والشَّاميِّين، وأصلح بينه وبينهم، ونزل الشَّيخ إلى القاهرة، وسكن بالقرب من مشهد الحسين، والناس يتردَّدون إليه والأمراء والجند، وكثير من الفقهاء والقضاة؛ منهم من يعتذر إليه ويتنصَّل مما وقع منه، فقال: أنا حللت كل من آذاني.


قلت: وقد أخبرني القاضي جمال الدِّين بن القلانسيّ بتفاصيل هذا المجلس وما وقع فيه من تعظيمه وإكرامه ممَّا حصل له من الشُّكر والمدح من السُّلطان والحاضرين من الأمراء، وكذلك أخبرني بذلك قاضي القضاة منصور الدين الحنفي؛ ولكن إخبار ابن القلانسي أكثر تفصيلاً؛ وذلك أنَّه كان إذ ذاك قاضي العساكر، وكلاهما كان حاضرا هذا المجلس.


ذكر لي أنَّ السلطانَ لما قدم عليه الشَّيخ تقيّ الدين ابن تيمية نهض قائماً للشَّيخ أول ما رآه، ومشى له إلى طرف الإيوان واعتنقا هناك هنيهة، ثم أخذ معه ساعة إلى طبقة فيها شباك إلى بستان فجلسا ساعة يتحدثان، ثم جاء ويد الشيخ في يد السلطان، فجلس السلطان وعن يمينه ابن جماعة قاضي مصر، وعن يساره ابن الخليليّ الوزير، وتحته ابن صصري، ثم صَدْر الدِّين عليّ الحنفيّ.


وجلس الشيخ تقيّ الدين بين يدي السلطان على طرف طراحته، وتكلم الوزير في إعادة أهل الذِّمَّة إلى لبس العمائم البيض بالعلائم، وأنهم قد التزموا للديوان بسبع مائة ألف في كل سنة، زيادة على الحالية، فسكت الناس وكان فيهم قضاة مصر والشام وكبار العلماء من أهل مصر والشام من جملتهم ابن الزملكاني؛ قال ابن القلانسي: وأنا في مجلس السلطان إلى جنب ابن الزّملكاني، فلم يتكلم أحد من العلماء ولا من القضاة، فقال لهم السلطان: ما تقولون؟ يستفتيهم في ذلك؛ فلم يتكلم أحد، فجثا الشيخ تقيُّ الدين على ركبتيه وتكلَّم مع السُّلطان في ذلك بكلام غليظ، وردَّ على الوزير ما قاله ردًّا عنيفاً، وجعل يرفع صوته والسُّلطان يتلافاه ويسكته بترفُّق وتؤدة وتوقير.


وبالغ الشيخ في الكلام وقال ما لا يستطيع أحد أن يقوم بمثله، ولا بقريب منه، وبالغ في التَّشنيع على مَنْ يوافق في ذلك، وقال للسلطان: حاشاك أن يكون أول مجلس جلسته في أبهة الملك تنصر فيه أهلَ الذِّمَّة لأجل حطام الدُّنيا الفانية، فاذكر نعمة الله عليك إذ ردَّ ملكَك إليك، وكبت عدوَّك ونصرك على أعدائك. فذكر أن الجاشنكير هو الذي جدَّد عليهم ذلك، فقال: والذي فعله الجاشنكير كان من مراسيمك؛ لأنه إنما كان نائباً لك، فأعجبَ السلطانَ ذلك واستمرَّ بهم على ذلك، وجرت فصول يطول ذكرُها.


وقد كان السلطان أعلمَ بالشيخ من جميع الحاضرين ودينه وزينته وقيامه بالحقِّ وشجاعته، وسمعت الشيخَ تقيَّ الدين يذكر ما كان بينه وبين السُّلطان من الكلام لما انفردا في ذلك الشُّبَّاك الذي جلسا فيه، وأنَّ السُّلطانَ استفتى الشَّيخَ في قتل بعض القضاة بسبب ما كانوا تكلَّموا فيه، وأخرج له فتاوى بعضهم بعزله من الملك ومبايعة الجاشنكير، وأنهم قاموا عليك وآذوك أنت أيضاً، وأخذ يحثُّه بذلك على أن يفتيه في قتل بعضهم؛ وإنما كان حنقه عليهم بسبب ما كانوا سعوا فيه من عزله ومبايعة الجاشنكير؛ ففهم الشَّيخُ مرادَ السُّلطان فأخذ في تعظيم القضاة والعلماء، وينكر أن ينال أحداً منهم بسوء، وقال له: إذا قتلت هؤلاء لا تجد بعدهم مثلهم، فقال له: إنهم قد آذَوك وأرادوا قتلَك مراراً. فقال الشيخ: مَنْ آذاني فهو في حل، ومن آذى الله ورسوله فالله ينتقم منه، وأنا لا أنتصر لنفسي. وما زال به حتى حلم عنهم السلطان وصفح.


قال: وكان قاضي المالكية ابن مخلوف يقول: ما رأينا مثل ابن تيمية؛ حرضنا عليه فلم نقدر عليه وقدر علينا فصفح عنا وحاجج عنا. ثم إنَّ الشيخَ بعد اجتماعه بالسُّلطان نزل إلى القاهرة وعاد إلى بثِّ العلم ونشره، وأقبلت الخلق عليه ورحلوا إليه يشتغلون عليه ويستفتونه ويجيبهم بالكتابة والقول، وجاء الفقهاء يعتذرون ممَّا وقع منهم في حقِّه فقال: قد جعلت الكلَّ في حلّ.


وبعث الشيخُ كتاباً إلى أهله يذكر ما هو فيه من نعم الله وخيره الكثير، ويطلب منهم جملةً من كتب العلم التي له ويستعينون على ذلك بجمال الدين المزي؛ فإنَّه يدري كيف يستخرج له ما يريده من الكتب التي أشار إليها، وقال في هذا الكتاب: والحق كل ما له في علو وازدياد وانتصار، والباطل في انخفاض وسفول واضمحلال، وقد أذل الله رقاب الخصوم، وطلب أكابرهم من السلم ما يطول وصفه، وقد اشترطنا عليهم من الشروط ما فيه عزُّ الإسلام والسُّنَّة، وما فيه قمعُ الباطل والبدعة، وقد دخلوا تحت ذلك كلِّه، وامتنعنا من قبول ذلك منهم حتى يظهر إلى الفعل؛ فلم نثق لهم بقول ولا عهد، ولم نجبهم إلى مطلوبهم حتى يصير المشروط معمولا، والمذكور مفعولا، ويظهر من عزِّ الإسلام والسُّنَّة للخاصَّة والعامة ما يكون من الحسنات التي تمحو سيئاتهم.


وذكر كلاماً طويلاً يتضمَّن ما جرى له مع السُّلطان في قمع اليهود والنَّصارى وذلِّهم، وتركهم على ما هم عليه من الذِّلَّة والصَّغار، والله سبحانه أعلم.


وفي شوال أمسك السلطان جماعة من الأمراء قريبا من عشرين أميرا، وفي سادس عشر شوال وقع بين أهل حوارن من قيس ويمن فقتل منهم مقتلة عظيمة جدا، قتل من الفريقين نحو من ألف نفس بالقرب من السَّوداء، وهم يسمونها السُّويداء، ووقعة السُّويداء، وكانت الكسرة على يمن فهربوا من قيس حتى دخل كثير منهم إلى دمشق في أسوأ حال وأضعفه، وهربت قيس خوفا من الدولة، وبقيت القرى خالية والزروع سائبة؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وفي يوم الأربعاء سادس ذي القعدة قدم الأمير سيف الدين قبجق المنصوري نائبا على حلب فنـزل القصر ومعه جماعة من أمراء المصريين، ثم سافر إلى حلب بمن معه من الأمراء والأجناد واجتاز الأمير سيف الدين بهادر بدمشق ذاهبا إلى طرابلس نائبا والفتوحات السَّواحلية؛ عوضاً عن الأمير سيف الدِّين استدمر، ووصل جماعة ممن كان قد سافر مع السلطان إلى مصر في ذي القعدة، منهم قاضي الحنفية صدر الدِّين، ومحيي الدين بن فضل الله وغيرهما، فقمتُ وجلستُ يوماً إلى القاضي صدر الدِّين الحنفيّ بعد مجيئه من مصر فقال لي: أتحبُّ ابن تيمية؟ قلت: نعم، فقال لي وهو يضحك: والله لقد أحببت شيئاً مليحاً، وذكر لي قريباً مما ذكر ابن القلانسيّ، لكن سياق ابن القلانسي أتم.


مقتل الجاشنكيري:


كان قد فر الخبيث في جماعة من أصحابه، فلما خرج الأمير سيف الدين قراسنقر المنصوري من مصر متوجِّها إلى نيابة الشَّام عوضاً عن الأفرم، فلما كان بغزة في سابع ذي القعدة ضرب حلقة لأجل الصيد، فوقع في وسطها الجاشنكير في ثلاثمائة من أصحابه، فأحيط بهم وتفرَّق عنه أصحابه فأمسكوه ورجع معه قراسنقر وسيف الدين بهادر على الهجن، فلما كان بالخطارة تلقَّاهم استدمر فتسلَّمه منهم ورجعا إلى عسكرهم، ودخل به استدمر على السُّلطان فعاتبه ولامه، وكان آخر العهد به.


قتل ودفن بالقرافة ولم ينفعه شيخه المنبجيُّ ولا أموالُه؛ بل قتل شر قتلة ودخل قراسنقر دمشق يوم الاثنين الخامس والعشرين من ذي القعدة فنـزل بالقصر، وكان في صحبته ابن صصري وابن الزملكاني وابن القلانسي وعلاء الدين بن غانم وخلق من الأمراء المصريين والشاميين، وكان الخطيب جلال الدِّين القزوينيّ قد وصل قبلهم يوم الخميس الثاني والعشرين من الشهر، وخطب يوم الجمعة على عادته؛ فلما كان يوم الجمعة الأخرى وهو التاسع والعشرون من الشَّهر خطب بجامع دمشق القاضي بدر الدين محمد بن عثمان بن يوسف بن حداد الحنبليّ عن إذن نائب السَّلطنة، وقرئ تقليده على المنبر بعد الصلاة بحضرة القضاة والأكابر والأعيان، وخلع عليه عقيب ذلك خلعة سنية، واستمر يباشر الإمامة والخطابة اثنين وأربعين يوما، ثم أعيد الخطيب جلال الدين بمرسوم سلطاني، وباشر يوم الخميس ثاني عشر المحرم سنة 710 من الهجرة.

وفي ذي الحجة درس كمال الدين بن الشِّيرازي بالمدرسة الشَّامية البرَّانية، انتزعها من يد الشيخ كمال الدين بن الزملكاني؛ وذلك أن استدمر ساعده على ذلك، وفيها أظهر ملك التتر خربندا الرَّفضَ في بلاده، وأمر الخطباءَ أوَّلاً أن لا يذكروا في خطبتهم إلا عليَّ بن أبي طالب– رضي الله عنه- وأهل بيته، ولما وصل خطيب بلاد الأزج إلى هذا الموضع من خطبته بكى بكاءاً شديداً، وبكى الناس معه، ونـزل ولم يتمكن من إتمام الخطبة، فأقيم مَنْ أتَمَّها عنه وصلَّى بالناس وظهر على الناس بتلك البلاد من أهل السُّنَّة أهل البدعة؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون. ولم يَحُجَّ فيها أحدٌ من أهل الشَّام بسبب تخبيط الدَّولة وكثرة الاختلاف.









رد مع اقتباس
قديم 2014-12-12, 18:46   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

نهاية الرافضي محمود بن إبراهيم الشيرازي


وفي يوم الخميس سابع عشرة سنة 766 أولَ النَّهار وُجد رجلٌ بالجامع الأمويِّ اسمُه محمود بن إبراهيم الشِّيرازيّ وهو يَسُبُّ الشَّيخين ويصرِّح بلَعنهما، فرفع إلى القاضي المالكي قاضي القضاة جمال الدِّين المسلَّاتيِّ فاستتابه عن ذلك وأحضر الضراب فأول ضربة قال: لا إله إلا الله عليّ وليّ الله، ولما ضرب الثانية لعن أبا بكر وعمر، فالتهمه العامة فأوسعوه ضربا مبرحا بحيث كاد يهلك، فجعل القاضي يستكفهم عنه فلم يستطع ذلك، فجعل الرافضي يسبُّ ويلعن الصَّحابة، وقال: كانوا على الضلال؛ فعند ذلك حمل إلى نائب السلطنة وشهد عليه قوله بأنَّهم كانوا على الضَّلالة، فعند ذلك حكم عليه القاضي بإراقة دمه، فأخذ إلى ظاهر البلد فضربت عنقه وأحرقته العامة قبَّحه الله.


وكان ممَّن يقرأ بمدرسة أبي عمر، ثم ظهر عليه الرفض فسجنه الحنبلي أربعين يوما، فلم ينفع ذلك، وما زال يصرح في كل موطن يأمر فيه بالسَّبِّ حتى كان يومه هذا أظهر مذهبه في الجامع، وكان سببَ قَتْله- قبَّحه الله كما قَبَّحَ مَن كان قبلَه- وانتهى بقتله في سنة خمس وخمسين.










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أحداث, العلم, وماذا


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 14:26

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc