باب في ذكر مرض سيدي الأستاذ السيد محمد المهدى رضى الله عنه وتواريه
----------------------------------------------------
أصبح رضى الله عنه في يوم الثلاثاء الثالث عشر من محرم الحرام تألم قليلا وأصابه الألم من الليل وهو إدرار في البول , ولما ضحى الضحى تقوى معه الإدرار واشتد عليه الألم فأمرني رضى الله عنه بقوله لازم سيدي السيد احمد الريفي حتى في الآكل والشرب ولا تفارقه .
ثم في ليلة الأربعاء الرابع عشر من محرم سنة عشرين وثلاثمائة و ألف طلع القمر وفيه تغير ظاهر وهو ابتداء الخسوف فانخسف في تلك الليلة خسوفا كليا حتى اسود وبقى كذلك إلي الساعة الثالثة والربع من الليل , ثم بدا في الانجلاء ولم يتم انجلاء إلا بعد أن مضى من الليل أربع ساعات ونصف وخمسة دقائق , سبحان الله المقدر كل شي والقادر على كل شي سبحانه جل جلاله لما اخبرنا بذلك الكسوف قال : الشمس والقمرآيتان من آيات الله يخوف بهما عباده لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته وبقى في تلك الليلة ساهرا لم ينم إلا سنة من النوم فلما أدرك الصباح طلب أستاذنا السيد احمد الريفي وسيدي السيد محمد البسكرى فدخلا عليه وعادا فأعطاهما الفاتح ولم يزل على حاله في ذلك اليوم وهو يوم الأربعاء طول اليوم حتى انه من شدة ضعفه اعتراه ارتخاء في ذاته ثم إني دخلت عليه ما بين الظهر والعصر فوجدته مضطجعا فأمرني بالجلوس فجلست ثم أمرني أن امسك يده حتى يتمكن من الجلوس ففرحت وقلت ألان امسك يده الشريفة بنية المصافحة فمددت له يدي فمد لي يده اليسرى فأجلسته غير انه حصل لي من مد يده اليسرى غم شديد وقلت في نفسي لو كنت من آهل الخير ما مد لي يده اليسرى وفى اليوم الذي بعده مد لي يده اليمنى ولكن كلما طر ببالي ما حصل في اليوم الأول ينغم منه قلبي حتى غاب رضى الله عنهم زادت تلك الغمة معي إلى أن ذات يوم كنت جالسا بين يدي أستاذي السيد احمد فصرت اخمم في هذه المسالة وصار رضى الله عنه يحكى عن الأستاذ الأكبر إلى أن قال في أيام قدومي على الأستاذ عزم على زيارة النبي صلى الله عليه وسلم وأمرني بالتخلف في مكة ثم في يوم سفره أعطاني بعض حوائجه وقال لي قف بها هتا عند باب الحرم حتى نطوف طواف الوداع فلما طاف وخرج قدم له سيدي إبراهيم بن هادى الذلول فركبه وقاده فأردت السلام عليه للوداع فأعطاني يده اليسرى فصرت ألوم نفسي وأقول والله لو كنت من أهل الخيرلاعطانى يد اليمنى ولازل ذلك الأمر كلما خطر ببالي حرك معي حتى غرب رضى لله عنه ونزل بالعزيات ولحقته فيها ولما توجه إلى الجغبوب توجهت معه وأنا كلما يخطر ببالي تلك الحالة أنغم منها , وذات يوم ونحن في الجغبوب حكى لي حكاية عن أحد مشائخه وهو سيدي عيسى المازونى , قال رضى الله عنه دخلت على سيدي عيسى المازونى و أردت السلام عليه فأعطاني يده اليسرى فحصل لي من ذلك غم فقلت لو أن الشيخ علم منى خيرا لأعطاني يده اليمنى فكاشف الشيخ عما في قلبي بقوله يا هذا القلب في الجهة اليسرى وأنت ما سلمت إلاعلى القلب فعند ذلك قلت الحمدلله قد فرجتم ياسيدى على قلبي فرج الله عنكم وحكيت له ما حصل فتبسم رضى الله عنه والله يجازيه عنا افضل الجزاء فانه ما أصابني شي إلا وفرجه عنى .
فنرجع لي الكلام عن الأستاذ ثم في اليوم الثالث من مرضه حدث له كتم وحصل منه نواق فاتعبه وامتد الألم إلى رجله اليسرى من اصلها إلى أخرها ثم في عشية يوم أحد دخل عليه السيد احمد الريفي وسيدي السيد محمد البسكرى فوجداه مضطجعا على جنبه الأيمن ويشتكى من أخر ضلعه اليسرى إلى قرب الجنب الأيمن ما بين السرة والمثانة وفى هذه المدة كلها لم يتناول شيئا من الطعام إلا في عشية يوم الاثنين شرب ملعقتين من الحريره ثم في هذه المدة ختمنا صحيح البخاري ثلاث مرات وفى كل يوم يجتمع الأخوان ويذكرون أسمه اللطيف بعدده الكبير مع قراءة عدة يس المعلومة صباحا ومساء بعد صلاة العشاء وقد نحرنا من الإبل عددا كثيرا وعملناها هدايات ليحصل اللطف من المولى عز وجل . ثم اصبح رضى الله عنه في صبيحة يوم الثلاثاء وهو اليوم الثامن من مرضه وهو المتمم للعشرين من الشهر المذكور , حصل له لطف فانقلب على ظهره إذ كان لا يقدر على الحركة أصلا إلا بمحرك و أدرك شيئا من الراحة ثم طلب رضى الله عنـــــه
أستاذنا السيد أحمد الريفي وسيدي السيد محمد البسكرى فدخلا عليه فوجداه مضطجعا على جنبه الأيمن فسألاه عن حاله فاجاب بصوت خفي إن تسهلت الباطنة استريح وان يبست اتعب فقالا له يا سيدنا الباطنة فارغه ما فيها ما يسهل وسألاه رضى الله عنه عن وجع جنبه فقال الآن بخير احسن من الأول وفى حال مكوثنا بين يديه وهو يصبر قليلا ويبل شفتيه الكريمتين بلسانه الشريف من اليبس وهو لا يشرب الماء إلا بالنشافة التي غسلت بها الروضة المشرفة ثم أن سيدنا السيد احمد الريفي سأله بقوله هل أتتك الحمى اليوم فقال له سيدي السيد أحمد ياسيدى ربنا يشفيكم انتم واما نحن ففداكم .
وقال سيدي السيد محمد ياسيدى الناس كلهم مرضى بمرضكم وهى حقيقة فان آهل المحل كلهم هائمون لايسئلون عمن يأتي أو يمشى ثم انه رفع يديه وأعطاه الفاتحة وختم فسلمنا عليه وخرجنا من عنده وقد حصل له بعض الراحة حتى انه صار يتقلب على ظهره بنفسه من غير مساعد . ثم انه رضى الله عنه بعد صلاة العصر السيد احمد الريفي وسيدي السيد محمد البسكرى فدخلا عليه فوجداه مضطجعا على جنبه الأيمن فسلما عليه وجلسا أمامه وسألاه عن حاله فقال بخير ولم يشتكى رضى الله عنه إلا من جنبه الأيسر وهو المحل الذي كان يشكو منه أولا إلا انه ارتاح وخف عن ذي قبل , فسألاه أي شي طلب من الآكل فقال ليست لدى شهية أصلا وهذه الحريرة التي يأتوني بها اصعب على من شرب الدواء وهو لاياكل منها إلا ملعقتين فقط . ثم انهما مكثا هنيئة فرفع رضى الله عنه يديه للفاتحة فختمها فسلما عليه وخرجا واصبح في يوم الجمعة مستريحا قليلا ونومه في هذه المدة كان مقدار نصف ساعة ما بين الليل والنهار وفى عشية يوم السبت الرابع والعشرين من الشهر بعد صلاة العشاء طلب أيضا أستاذنا السيد احمد الريفي وسيدي السيد محمد البسكرى فدخلا عليه وهو على حاله الأول فسلما عليه وجلسا أمامه وسألاه عن حاله فقال أن الحال أهون بكثير من ذي قبل ثم قال وقد نمت على ظهري قليلا وانقلبت على جنبي واما النوم فهو إغفاء فقط وارنا لسانه وشفتيه الكريمتين من الداخل فرأينا فيه اثر اثر الحرارة من الحمى ثم قال أما الحمى ووجع الرأس اللذين كانا معي فا لان أحمد الله ما أحس بشى من ذلك إلا انه يتحرك معي مغص في باطني عند شرب الحريرة مع إني لا اشرب منها إلا مقدار ملعقتين , ثم قال واليوم اغلوا قليلا من حليب الإبل ووضعوا فبه سكر فشربت منه ولله الحمد لم يتحرك معي المغص واسترحت منه غير أنى تقيات قليلا من الصفرة ولله الحمد أسال الله أن يكمل بالعافية بحق من لا تخفى عليه خافيه ثم بعد عصر يوم الاثنين طلب الأخوان فدخلنا عليه وسلمنا وجلسنا أمامه قليلا ثم أعطانا الفاتحة وخرجنا وفى ذلك اليوم ثقل سمعه شيئا قليلا وذلك من شدة عجاج الرياح التي تأتى ليلا لانه لا يتحملها لكونها شديدة ولعدم تحمله للرمل لانه لا يتغطى فيدخل في أذنه الغبار, وفى الغد اندفع مادة من قبله ممزوجة برمل وبلك خف علي وجع الجنب الذي كان يشتكى منه وكان ذلك دليلا على انه قد تكونت لديه قرحة في المثانة وكل ذلك كان بإرادة الله. وقد تحمل رضى الله عنه ما لا تتحمله الجبال وفى أول مرضه كان يعيش بين أنين ولما ثقل على الحمل أمر عبده الحقير وصنوه سيدي السيد محمد عابد والأختين باننا بعد ارتفاع النهار نرفعه بيننا وندخله داخل مجلسه وبعد صلاة الظهر نرفعه بيننا وندخله داخل مجلسه وبعد صلاة الظهر نرفعه ونخرجه أمام مجلسه لان الوقت وقت حر ولم نزل على ذلك مدة مرضه كلها ثم انه بعد عصر يوم الأربعاء الثامن والعشرين من الشهر طلب الأخوان وأستاذنا السيد احمد الريفي وسيدي السيد محمد البسكرى فدخلنا عليه وسلمنا عليه فا مر سيؤدى السيد احمد الريفي وسيدي السيد محمد البسكرى بالجلوس فجلسا أمامه قليلا ثم أعطانا الفاتحة وخرجنا وقد أصابه النواق فإذا تحرك عليه يأخذ قليلا من الماء بالنشافة يمصها تارة مرتين وتارة ثلاث وهو على جنبه فيتهاون النواق مع الماء شيئا قليلا ويرجع عليه وفى هذه المدة تراه يشرب الحريرة با لكليه سواء شرب اللبن الحليب والذي يشربه مقدار فنجان الشاي المعروف وذلك بعد تفويره ووضع شي قليل من السكر فيه . ورتبنا له عنزتين ليحلبهما ويشرب منهما القدر المعلوم والباقي يشربه الغير وكان ذلك هو قوته مع الماء وقد زادت الحرارة التي في فمه حتى قال رضى الله عنه انه لا يحل فيه شي حتى الماء يحرقه , ثم قال إذا دهنت الشفتين بدهن الياسمين تبرد عليه الحرارة .