المبحث الثاني
المساهمة الجنائية فيالقانون
تناولت التشريعات العقابية المساهمة في الجريمة فذكرت المساهمينالاصلين ثم تناولت الشركاء والعقوبة المقررة لهما وسريان الظروف على الشريك. فجعلالمشرع العراقي المساهمة في الجريمة موضوع المواد (47 – 54 ) الواردة في الفصلالخامس من الكتاب الاول. وتناولت المادة (47 ) منه المساهم الاصلي واطلقت عليه اسمالفاعل فيما تناولت المادة (48 ) الشريك. اما المشرع التونسي فقد ذكر في الفصل ( 32 ) الافعال المكونه للركن المادي للمشاركة وذكر انها اما ان تكون سابقة على وقوعالجريمة او متزامنه معها او لاحقة لها وبذلك اتفق مع المشرع المصري في ذكر الافعالاللاحقة على الجريمة وخالف المشرع العراقي كما سنرى ذلك. ولم يختلف المشرع المصريعن المشرع العراقي في تعداده للفاعلين الاصليين في المادة ( 39 ) من قانون العقوباتالمصري. اما الشركاء فتم ذكرهم بموجب المادة ( 40 ). وذلك ما سنبحثه في المطلبيناللاحقين:
المطلب الاول
الفاعل في القانو ن العراقي
تناولتالمادة ( 47 ) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل بفقراتها الثلاثالمساهمين الاصلين واطلقت عليهم الفاعلين . وحالة رابعة اشارت اليها المادة ( 49 ) وهي الشركاء المذكورين في المادة ( 48) اذا حضروا وقت ارتكاب الجريمة او وقت ارتكاباي فعل من الافعال المكونة لها . وبذلك يكون الفاعلون في قانون العقوبات العراقاربعة وعلى النحو التالي:
1- من يرتكب الجريمة لوحده:
يتبادر الىالذهن من القراءة الاولية للفقرة الاولى من المادة ( 47 ) اعلاه انها اعتبرت انالمساهم هو من يقوم بالفعل لوحده، وفي هذه الحالة لاتتحقق المساهمة لتخلف ركن تعددالمساهمين، وسبق القول ان المساهمة تقوم على ركنين تعدد المساهمين ووحدة الجريمة. واذا كان الامر كذلك فلماذا ذكر المشرع هذه الحالة في موضوع المساهمة ؟ الجواب علىذلك هو ان المشرع افرد المادة ( 47 ) بفقراتها الثلاث الى الفاعلين الاصليين . والفاعل الاصلي هنا يكون قد ارتكب فعل الجريمة لوحدة مع وجود شركاء آخرين ثانويينلم يذكرهم كون الحديث منصبا على المساهم الاصلي . كما لوحرض – أ - آخرهو – ب – لقتل – ج - فاستعار ب سكينا من – د – وقتل ج. فهنا نكون امام مساهم اصلي واحد هو ب الذينفذ جريمة القتل مع مساهمين آخرين هما ( أ ، د ) الا انهما شركاء وليسافاعلين.
2- من يرتكب الجريمة مع غيره:
وتتحقق هذه الصورة اذا شارك اكثرمن فاعل في ارتكاب الركن المادي للجرية، سواء اكان الركن المادي يتكون من فعل واحدساهم في اتيانه اكثر من فاعل. كما لو ساهم اثنان في اطلاق النار على شخص فاردياهقتيلا. او ان الركن المادي يتكون من اكثر من فعل ويأتي كل مساهم احد الافعال. ويتحقق ذلك في صورتين:
أ – اذا قام كل مساهم بفعل يكفي وحده لوقوع الجريمةفيعتبر مساهما اصليا، كما لواتى اكثر من مساهم بأفعال متماثلة وكلا منها يكفيقانونا لوقوع جريمة . كما لو اتفق مجموعة من الاشخاص على سرقة منزل وحمل كل منهمقسما من المال المسروق وبما ان جريمة السرقة تتحقق بوضع اليد على مال الغير، فيعتبركل منهم مساهما اصليا في جريمة السرقة. لان فعل كل مساهم من هؤلاءيشكل جريمة لوحده.
ب – اذا كان فعل كل مساهم لايكفي وحده لتحقق جريمة، ولا يهم ان تكونافعالهم متماثلة ام لا،
انما تقع الجريمة متى اجتمعت جميع افعال المساهمين، فاذاما اجتمعت افعالهم تحقق الركن المادي للجريمة. كما لو حرر احدهم السند المزور وقامالثاني بالتوقيع عليه، وهنا ساهم الاثنان في الركن المادي للجريمة ووقعت الجريمةباجتماع عملهما.
3- من قام اثناء ارتكابها بعمل من اعمالها:
وهذا مااشارت اليه الفقرة الثانية من المادة ( 47 ) حيث اعتبرت فاعلا اصليا كل من يقومبفعل يدخل في تنفيذ الجريمة. وليس المراد من هذه الافعال ان تكون جزء من الركنالمادي لان مثل هذه الافعال تشملها الفقرة السابقة، ولو اراد المشرع ذلك لكانتكرارا لا فائدة منه ، انما كان قصد المشرع هو تلك الافعال التي تحقق البدء بتنفيذالشروع في الجريمة. وذكر المشرع هؤلاء المساهمين لانهم يدخلون في الجريمة دونالدخول بالركن المادي لها الا ان افعالهم تؤدي الى الركن المادي مباشرة(3). مثالهذه الحالة كما لو كسر احدهم باب المنزل ودخل الثاني لسرقته فكلاهما فاعلا اصليا منسرق ارتكب الفعل المكون للركن المادي للجريمة حيث وضع يده على المال ونقل حيازته ،بينما الثاني دخل في ارتكابها ولو لم يات بفعل يعتبر جزء من الركن المادي للجريمة ،الا انه فعل تحقق به البدء بالتنفيذ فهو متصل بالركن المادي ومؤدي اليه.
4- الفاعل المعنوي:
يختلف الفاعل المعنوي عن غيره من الفاعلين فهو لم يشترك باي فعلمن الافعال المكونة او المؤدية الى الركن المادي للجريمة. انما يقوم بانتهاز نقطةضعف في غيره فيستعمله كأداة لتنفيذ جريمته.
اعتبر المؤتمر السابع الذي نظمتهالجمعية الدولية لقانون العقوبات في اثينا عام 1957 الفاعل غير المباشر هو من يدفعالى ارتكاب الجريمة منفذا غير مسؤول عنها جزائيا. كما اعتبر المحرض هو من يحمل عمداشخصا آخر على ارتكاب جريمة (4).
وهنا لابد من التمييز بين المحرض والفاعلالمعنوي.فالثاني يدفع شخصا لا يعلم بجرمية العمل الذي يقوم به ولذلك فهو غير مسؤولعن فعله جزائيا كحسن النية او عدم الادراك. كما لوطلب احدهم من آخر في المطار انيساعده في حمل الحقيبة وتقوم الشرطة بتفتيش الحقيبة فاذا بها مخدرات. اما المحرضفيرتكب جريمته بواسطة شخص يعلم ان ما يقوم به يشكل جريمة وبالتالي فهو مسؤول عنفعله. اضافة لذلك الفاعل المعنوي يعتبر فاعلا اصليا لان الشخص الذي ارتكب الفعلالكون للركن المادي للجريمة ماهو الا وسيلة استخدمها الفاعل المعنوي كما لو استخدميده في تنفيذ الجريمة او استخدم عربة دفعها تجاه المجني عليه فقتله او اي وسيلةاخرى. كما ان الفاعل المعنوي يشمل معنى اوسع من التحريض الامر الذي حدى بالمشرعالعراقي ان يذكر عبارة ( من دفع باية وسيلة ) حتى وان كانت هذه الوسيلة اقل درجة منالتحريض.
وقد ظهرت نظرية الفاعل المعنوي والفصل بينها وبين التحريض، لانالاخير يؤدي الى افلات المحرض من العقوبة اذا كان الفاعل للجريمة غير مسؤول جزائياعنها. بما ان فعل الشريك يكتسب الصفة الجرمية من الفاعل الاصلي وهنا الفاعل الاصليغير مسؤول وهذا يعني عدم مسؤولية المحرض. لذلك ظهرت نظرية الفاعل المعنوي التي وسعتفي مفهوم الفاعل. واخذ بذلك الفقه والقضاء في المانيا (5).
وقد اثار موضوعالفاعل المعنوي جدلا فقهيا واسعا، وانقسم الفقهاء الى مؤيد لهذه النظرية ومعارضلها. وتباينت التشريعات في الاخذ بها، فمن التشريعات من نص عليها صراحة، بينما عزفعن ذكرها القسم الاخر وكأنما ترك امرها للقضاء ليقول كلمته فيها. والمشرع العراقيمن اخذ بنظرية الفاعل المعنوي ونص عليها في الفقرة الثالثة من المادة ( 47 ).
4 – الشريك الذي يحضر ارتكاب الجريمة:
ولم تشترط المادة (49 ) منقانون العقوبات العراقي ان يباشر الشريك اي عمل من الاعمال المادية للجريمة بلاكتفت بحضوره اثناء ارتكاب الجريمة ليكتسب صفة المساهم الاصلي. كما لم تشترط المادةان يكون حضور الشريك وقت تمام الفعل او الافعال المكونة للركن المادي للجريمة بلاعتبرت الشريك مساهما اصليا حتى قبل التنفيذ او المباشرة بأي فعل من الافعالالتنفيذية. الا انه ينبغي ان يكون الحضور على علم الشريك ورغبته لا ان يكون نتيجةالمصادفة. وتبعا لذلك فمن يراقب الطريق بينما يسرق الاخرون يعتبر مساهما اصليا فيالجريمة.
ما اخذ به المشرع العراقي من ان حضور الشريك اثناء ارتكاب الجريمةليس من ابداعه. انما نادت به النظرية الشخصية حيث جعلت المعيار للتمييز بين الفاعلوالشريك معيارا شخصيا قوامه ما يثبت من قصد الجاني بعمله. ولكون الشريك هنا اتخذخطوة ابعد من الاشتراك وذلك لانه قام بمؤازرة المساهم الاصلي فيها وحضوره دل علىرغبته في الدخول في ارتكابها(6).
على ان ماتجب الاشارة اليه هو مايلي:
1- يشترط في الفاعل الاصلي ان يساهم في دور رئيسي في الجريمة او ان يقومبعمل يتحقق بموجبه البدء في التنفيذ المحقق للشروع في الجريمة. على ان يكون قد اتىبعمله الاخير وقت تنفيذ الجريمة والا فلايعتبر مساهما اصليا انما شريكا. فلو قاماحدهم بكسر الباب ليدخل الثاني للسرقة وفعل دخل وسرق يعتبر كل منهما فاعلا فيالجريمة. اما اذا كسر الباب ودخله الثاني في وقت آخر غير وقت الكسر وقام بعمليةالسرقة فيعتبر الاول شريكا بينما الثاني فاعلا(7).
2 – القصد الجرمي اوالجنائي شرط لابد منه لتحقق صفة الفاعل الاصلي في المساهمة. وقد سبقت الاشارة الىهذا الموضوع بالقول ان القصد الجرمي لا يتحقق الا بتحقق نية التداخل في الجريمة لدىالمساهم . ما يترتب على ذلك اذا قام اكثر من فاعل في ماديات الجريمة ولم تقم بينهمالرابطة الذهنية فلا نكون امام مساهمة اصلية ، وانما امام عدة جرائم ارتكبها عدةاشخاص ويسأل كل منهم عن الجريمة التي ارتكبها.
3- قد يرتكب احد المساهمينجريمة اخرى غير الجريمة التي تم الاتفاق عليها ولم تكن نتيجة محتملة للجريمة المتفقعليها. ففي هذه الحالة يسأل مرتكبها لوحده عنها دون الاخرين الذين تنحصر مسؤوليتهمعن الجريمة التي اتفقوا عليها. بينما الاول تتحقق مسؤوليته عن الجريمة التي ارتكبهابمفرده والغير متفق عليها ولم تكن نتيجة للجريمة الاصلية، اضافة الى مسؤوليته عنالجريمة المتفق عليها. كما لو اتفق عدة اشخاص على سرقة منزل وفي الطريق صادف احدهمعدوا له فقتله. فلا يسأل عن جريمة القتل الا القاتل. اما اذا كانت الجريمة هي نتيجةمحتملة للجريمة المتفق عليها فيُسأل الجميع عنها. كما لو اتفقوا على سرقة منزلواثناء نقل المواد المسروقة احس صاحب المنزل فقتله احدهم ولم يشترك الاخرون بأي فعلمادي او تحريض او غيره في هذه الجريمة. يُسأل الجميع عن جريمتي القتل والسرقة، صحيحان من قام بالقتل هو شخص واحد ولم يشاركه غيره من المساهمين الا ان جريمة القتل هي ( نتيجة محتملة للمساهمة التي حصلت ) وهذا مانصت عليه المادة ( 53 ) من قانونالعقوبات العراقي .
عقوبة المساهم الاصلي:
يعاقب الفاعل او المساهمالاصلي بالعقوبة التي يقررها القانون للجريمة ( المادة 50 ع ع ). ولا يهم ما اذاكان الفاعل قد ارتكبها لوحده او مع غيره حتى لوكان العمل الذي قام به المساهمالاصلي لا يعدو ان يكون شروعا فيها فيما لو أُ خذ بمفرده. كما لو اطلق شخصان النارعلى المجني عليه وكانت اصابة احدهم هي الاصابة القاتله، يعاقب الاثنان بعقوبة القتلالعمد. وهذا ما اخذت به محكمة تمييز العراق بقرارها (ب 1966 ) جنايات ، 1964في 23 /1 / 1965 بقولها ( اذا تحققت المساهمة الاصلية فلا عبرة بالفعل المنسوب الى كلواحد من المساهمين في الجريمة )(8).
ويعاقب المساهم الاصلي بعقوبة الشروع عنالجريمة التي اراد ارتكابها اذا اوقف سلوكه او تخلفت نتيجته لسبب لادخل لارادةالفاعل به. ويلاحظ ان قانون العقوبات العراقي لا يعتبر تعدد الفاعلين الاصليين ظرفامشددا للجريمة بشكل مطلق. ولكنه جعل تعدد الفاعلين في بعض الجرائم ظرفا مشددا كمافي جريمة السرقة.
المطلب الثاني
الشريك في القانون العراقي
تتحققالمساهمة التبعية اذا كان دور المساهم ثانوي في تنفيذ الجريمة، ويطلق على القائمبهذا الدور بالشريك او المساهم الثانوي او التبعي. وغالبا مايكون دور المساهمالتبعي مباحا قانونا، وانما يكتسب صفته الجرمية من فعل المساهمالاصلي.
اتجهت معظم التشريعات الى النص على صور المساهمة التبعية ومنهاقانون العقوبات المصري في المادة ( 40 ) ، كذلك فعل قانون العقوبات العراقي فيالمادة ( 48 ). الا ان بعض التشريعات ومنها التونسي ذكرت بعض الاعمال التي تشكلالركن المادي للمساهمة وقسمتها من الناحية الزمنية الى افعال سابقة لوقوع الجريمة ،كالارشاد والتحريض، وافعال متزامنة مع وقوع الجريمة، وهي الاعانة على الاعمالالتنفيذية شريطة ان تكون الاعانة فعلا ماديا يقوم به الشريك ولا يشترط فيه ان يكونمن الاعمال المكونة للركن المادي اذ لوكانت كذلك لاصبح المساهم فاعلا اصليا لاشريكا كما في حالة التدخل في تنفيذ الركن المادي لجريمة الزنا الفصل
(236 م ج ) والبغاء الفصل (231 م ج). و المشاركة اللاحقة وهي التي اثارت جدلا اذ كيف يشارك شخصفي فعل تم قبل تدخله ؟ وان مثل هذا الفعل لا يعتبر مشاركة في الجريمة التي تمتوانما جريمة قائمة بذاتها. وحسما لهذا الجدل ذهبت بعض التشريعات الى اعتبار عمليةاخفاء المسروق مساهمة تبعية او اشتراك في جريمة السرقة مثل المشرع التونسي والمصريوقانون العقوبات السوري.
اورد المشرع العراقي في المادة ( 48 ) صور المساهمةالتبعية على سبيل الحصر. وهي اما تحصل قبل وقوقع الجريمة او تحصل وقت تنفيذ الجريمةفقط. ولم يذهب المشرع العراقي الى ماذهب اليه المشرع المصري والسوري والتونسي. ادناه الحالات كما وردت في قانون العقوبات العراقي:
1- التحريض:
وهوالنشاط الذي يهدف الى التأثير على تفكير شخص بحيث يخلق لديه فكرة المشروع الاجرامي. وان يقوم المحرَّض بتنفيذ موضوع التحريض. كما لوحرض شخص آخر على القتل ووقعت جريمةالقتل بناء على التحريض. ويشترط في محل التحريض ان يكون جريمة قانونا. ولا يقعالتحريض في غير ذلك كما لوحرض شخص آخر على الكراهية فان هذا التحريض لا يحققالمساهمة التبعية في جريمة القتل فيما اذا قتل احد الشخصين الاخر.
يتحققالتحريض اذا كان مقرونا بوعد او وعيد او هدية او مخادعة او غيرها من الامور التيتدفع المحرَّض الى التفكير جديا بارتكاب الجريمة المحرض عليها. واغفل المشرعالعراقي تعداد وسائل التحريض كما فعلت بعض التشريعات ومنها المصري والليبيوالكويتي، خلافا لما ذهبت اليه بعض التشريعات. وقد احسن المشرع العراقي صنعا اذ تركموضوع تقدير هذه الوسائل الى تقدير قاضي الموضوع.
وينبغي ان يكون التحريضمباشرا، ويكون كذلك اذا انصب على موضوع يعتبر جريمة. اما اذا انصب على فعل لايعتبرجريمة فلا يصلح ان يكون وسيلة للمساهمة التبعية. فأثارة البغضاء بين شخصين لا يحققالمساهمة التبعية في جريمة القتل العمد فيما لوقام احدهما بقتل الثاني.
كماينقسم التحريض الى تحريض عام عندما يوجه الى مجموعة من الناس وفي هذه الحالة يكونعلنيا عن طريق استخدام وسائل الاعلام لايصاله الى هذه الجماعة. والى تحريض خاص اوفردي عندما يكون موجها الى شخص معين او اشخاص معينين. والتحريض العام اكثر خطورة منالخاص.
ولخطورة التحريض يعتبر في بعض الحالات اكثر خطورة من منالفعل الذييقوم به المحرَّض.ولذلك عمدت بعض التشريعات الى المعاقبة على التحريض حتى لولم ينتجآثاره. وبذلك يعتبر جريمة مستقلة خارجا عن نطاق المساهمة التبعية. كما هو الحال فيالتحريض على التمرد والعصيان.
2- الاتفاق:
لم يعرف قانونالعقوبات العراقي الاتفاق. وعرفه البعض بأنه ( انعقاد ارادتين او اكثر على ارتكابالجريمة ، اساسه عرض من احد الطرفين يصادفه قبول من الطرف الاخر )(9). ويمكن تعريفهبانه التقاء ارادتين او اكثر بشكل متساوي وانعقادها على فعل شئ او الامتناع عن فعلهواظهاره الى العلن بالقول او الكتابه او الاشارة.
ومن التعريف السابق يظهرالفرق بين الاتفاق والتحريض، ففي الاول تتساوى الارادات بينما تختلف في الثاني لانارادة المحرِّض تكون ذات تأثير وتعلو ارادة المحرَّض. كما ويظهر الفرق بين الاتفاقوالتوافق. في ان الاول يعني اتجاه ارادتين نحو موضوع معين وانعقادهما ، بينماالتوافق يلتقي معه في اتجاه ارادتين او اكثر نحو موضوع معين ولكن يفترق عنه في عدمانعقاد هذه الارادات على ذلك الموضوع وانما هو فقط توارد خواطر. كما لواراد شخص قتلشخص واراد ثالث قتل نفس الشخص دون ان يكون بينه وبين الاول اتفاق على موضوع قتلالمجني عليه، وان قيام احدهما بالقتل دون الثاني لا يجعل من الثاني شريكا له لعدموجود الاتفاق بينهما وانما هو توارد خواطر لم يصل الى مرتبة الاتفاق.
وقداعتبر قانون العقوبات العراقي التحريض من وسائل المساهمة التبعية، ولم ينفرد في هذاالموقف بل اخذت به قوانين اخرى مثل قانون العقوبات المصري في المادة ( 40 )،والجزاء الكويتي المادة (48 ) فقد اعتبرا الاتفاق من وسائل المساهمة التبعية ايضا. في حين لم تأخذ بهذا الاتجاه قوانين اخرى كالقانون الليبي.
اشترطت الفقرةالثانية من المادة ( 48 ) من القانون العراقي في الاتفاق حتى يكون وسيلة من وسائلالمساهمة الجنائية ان تقع الجريمة بناء على هذا الاتفاق. فاذا ماحصل الاتفاق ولمتقع الجريمة فلا يعتبر اتفاقا معاقبا عليه. وهنا يجب التمييز بينه وبين الاتفاقكجريمة مستقلة مثل الاتفاق الجنائي والاتفاق على التمرد والعصيان.
3- المساعدة:
وتعني تقديم العون الى الفاعل بحيث يرتكب جريمته بناء على هذا العون. وكما يمكن ان يكون العون ايجابيا كتقديم الوسائل التي تسهل او تهئ للفاعل الاتيانبفعله، كذلك يكون سلبيا كالامتناع عن تقديم المساعدة للحيلولة دون وقوع الجريمة معاستطاعته ذلك رغبة منه في وقوعها. ولا يشترط في المساعدة ان تكون مادية بل يمكن انتكون معنوية كتقديم معلومات الى الجاني تمكنه من اتمام جريمته. واذا كان المشرعالعراق قد اهمل تعريف المساعدة وقد فعل حسنا لان التعريف من اختصاص الفقهاء وليسالمشرعين، وحتى يترك حرية التحرك للقاضي في تقدير هذه الوسائل. الا ان بعض الكتابعرفها بأنه ( تقديم العون ايا كانت صورته الى الفاعل فيرتكب الجريمة بناء عليه ). الا ان هذا التعريف يهمل الجانب السلبي للمساعدة، فهو يشير الى تقديم العون ولميتطرق الى الامتناع عن تقديمة مع التمكن من ذلك رغبة في وقوع الجريمة.
لذلكفالتعريف الاوفق للمساعدة حسب مايراه الباحث هي سلوك ايجابي او سلبي يقوم به شخصيكون وسيلة لتقديم العون المادي او المعنوي الى شخص آخر يستند عليه في ارتكابجريمته.
واشارت الفقرة الثالثة من المادة ( 48 ) من القانون العراقي الىحالتين بهما تتم المساعدة او العون:
أ- الوسائل المجهزة:
وهي الاعمال التيتسبق وقوع الفعل المادي لتنفيذ الجريمة كأعطاء التعليمات للفاعل عن كيفية القيامبفعله ، اوعن كيفية التخلص من الصعوبات التي تعترض سبيله. او ان يقدم للفاعل آلةتسهل عليه كسر الباب لغرض السرقة.
ب- الوسائل المسهلة او المتممة:
وتعنيمايقدم للفاعل من وسائل اثناء ارتكابه الجريمة ، فما ان يقوم الفاعل بالاعمالالتنفيذية حتى يأتيه العون من المساعد لاتمامها. ومن هنا يتبين ان الفارق بينهاوبين الوسائل المجهزة هو فارق زمني ، فبينما تقدم الاولى والفاعل في المراحل الاولىلتنفيذ الجريمة ، تقدم الثانية والفاعل في المراحل الاخيرة لمشروعه الاجرامي. كمالو اعاق المساعد وصول المسعف الى المجني عليه بعد ان اطلق عليه الفاعل النارلقتله.
ويخالف المشرع العراقي كلا من المشرعي المصري والسوري في موضوعالمساعدة اللاحقة على ارتكاب الجريمة. فاعتبر القانون العراقي ان المساعدة اللاحقةلاتحقق المساهمة التبعية وانما تكون جريمة قائمة بذاتها فيما اعتبر المشرع السوريوالمصري ان الاعمال اللاحقة على ارتكاب الجريمة هي من صور المساهمة التبعية كما فيحالة اخفاء الاموال المسروقة.
عقوبة المساهم التبعي:
اتخذت التشريعاتالجنائية بشأن مسألة عقوبة المساهم التبعي اتجاهين:
- اتجاه يقرر للمساهم التبعينفس عقوبة الفاعل وهي العقوبة المقررة للجريمة التي ساهم فيها. وبذلك يكون اصحابهذا الاتجاه قد ساووا بين المساهم الاصلي والتبعي في العقوبة. وحجتهم في ذلك انالجريمة التي ساهم في تنفيذها المساهمون الاصليون والتبعيون هي مشروع اجرامي واحداتفق الجميع على تنفيذه وتحمل تبعاته. وهذا ما نادت به مدرسة الاستعارة المطلقة ومنالقوانين التي اخذت بهذا الاتجاه القانون المصري والقانون الليبي والقانونالعراقي.
على ان المشرع العراقي الذي ساوى في العقوبة بين الفاعل والشريكاشار في المادة (50 )على عقوبة الشريك حتى وان ظهرت اسباب تمنع معاقبة الفاعل وذكرتحالتين :
1- حالة عدم توفر القصد الجنائي لدى المساهم الاصلي:
واذا كانتخلف الركن المعنوي عند الفاعل مانعا من عقوبته لعدم تحقق مسؤوليته، فانه لا يكونمانعا من عقوبة الشريك متى توافر القصد الجنائي لديه في ارتكاب الجريمة. وفي هذهالحالة اقر المشرع اختلاف مسؤولية الشريك عن مسؤولية المساهم الاصلي.
واذاكان المشرع العراقي قد وفق في الفصل بين مسؤولية الفاعل والشريك الا انه قد وقع فيخطأ التكرار او التناقض اذ ان هذه الحالة عالجتها الفقرة الثالثة من المادة 48 فيموضوع الفاعل المعنوي، اما تناقضه مع الحالة السابقة فهو قد اعتبر الفاعل المعنويفاعلا اصليا في حين اعتبره في هذه الحالة شريكا ، وهو تناقض ينبغي رفعه.
2- الاحوال الاخرى:
ويقصد منها موانع العقاب. فاذا ما قامت موانع تمنع عقاب الفاعلفان هذه الموانع لاتسري على الشريك الا في حالة تحققها فيه. كما لو تزوج الخاطف بمنخطفها فمثل هذا الزواج يمنع عقاب الفاعل ولكنه لا يسري على شريكه الذي ساعده علىالخطف. واذا كان المشرع العراق قد اكد في الحالة الاولى استقلال الشريك عن الفاعلفي المسؤولية فقد اكد في هذه الحالة على استقلالهما في المصير.
- بينماسلك فريق آخر من المشرعين اتجاه اخر حيث فرق بين عقوبة المساهم الاصلي والمساهمالتبعي، وجعل عقوبة الثاني اخف من عقوبة الاول في الجريمة التي ساهموا فيها جميعا. واخذ قانون العقوبات السوري والاردني بهذا الاتجاه. حجتهم في ذلك اختلاف دور الفاعلعن دور الشريك في المساهمة الجنائية ، اذ يعتبر دور الفاعل اهم من دور الشريك فيتنفيذ الجريمة. وهذا ما نادى به اصحاب الاستعارةالنسبية.
المصادر :
1 – قانون العقوبات القسم العام كتاب يدرس في جامعة بغداد ممزق الغلاف ل يوجدعليه المعلومات .
2- السعيد مصطفى السعيد ، والدكتور محمد كامل مرسي ، قانونالعقوبات المصري الجديد ، الجزء الاول ، القاهرة ، 1946 .
3- المصدر السابق .
4 – د. محمود محمود مصطفى ، نموذج لقانون العقوبات ، الطبعة الاولى ، مطبعةجامعة القاهره والكتاب الجامعي ، 1976 .
5 – د. سامح السيد جاد ، مبادئ قانونالعقوبات ، القاهرة ، 1987 .
6 – د . علي حسين الخلف ، الوسيط في شرح قانونالعقوبات ، بغداد ، 1968 .
7 – د . محمود نجيب حسني ، دروس في قانون العقوباتالقسم العام ، القاهرة ، 1957 .
8 - مجلة القضاء ، 1966 ، العدد الثاني .
9 – د.محمود نجيب حسني ، علم العقاب ، القاهرة ، 1967 .
حسن الحلو