و قد جاء في الحديث الذي رواه أحمد و غيره بإسناد حسن عن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ((يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها)) قيل: يا رسول الله أمن قلة بنا؟ قال: ((لا و لكنكم غثاء كغثاء السيل تنزع المهابة من قلوب عدوكم منكم و يوضع في قلوبكم الوهن))، قالوا: يا رسول الله و ما الوهن؟ قال: ((حب الدنيا و كراهية الموت))، و هذا الوهن الذي ورد في الحديث إنما نشأ عن الجهل الذي صاروا به غثاء كغثاء السيل، ما عندهم بصيرة بما يجب عليهم بسبب هذا الجهل الذي صاروا به بهذه المثابة.
فقد سيطر الوهن عليهم و استقر في قلوبهم و لا يستطيعون الحراك إلى المقامات العالية و الجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمته؛ لأن حبهم للدنيا و شهواتها من مآكل و مشارب و ملابس و مساكن و غير ذلك أقعدهم عن طلب المعالي و عن الجهاد في سبيل الله فيخشون أن تفوتهم هذه الأشياء.
و كذلك أوجب لهم البخل حتى لا تصرف الأموال إلا في هذه الشهوات، و أفقدهم هذا الجهل القيادة الصالحة المؤثرة العظيمة التي لا يهمها إلا إعلاء كلمة الله و الجهاد في سبيل الله و سيادة المسلمين و حفظ كيانهم من عدوهم، و إعداد العدة بكل طريق و بكل وسيلة لحفظ دين المسلمين و صيانته و إعلائه و حفظ بلاد المسلمين و نفوسهم و ذرياتهم عن عدوهم.
فالجهل أضراره عظيمة و عواقبه وخيمة، و من ذلك ما بينه النبي صلى الله عليه و سلم من ذل المسلمين أمام عدوهم و وصفهم بأنهم غثاء كغثاء السيل، و أن أسباب ذلك نزع المهابة من قلوب أعدائهم منهم؛ أي أن أعداءهم لا يهابونهم و لا يقدرونهم لما عرفوا من جهلهم و تكالبهم على الدنيا و الركون إليها.