الموضوع الثاني :
لقد كان الانسان البدائي يعيش في فوضى لأنه أناني بطبعه ، لكنه بوصفه أرقى الكائنات فكر في وسيلة جعلته ينتقل من المجتمع الطبيعي < البدائي > حيث كان يتصف بالفوضى و عدم الاستقرار لغياب قوانين تنظم العلاقات بين الافراد ، إلى المجتمع السياسي حيث كون ما يعرف بالدولة ، و تعني في الاصطلاح السياسي بأنها : مجموعة من الافراد يعيشون في إقليم جغرافي و يخضعون لنظام سياسي و تتميز بالسيادة والشخصية المعنوية و تقوم على عدة اركان هي : الشعب :أو السكان الذين تمارس عليهم السيادة ، الإقليم الجغرافي : <الأرض> الذي يستقر عليه السكان ، السيادة :و هي صفة من صفات الدولة، وهي نوعان : سيادة داخلية و سيادة خارجية ، الاولى هي السلطة العليا للدولة على الافراد ، و الثانية تعبر عن الاستقلال و عدم التبعية ، و النظام السياسي . ولقد كانت الفكرة الشائعة لدى بعض الفلاسفة و علماء السياسة تقول إن غرض الديمقراطية هي المساواة الإجتماعية المطلقة بين الافراد. لكن هناك فكرة تناقضها تقول إن غرض الديمقراطية هي تجسيد الحرية في جميع مجالات الحياة خاصة المجال السياسي . وتبدوا هذه الفكرة صائبة ، فلهذا كيف يمكن لنا الدفاع عنها بأدلة كافية ؟ و بالتالي اثباتها و منه الاعتقاد بها و تبني رأي مناصريها ؟
إن منطق هذه الاطروحة يتمركز حول غرض الديمقراطية ، حيث يرى أنصار النظام الليبرالي وعلى رأسهم *هنري ميشال*Henri Michel و الفيلسوف الإنجليزي جون لوك John Locke 1704/1632.أن غرض الديمقراطية الحقة هو تحقيق الحرية السياسية ، والحرية تعني أن يكون الشخص مستقلا عن كل شيء ما عدا القانون ، وقد إنطلقوا من المسلمة القائلة : إن الحرية تجعل المواطن أكثر وعيا بحقوقه، وتدفعه بالتالي إلى المطالبة بتلك الحقوق والمشاركة في العملية السياسية وصولا إلى سيادة الديمقراطية في المجتمع و بالتالي يساهم في بناء الدولة بمباردته ، يقول هيجل : * الدولة الحقيقية هي التي تصل فيها الحرية الى أعلى مراتبه*. وقد ظهر هذا النظام السياسي الحر في العصر الحديث على الخصوص مستلهما مبادئه من نظرية العقد الإجتماعي ونظرية الإقتصاد الحر ، وهو إمتداد للنزعة الفردية التي تعترف بالحقوق و الحريات الطبيعية للفرد في تقرير مصيره بنفسه ، والدفاع عن حقوقه ، وعلى هذا الاساس أصبحت الارادة الفردية مصدرا للقوانين التي تحكم المجتمع إلى درجة أن الارادة الفردية غدت تعلوا على ارادة الدولة .
وقد تبلور الحكم الليبرالي في نظرية سياسية قائمة بداتها تجمع الديمقراطية والليبرالية . ولهذا يقول السياسي المصري علي الدين هلالAli Eddine Hilal في كتابه – مفاهيم الديمقراطية في الفكر السياسي الحديث –: * فالديمقراطية الليبرالية تزاوج بين فلسفتين مختلفتين ... هاتان الفلسفتان هما الديمقراطية و الليبرالية *.
و يقوم هذا النظام على أساس: الديمقراطية السياسية التي تهدف إلى تجسيد حرية الأفراد في المجتمع ، وهذا ما أكده هنري ميشال Henri Michelفي قوله : * الغاية الأولى من الديمقراطية هي الحرية * فالليبرالية تطالب بالحرية وعدم الخضوع ما عدا لسلطة القانون حيث يقول أحد المفكرين : * الحرية تعني أن يكون الشخص مستقلا عن كل شيئ ما عدا القانون * وتقوم هذه الديمقراطية ( الليبرالية ) على أسس منها :
ـ الحرية الفكرية : تمجد الفرد في مجال الفكر وتعطي له الحرية والحق في أن يعبر عن آراءه و أفكاره ، ويتدين بالديــن الذي يــريد ، وأن لا تعيقه الحكومة في الدفاع عن إجتهاداته الفكرية لأنه في النهاية مسئول عن نتائج أعماله.
ـ الحرية الإقتصادية : فالدولة الليبرالية تعترف بحرية الافراد في المجال الاقتصادي كرحرية المنافسة و حرية التجارة و المنافسة ..إلخ
ـ الحرية السياسية : حيث نقلت حرية المستهلك (الحرية الاقتصادية ) من المجال الاقتصادي الى المجال السياسي ،حيث يقول أحد المفكرين : * كلما تصورت نظاما إقتصاديا يقوم على المنافسة كلما تصورت نظاما سياسيا يقوم على حرية الإختيار بين الأحزاب و الإتجاهات السياسية *. وتتمثل هذه الحريات السياسية في حرية تكوين الأحزاب لتسمع كلمة الفرد من خلالها و يشارك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في توجيه الحياة العامة عن طريق الإنتخابات ، ويختار الفرد بمحض إرادته من يمثله في الحكم ، وإن دل على شيء إنما يدل على أن سلطة الدولة إنبثقت من إرادة الأفراد الذين يكوّنون إرادة الشعب . وقد عبر كلسون Kelsonعن هذا بقوله :*إن فكرة الحرية هي التي تحتل الصدارة في الإيديولوجية الديمقراطية* وقد طبق هذا النظام في دول أروبا الغربية و إشتهرت مجتمعاته بالتعددية الحزبية و حرية ممارساته .
و يمكن الدفاع عن الاطروحة القائلة : * إن غرض الديمقراطية هي الحرية السياسية * بحجج شخصية منها :
تعد الديمقراطية الليبرالية اليوم أنجع نظام حكم لما تكفله من ضمان للحريات الفردية و بالتالي الحقوق الطبيعية كحق الحرية و الملكية و الحياة ...إلخ .
كما أن الواقع يبين اليوم ان المجتمعات التي تتبنى هذا النمط من الحكم هي الاكثر تقدما و إزدهارا . فبعد سقوط جدار برلين أصبحت الديمقراطية من خلال تشجيعها للحرية الفردية تضمن تجليات الابداع و بالتالي التطور كما تستبعد كل تعسف و كل سلوك طاغ و بالتالي فالمواطن هو السيد و ما الحاكم إلا خادم للشعب حيث يكون المواطن غاية في داته و ليس وسيلة و من ثمة تتجسد القيم الاخلاقية العليا التي تضمن كرامة الانسان وهو مادعى إليه كانط حينما قال في كتابه ـ مشروع السلام الدائم * يجب ان يحاط الانسان بالاحترام بوصفه غاية في داته لكن يجب أن يفهم الديمقراطية الليبرالية تلك التي تنبع من ارادة الشعوب و التي تأخد بعين الاعتبار خصوصية كل ثقافة و كل امة *. وهو ما نجده حتى في المجتمع الغربي نفسه من ديمقراطية برلمانية و اخرى رئاسية و حتى في تطبيق النوع تختلف من دولة إلى أخرى فالنمودج الامريكي يختلف منه عن النمودج الفرنسي ..إلخ . فالديمقراطية السياسية مكنت شعوبها من السيادة بسيادة الشعب فبالتالي فهي تحقق نمودجا لمجتمع مثالي يضمن الاستقرار لأن الشعب لا يمكن ان يثور على قرارات هو مصدرها .
ومن الناحية التاريخية تعتبر الثورة الفرنسية 1789 في نظر رجال الفكر و التاريخ أكثر الثورات التي حملت لواء الديمقراطية السياسية و خاصة دفاعها عن المساواة السياسية كما ذهب توماس جفرسون رئيس الو.م.أ في القرن 19في صياغته للدستور الأمريكي الى مطالبة الحكومات الديمقراطية بحماية حق الأفراد في الحياة و التفكير.
لكن لهذه الاطروحة خصوم و هم أنصار الديمقراطية الإشتراكي و على رأسهم كارل ماركس
Karl Marx1818 -1883 وزميله فريديريك أنجلز Friedrich Engels 1820-1895 الذين يرون أن غرض الديمقراطية هو المســاواة الإجتماعية . وذلك بتبني الديمقراطية الإجتماعية التي ترمي إلى تحقيق العدالة الإجتماعية بين المواطنين.وهي نظرية تعبر عن إرادة الشعب . وهي تخلص المجتمع من الطبقية لهذا يقول فريديريك أنجلز :* الإشتراكية ظهرت نتيجة صرخة ألم ومعاناة الانسان * و بالتالي فهي تخلق مجتمع متوازن متعاون ، وهذا عن طريق المساواة بين أفراد المجتمع . ولهذا نجد ماركس ينادي بالديمقراطية الإجتماعية لأن الديمقراطية من غير مساواة تؤذي إلى هيمنة الرأسماليين و إستغلالهم لأغلبية أفراد الشــعب و بالتالي ظهور الطبقية . فالمساواة هي بوابة الديمقراطية . حيث يقول لينين : * يجب أن يكون كل طباخ قادرا على إدارة البلاد * . ولتحقيق ذلك لابد من الإعتماد على أســس هــي :
ـ تكافؤ الفرص : أي المساواة بين جميع الأفراد من خلال ديمقراطية التعليم و العلاج المجاني ونظام الحزب الواحد الذي يعبر عن إرادة الجماهير وليس هناك مجال للمنافسة السياسية .
ـ محاربة الإستغلال : وذلك بتدخل الدولة في الحياة الإقتصادية من أجل تأميم وسائل الإنتاج و مختلف المرافق المالية و الإقتصادية للقضاء على التفاوت الطبقي ( محو الفوارق الطبقية بين الناس و غزالة الفقر و البؤس عن الطبقة العاملة ) التي هي مصدر الانتاج و الثروة في المجتمع ، أي أن المهم للدولة الاشتراكية ليس تسجيل حقوق المواطنين السياسية في دســاتــير ، وإنما رفع المستوى المادي و الفكري لهم ، لأن الجماهير تعبر عن إرادتها و طموحاتها السياسية داخل جهاز الحزب الواحد وليــس هناك مجال للمنافسة السياسية ، لأن فكرة التعددية غير واردة ، فالأفراد متساوون و الشعب يشكل وحدة متجانسة .
كملوها آو بقا النقد و الإستنتاج :