«عولمة» قتل الأطفال - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الأخبار و الشؤون السياسية > صوت فلسطين ... طوفان الأقصى

صوت فلسطين ... طوفان الأقصى خاص بدعم فلسطين المجاهدة، و كذا أخبار و صور لعملية طوفان الأقصى، طوفان التحرير، لنصرة الأقصى الشريف أولى القبلتين و ثالث الحرمين الشريفين ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

«عولمة» قتل الأطفال

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2009-01-13, 15:45   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
gatboulerbah
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية gatboulerbah
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي «عولمة» قتل الأطفال

لم يتمكّن الروائي الروسي دوستويفسكي طوال حياته من فهم «مسألة» موت الأطفال، التي جعلته يواجه أصعب سؤال ميتافيزيقي يمكن أن يُطرح. ومثله عجز الكاتب الفرنسي ألبير كامو عن استيعاب ما سمّاه في كتابه الشهير «الإنسان المتمرد» عذاب الأطفال الذي لم يجد له مبرراً، أي مبرر. ولو قدّر لهذين الكاتبين أن يشاهدا ما يحصل الآن في غزة لاقتنعا تماماً أن المسألة أشد مأسوية من تراجيــديا التاريخ وأشد عبثية من العبث نفسه. في غزة لا يموت الأطفال بل يُقتلون، القتل هو المسألة وليس الموت فقط، ما يعني أن ثمة قاتلاً يقتل وثمة أطفالاً يســقطون لأنهم أطفال.

الصور التي تنقلها الكاميرات من غزة لم تعد محتملة. صور الأطفال المقتولين والمشوّهين لا يمكن الاعتياد عليها. إنها أقوى من فعل القتل، وأعنف من العنف نفسه لأنها ذروته. صورة الطفلة التي قضت تحت الأنقاض ولم يبق منها سوى رأسها المزروع في التراب، ليست صورة، إنها مأساة المأساة التي لا يمكن أن يعبّر عنها أي كلام. حتى الدمع المنهمر من عين المشاهد لا يعبّر عن تلك اللحظة الرهيبة التي استحالت فيها الطفلة دمية شبه مدفونة، دمية من لحم ودم. أما الصورة التي ظهر فيها بضعة أطفال يلتصقون بجسد أمهم وقد قضوا جميعاً، فهي أشد مأسوية أيضاً. يلجأ الأطفال في لحظة الخوف الى جسد الأم، ليموتوا في ظلّه، وفي ظنهم أنه يحميهم ويؤويهم ويطعمهم.

الصور الأليمة لم تعد تُحصى، إنها تتوالى يوماً تلو يوم وكأن الحرب الاسرائيلية حرب معلنة على الأطفال أولاً وآخراً.

غير أن الأشد إيلاماً هو صمت العالم حيال هذه المأساة التي لا يكفي نعتها بـ «المجزرة» لأنها أعمق ممّا تختزن المجزرة من معانٍ. صمت العالم أو لأقل صمت العالم الأول، صمت الغرب، أميركياً كان أم أوروبياً. هل يمكن قتل الأطفال بمثل هذه الوحشية في مطلع الألف الثالث؟ ألم تعدنا العولمة بما سمّي «القرية العالمية» التي تضم تحت جناحيها البشرية جمعاء؟ ألم يطمئنا مفكرو الغرب بأن المستقبل سيكون إنسانياً بامتياز؟ إنه لأمر مخزٍ حقاً، أن يسقط الأطفال على مرأى الأمم، فلا يتحرك سوى ما تحرك من شارع هنا أو جماعة هناك. حتى الإدانة العالمية «النظرية» ليست وافية أمام عنف اللحظة التي تشهدها غزة. القاتل قاتل حقاً لكن الشاهد الصامت على القتل قاتل بدوره. إنه التواطؤ الخفي بين يد تقتل ويد ترتفع لتعترض فقط.

رحل صموئيل هنتنغتون غداة اندلاع الحرب «التلمودية» التي تشنها إسرائيل على غزة. يا لها من مصادفة. رحل هنتنغتون وفي نفسه شيء من «صدام الحضارات». لكن حرب غزة ليست مشهداً من مشاهد هذا الصدام الحضاري بل هي صورة «دموية» له، صورة يصنعها القتلة مثلما يصنعها الأطفال المقتولون. فالعنف الإسرائيلي أو لأقل الصهيوني، كان السبّاق دائماً، والتاريخ القديم يشهد، التاريخ الذي انحاز لهم هم القتلة الأبديون. هذا ليس صدام حضارات، بل صدام بين الجزار وضحيته، بين الوحشية الحديثة، أو ما بعد الحديثة والبراءة. هل يمكن تصور هذه المأساة في مطلع الألف الثالث؟

في حرب تموز 2006 شاهدنا على الشاشات الصغيرة صوراً لأطفال اسرائيليين يكتبون جملة «الى أطفال لبنان» على بعض القذائف قبل أن تطلقها المدافع الاسرائيلية. الآن يمكن فهم مغزى هذه «الرسالة» التي «أُجبر» أطفال اسرائيل على توجيهها الى أطفال لبنان. بل يمكن الآن فهم هذه «الجريمة» التي ترتكبها اسرائيل بحق أطفالها عندما تهيّئهم ليكونوا قتلة المستقبل. أطفال غزة الآن هم الذين يستقبلون تلك الرسائل التي استقبلها قبلهم أطفال قانا وبيروت... إنه القتل بالفطرة ينشأ عليه أطفال سيكونون غداً قتلة حقيقيين.

صور الأطفال المقتولين والمشوّهين في غزة تتوالى على الشاشات الصغيرة! نغمض عيوننا لا لننسى بل لنتألم أكثر، نصمت، ليس لأننا عاجزون عن الكلام، بل لأن الصمت أجدى. هؤلاء الملائكة هم الذين يتكلمون الآن، هم الذين يكتبون الآن، بدمائهم وأشلائهم، بنظراتهم الخائفة، بنظرات ما قبل الموت ونظرات ما بعد الموت... هؤلاء الملائكة يحتاجون الى الحياة مثلما تحتاج الحياة اليهم. الحياة وحدها تليق بهم، الحياة التي هم وحدهم يصنعونها. لا يستحق هؤلاء الملائكة أن يستشهدوا في هذا العمر الباكر، لا يستحقون أن يودّعوا عالماً لم يفتحوا عيونهم عليه كما ينبغي، لا يستحقون أن يدفنوا في مقتبل طفولتهم.









 


رد مع اقتباس
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 08:46

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc