مكانة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد الجزائري
تمهيد:
تعتبر المنشآت الصغيرة والمتوسطة حجر الزاوية في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية, ويعود ذلك لمردودها الاقتصادي الإيجابي على الاقتصاد الوطني من حيث دورها الرائد في توفير فرص عمل جديدة ، وتحقيق زيادة متنامية في حجم الاستثمار وما تحققه من تعظيم للقيمة المضافة ، وزيادة حجم المبيعات ، بجانب دورها التنموي الفعال بتكاملها مع المنشآت الكبيرة في تحقيق التكامل بين الأنشطـة الاقتصادية ، ويظهر دورها الحيوي في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في أنها تمثل نحو (80–90 %) من إجمالي المنشآت العاملة في معظم دول العالم ، ولها مساهمات كبيرة في الصادرات .
وسنحاول من خلال هذا الفصل دراسة مساهمة المؤسسات الصغيرة و المتوسطة في مختلف المتغيرات الاقتصادية و توضيح الدور الذي يمكن لهذه المؤسسات أن تلعبه من اجل إنعاش الاقتصاد الجزائري .
وقد قسمنا هذا الفصل إلى ثلاث مباحث :
المبحث الأول :تطور الاستثمار في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة .
المبحث الثاني : الوضعية الحالية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة .
المبحث الثالث : دراسة دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد الوطني وفقا لمجموعة من المؤشرات .
المبحث الأول: تطور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الجزائر
لقد تطورت المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ببطء شديد خاصة قبل 1988 ويرجع ذلك إلى اعتماد المنهج الاشتراكي في تحقيق التنمية الاقتصادية عن طريق الصناعات الكبرى وعموما فهناك ثلاث مراحل تميز تطور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الجزائر :
المرحلة الأولى : وتمتد من 1962 إلى 1982 حيث عرفت هذه المرحلة تنظيما ركز على تحديد توسع و تطور المؤسسة الصغيرة والمتوسطة الخاصة مع الإشارة إلى إقامة عدد معتبر من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الخاضعة للقانون العام خاصة على مستوى الجماعات المحلية .
المرحلة الثانية : وتمتد من 1982 إلى 1988 وتميزت بمجموعة من الإصلاحات التي مثلت بداية لتطور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة .
المرحلة الثالثة : و التي تمتد من سنة 1988 إلى يومنا هذا , وتميزت بمحاولة السلطات الجزائرية إقامة منظومة مؤسسات صغيرة ومتوسطة وذلك من خلال تقديم مجموعة من التسهيلات التي مست عدة جوانب .
المطلب الأول : المرحلة الأولى 1962 – 1982
لقد كان قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الذي بقي مهمشا تماما خلال هذه الفترة يتشكل في معظمه من المؤسسات التي سلمت إلى لجان التسيير الذاتي بعد رحيل مالكيها الأجانب حيث كانت حوالي 98% منها مملوكة للمستوطنين الفرنسيين قبل الاستقلال وكانت تلك التي تعود إلى الجزائريين محدودة على المستوى العددي و على المستوى الاقتصادي , وبعد الاستقلال مباشرة ونتيجة للهجرة الجماعية للفرنسيين أصبحت تلك المؤسسات متوقفة عن الحركة الاقتصادية الأمر الذي جعل الدولة تصدر قانون التسيير الذاتي , ثم التسيير الاشتراكي للمؤسسات منذ 1971 كشكل من أشكال إعادة تشغيلها وتسييرها وأصبحت تابعة للدولة , وفي ظل تبني الخيار الاشتراكي وإعطاء القطاع العام الدور الأساسي على حساب القطاع الخاص واعتماد سياسات الصناعات المصنعة وما يرتبط بها من مؤسسات كبرى مرافقة في القطاعات الاقتصادية , فقد شهدت منظومة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في سنوات الستينات والسبعينات ضعفا كبيرا سواء تلك التابعة للقطاع العام أو تلك المملوكة للقطاع الخاص .
وخلال هذه الفترة انحصر دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في تحقيق التنمية المحلية وتلبية الاحتياجات المتزايدة من السلع والخدمات للقطاع الصناعي ( الاستثمارات الكبرى ) , وقد تركز دور الصناعات الصغيرة والمتوسطة على توسيع النسيج الصناعي وتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية لاستراتيجية التنمية القائمة على الصناعات الكبرى , حيث كان ينظر إلى هذه الصناعات على أنها مكملة للصناعات الأساسية و أنها تقوم بمهمة تدعيم عملية التصنيع .
وقد تدعمت هذه الفكرة بالخصوص مع بداية تطبيق المخطط الرباعي الثاني في مرسومه رقم 74/ 68 بتاريخ 24 جوان 1974 على تدعيم اللامركزية بحثا عن توزيع عادل وامثل في استعمال الموارد المتاحة .
ويمكن القول أن المؤسسات الصغيرة و المتوسطة خلال الفترة (1962-1982 ) تطورت ببطىء شديد , وكانت هذه المؤسسات تنقسم إلى :
- مؤسسات صغيرة ومتوسطة تنتمي إلى القطاع العام .
-مؤسسات صغيرة ومتوسطة تابعة للقطاع الخاص .
1- المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التابعة للقطاع العام :
اعتبرت الصناعات الصغيرة والمتوسطة ضمن هذه السياسة قطاعا تابعا يخضع للإشراف المباشر للجماعات المحلية ( البلدية , الولاية ) التي أخذت على عاتقها مهمة تنظيم وضمان تطوير هذه الصناعات .
وتجلت مظاهر الاهتمام بالصناعات الصغيرة والمتوسطة المحلية في هذه المرحلة بتبني سياسة تنموية وتطويرية خاصة وذلك بتطبيق ثلاث برامج تنموية متتالية :
*البرنامج الأول : (1967/1969 ) ويشمل استعادة الوحدات القديمة الموروثة عن الاستعمار وتحويلها إلى مؤسسات عامة محلية وجهت لتطوير الصناعات الحرفية و التقليدية في إطار البرامج الخاصة مدفوعة من وزارة الصناعة .
*البرنامج الثاني : (1970/1973) وعرف تنمية الصناعات المحلية ضمن برنامج التجهيز المحلي انطلاقا من المخطط الرباعي الأول الذي سمح بتسجيل هذه الصناعات ضمن المخطط الوطني للتنمية .
*البرنامج الثالث : (1974/1977) شمل تطبيق برنامج الصناعات المحلية الذي اعتبر بمثابة الانطلاقة الفعلية لتنمية الصناعات الصغيرة والمتوسطة المحلية .
و قد عملت الدولة على إنشاء وحدات محلية صغيرة ومتوسطة تعمل على دعم مجهودات التنمية اللامركزية .
فبعد الاستقلال ورثت الجزائر هيكلا اقتصاديا مختلا مكونا أساسا من وحدات صغيرة مختصة في الصناعات الإستخراجية و التحويلية للمواد الخام الموجهة للتصدير , وفي ظل تبني خيار الصناعات المصنعة فقد استحوذت المؤسسات الكبرى على معظم المشاريع الاستثمارية و التي كانت تهتم أساسا بالصناعات الثقيلة مثل : صناعة الحديد والصلب , صناعة الميكانيك , الصناعة البترو كيمياوية , صناعة الطاقة والمحروقات .
أما الصناعات الصغيرة والمتوسطة فقد اختصت في الصناعات التحويلية لبعض المواد خاصة منها الاستهلاكية وحظيت هذه الصناعات بأهمية ومكانة ثانوية , إذ انحصر دورها على تلبية بعض احتياجات الصناعات الكبيرة .
وخلال الفترة الممتدة من 1963الى 1969 تميزت الاستثمارات بالضعف الشديد وذلك نظرا لضعف وتواضع الإمكانيات المادية والبشرية بالإضافة إلى انشغال السلطات بمشاكل التنظيم الإداري وقد أعطيت الأفضلية للهياكل المتمركزة في الصناعات القاعدية و المحروقات حيث شكلت الاستثمارات القاعدية حوالي 68% من مجموع الاستثمارات أما الصناعات التحويلية فقد مثلت 32% فقط
أما خلال الفترة الممتدة من 1970 إلى 1977 فقد تم الاهتمام بقطاع الصناعات التحويلية, وذلك ما عكسته الأهمية الكبيرة التي أولاها المخطط الرباعي الثاني (1974/1977 ) للصناعات الصغيرة والمتوسطة في إطار مجهودات التنمية اللامركزية , إذ اعتبرت هذه الصناعات وسيلة اقتصادية فعالة من شانها المساهمة إلى جانب المؤسسات الكبرى في تحقيق التنمية .
وفيما يخص الاستثمارات الصناعية الصغيرة والمتوسطة المقررة في المخطط الرباعي الثاني فقد ارتكزت على تلبية الاحتياجات المحلية والوطنية خاصة المرتبطة بإنجازات الاستثمارات الصناعية الكبرى كمواد البناء التي احتلت مكانة هامة بين قائمة المشاريع المبرمجة إلى جانب الوحدات الصناعية الصغيرة التحويلية وبعض الوحدات القليلة جدا التي اختصت في نشاطات أخرى .
جدول رقم (3-1) : معدلات إنجاز وحدات صناعات الإنتاج المحلية سنة 1978
نوع الصناعات عدد العمليات المسجلة عدد الصناعات المنجزة الصناعات التابعة للولاية الصناعات التابعة للبلدية الإنجاز%
مواد البناء 268 33 17 16 12
الصناعات المعدنية 84 14 11 03 17
الخشب والورق 75 22 14 08 29
النسيج 32 02 02 - 06
الصناعات الغذائية 19 08 01 07 42
الصناعات التقليدية 72 51 03 48 70
الخدمات الحرفية 50 04 04 - 08
الكيمياء الصغيرة 11 - - - -
السياحة المحلية 133 10 10 - 7.5
المجموع 744 144 62 82 19
المصدر : الطيف عبد الكريم – واقع و آفاق تطور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في ظل سياسة الإصلاحات- مرجع سابق . ص33 .
وعموما يمكن القول أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التابعة للقطاع العام تطورت وفقا للمخططات التنموية التي كانت ذات أبعاد سياسية تهدف إلى التوازن الجهوي دون الأخذ بعين الاعتبار للأبعاد الاقتصادية التي يجب من خلالها تحقيق تنمية اقتصادية .
2- المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الخاصة :
باعتماد الدولة الجزائرية إيديولوجية التنمية القائمة على مبادىء الاشتراكية و التي تعتمد على القطاع العام بصفة أساسية فقد تم تهميش دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي واعتمدت الدولة على الاستثمارات العمومية لبناء قاعدة صناعية ولم يكن للقطاع الخاص دورا بارزا رغم كل التطورات التي شهدتها التشريعات الخاصة بالاستثمار خاصة قانون 1966و الذي تحدد من خلاله دور ومكانة القطاع الخاص في استراتيجية التصنع المنتهجة وإعطاء الضمانات الكافية لراس المال الخاص , غير انه تم من خلاله التأكيد على مبدأ تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية وذلك عن طريق إخضاع القطاع الخاص للمراقبة المباشرة و توجيه الاستثمارات الخاصة نحو أنشطة اقتصادية دون أخرى .
غير أن هذه الإجراءات لم تنجح في تطوير القطاع الخاص و بقيت حصيلة الاستثمارات الخاصة ضعيفة للغاية مقارنة بالمشاريع الاستثمارية التي قام بها القطاع العام .
الجدول رقم (3-2) : المشاريع الصناعية المعتمدة بين 1967 و1978
السنوات
عدد المشاريع المعتمدة
مبلغ الاستثمار 106 دج
1967 36 66
1968 136 220
1969 252 279
1970 146 123
1971 41 43
1972 35 29
1973 173 23
1974 53 26
1975 19 31
1976 25 24
1977 06 08
1978 18 17
المجموع
940
889
المصدر : لخلف عثمان " دور ومكانة الصناعات الصغيرة والمتوسطة في التنمية الاقتصادية –حالة الجزائر – " رسالة ماجستير , جامعة الجزائر 1995. ص 81.
من خلال الجدول نلاحظ أن عدد المشاريع التي تم اعتمادها كان ضعيفا جدا حيث لم يتعد 940 مشروع خلال الفترة 1963 / 1978 ,ولم تكن هناك أي سياسة واضحة إزاء القطاع الخاص طيلة الفترة الممتدة من 1963 إلى 1982 , حيث بقي تطوره محدودا على هامش المخططات الوطنية خاصة انه بقي مقيدا أمام العداء المتزايد الذي تضمنه الخطاب السياسي للجزائر الاشتراكية و الذي يعتبر هذا القطاع مستغلا (الميثاق الوطني 1976 ) .
وقد كانت السياسة العامة للدولة ترمي إلى تحديد توسع المؤسسة الخاصة عن طريق المراقبة الصارمة , لا سيما عبر جباية تمنع أي تمويل ذاتي , ويضاف إلى الضغوط الجبائية التي تقلص انتشار المؤسسات الصغيرة والمتوسطة قوانين عمل قاسية وحرمان المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الخاصة من ممارسة التجارة الخارجية .
أدت هذه الأوضاع إلى تقليص حجم الاستثمارات الخاصة و انخفاض عدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة , و أصبح راس المال الخاص يستثمر وفقا للظروف والتوجهات السياسية , وقد انحصر اهتمام المستثمرين في القطاعات التي لا تتطلب أي تحكم تكنولوجي أو يد عاملة مؤهلة إلا نادرا .
وعموما فإن الأوضاع كانت مناسبة لقطاع التجارة و الخدمات التي استقبلت استثمارات الخواص , وبالنسبة للصناعة ركز راس المال الخاص على استراتيجية تعويض الواردات في مجال سلع الاستهلاك النهائي كالصناعات الغذائية والنسيج ومواد البناء .
وقد كان توزيع المؤسسات حسب الحجم لسنة 1976 كالتالي :
الجدول رقم (3-3) : توزيع المؤسسات حسب الحجم لسنة 1976
عدد العمال
عدد المؤسسات
النسبة %
من 1 إلى 5 عمال 2595 66.25
من 6 إلى 19 عامل 759 19.38
من 20 إلى 49 عاملا 249 7.5
من 50 إلى 99 عاملا 131 3.31
من 100 إلى 199 عاملا 88 2.25
من 200 الى499 عاملا 39 1
من 500 إلى 999 عاملا 8 0.2
أكثر من 1000 عامل 3 0.08
المجموع
3917
100
المصدر : عبد اللطيف بن اشنهو – التجربة الجزائرية في التنمية و التخطيط 62/82 –الديوان الوطني للمطبوعات الجامعية . الجزائر 1982 .
من خلال الجدول نلاحظ أن المؤسسات التي تضم اقل من 5 عمال (مؤسسات مصغرة) تمثل أغلبية من حيث العدد أما المؤسسات الصغيرة و كذا المتوسطة فلم تكن تمثل إلا نسبة صغيرة مقارنة بنسبة المؤسسات المصغرة , وذلك راجع المعوقات التي كانت تعترض تطورها حيث كانت جل الإمكانيات وخاصة المالية موجهة لتطوير القطاع العام.
وما يمكن قوله أن خلال هذه المرحلة كان قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ملك للدولة ,فقد تطورت هذه المؤسسات من خلال المخططات التنموية و التي كانت لها أبعاد سياسية تهدف إلى التوازن الجهوي على حساب الأبعاد الاقتصادية التي يجب من خلالها المحافظة على التنمية الاقتصادية ورفع الإنتاجية , وخلال هذه المرحلة لم يكن مفهوم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالمفهوم العصري , ولكن كان يسمى قطاع الصناعات الخفيفة
المطلب الثاني: المرحلة الثانية 1982 إلى 1988
1- المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التابعة للقطاع العام :
تميزت هذه المرحلة بانخفاض مداخيل الدولة وذلك نتيجة انخفاض أسعار المحروقات في الأسواق العالمية وخاصة سنة 1986 وكان لذلك اثر كبير على الاستثمارات التي يديرها القطاع العام و التي كانت تمول من خزينة الدولة , فقد كانت المؤسسات العمومية تتميز بانخفاض مستويات الكفاءة الإنتاجية و المردودية الاقتصادية إضافة إلى مشاكل متعلقة بعدم التحكم في التكنولوجيا المستوردة .
و نظرا لهذه العوامل قامت السلطات بإعادة النظر في السياسة الاقتصادية المطبقة , وتجلى ذلك من خلال توقيف الاستثمارات الموجهة إلى المشاريع الضخمة و الصناعات الثقيلة و توجيه الاستثمارات الجديدة إلى نشاطات اقتصادية كانت مهمشة من قبل مثل الصناعات الخفيفة .
وفي هذا الإطار عرف قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة اهتماما نسبيا باعتباره قطبا محركا وحيويا بامكانه المساهمة بصفة فعالة في تنفيذ وتحقيق اولويات و أهداف توجهات السياسة الاقتصادية الجديدة .
ونتيجة لذلك عرفت المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المحلية ( القطاع العام ) تطورا ملحوظا في بداية الثمانينات حيث وصلت إلى 341 مؤسسة سنة 1984 .
الجدول رقم ( 3-4 ) : تطور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المحلية من 1982 إلى 1988
السنوات 1982 1984 1986 1988
مؤسسات صغيرة ومتوسطة محلية
332
341
228
199
المصدر: الديوان الوطني للإحصائيات (ons) 1989.
2- المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الخاصة :
بالنسبة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الخاصة, فخلال هذه المرحلة ظهرت إرادة تسعى إلى تاْطير وتوجيه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وقد برز ذلك من خلال إصدار إطار تشريعي وتنظيمي يتعلق بالاستثمار الوطني الاقتصادي الخاص , غير أن العراقيل التي كانت تواجهها الاستثمارات الخاصة تركت أثرا كبيرا على تطور منظومة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة, ولم يكن لقانون الاستثمار لسنة 1982 اثر كبير في تطور هذه المؤسسات .
الجدول رقم (3-5) : تطور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الخاصة خلال الفترة 1984/1988
السنوات 1984 1986 1988
مؤسسات خاصة تشغل اقل من 20 عامل
11574
15697
13707
مؤسسات خاصة تشغل أكثر من 20 عامل
785
784
770
المجموع
14154
16481
14477
المصدر: الديوان الوطني للإحصائيات (ons) 1989.
من خلال الجدول نلاحظ أن هناك تذبذب في تطور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الخاصة , حيث أن عدد المؤسسات التي تضم اقل من 20 عامل عرفت ارتفاعا سنة 1986 غير أن عددها انخفض سنة 1988 وهذا نتيجة لعدم اتخاذ خيار واضح فبالرغم من تشجيع الدولة للاستثمار الخاص إلا أن الخيار الاشتراكي كان هو الغالب .
وعرفت المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تأخرا كبيرا وذلك لعدة أسباب أهمها :
* سيطرة القطاع العام على معظم الميادين الاقتصادية ولمدة طويلة من الزمن وبالتالي لم تترك الفرصة للقطاع الخاص إلا في بعض المجالات مثل التجارة .
* احتكار الدولة للتجارة الخارجية جعل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الخاصة تحت سيطرة المؤسسات العمومية من اجل الحصول على المدخلات المستوردة .
*الأسعار كانت تحدد من طرف الجهاز الإداري , أي أن الأسعار لم تكن تحدد على أساس اقتصادي الأمر الذي لم يساعد على تشجيع الاستثمارات الخاصة .
وقد كان هناك تمييز بين القطاع العمومي و القطاع الخاص , فالقطاع الخاص عموما تطور على هامش القطاع العمومي و ليس عن طريق إرادة سياسية واضحة ومحددة , كما أن القطاع الخاص في الجزائر وجه استثماراته نحو إنتاج السلع الاستهلاكية وليس اتجاه الإنتاج الصناعي , أما القطاع العمومي فقد أعطيت له كل العناية و الرعاية في إطار الاستثمار والإنتاج , وان المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لم تنل حظها الكافي من الاهتمام فهذه الأخيرة لم تدمج في استراتيجية التنمية الحقيقية و الشاملة للاقتصاد الوطني .
________________________________________
المطلب الثالث : المرحلة الثالثة 1988 – 2004
إن اعتماد النهج الاشتراكي لحقبة طويلة من الزمن و الذي كان يشجع القطاع العام على حساب القطاع الخاص لم يؤد إلى تحقيق تنمية اقتصادية , فبمجرد ما انخفضت مداخيل الجزائر من العملة الصعبة برزت إلى الأفق مشاكل عدة كان يعاني منها القطاع العام .
لذلك عملت السلطات الجزائرية على القيام بعدة إصلاحات تمكنها من الانتقال إلى الاقتصاد الليبرالي , و قد بدأت منذ الثمانينات بتطبيق مجموعة من الإصلاحات الهيكلية على المؤسسات الاقتصادية تمثلت في إعادة الهيكلة العضوية و المالية و استقلالية المؤسسات العمومية ثم الشروع في عملية خوصصة المؤسسات العاجزة والمفلسة .
ومن أهم الأسباب التي دفعت الدولة للقيام بإصلاحات هي كما يلي :
* اعتماد الصناعات المصنعة منذ السبعينات كأحد أشكال النموذج التنموي في ظل النظام الاشتراكي , فاعتمدت الجزائر على الصناعة وأهملت الزراعة و انتهجت التخطيط وأهملت قواعد التسيير الاقتصادي الراشد , كما فضلت القطاع العام وأهملت القطاع الخاص.
* غياب نموذج التنمية في مرحلة الثمانينات (عرفت فترة الستينات والسبعينات بوضوح نموذج التنمية الاقتصادية ) رغم محاولة الحكومة الجزائرية محاكاة النمط الرأسمالي في بعض مبادئه , فتوقفت عجلة التنمية بانخفاض الاستثمارات بسبب انخفاض حاد في موارد الدولة التي كانت تعتمد كليا على المحروقات , نتيجة تراجع أسعار النفط و تقلص سوق المديونية .
* تأزم الوضع في الجزائر نتيجة انخفاض أسعار النفط و ارتفاع حجم الواردات من السلع والخدمات كالسلع الغذائية .
* كما اعتمدت الجزائر كلية في تمويل الاستثمارات المخططة وفقا لنمط التسيير المركزي على القطاع المصرفي حيث لم تكن وظيفة هذا القطاع سوى خدمة الخزينة الأمر الذي أدى إلى عدم استفادة القطاع الخاص من القروض بالشكل الكافي .
ونظرا لذلك فقد تم إصدار قانون الاستثمار لسنة 1993 و الذي يعتبر انطلاقة حقيقية للقطاع الخاص في الجزائر بحيث أصبح هذا القطاع يسترجع مكانته في الاقتصاد الجزائري أمام تراجع القطاع العام.
وقد تم اختيار قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة كأحد الركائز التي يعتمد عليها من اجل تحقيق تنمية اقتصادية وإنعاش الاقتصاد الجزائري , وبدا الاهتمام بهذا القطاع حيث تم إنشاء وزارة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة , من اجل توجيه مبادرات القطاع الخاص إلى الاستثمار في قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة و دفعه إلى العمل الإنتاجي و فتح المجالات أمامه للمشاركة بصفة فعالة في الكثير من النشاطات الاقتصادية الإنتاجية التي كانت حكرا على القطاع العام لمدة طويلة .
فكان لهذه السياسة التحفيزية زيادة حقيقية في مجموع الاستثمارات الخاصة التي تركزت بصفة أساسية في قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة , حيث أن 99% من المشاريع المصرح بها لدى وكالة (apsi) من 1994 إلى 1999 تمثل مؤسسات صغيرة ومتوسطة .
الجدول رقم (3-6) : توزيع مشاريع الاستثمار حسب عدد مناصب الشغل (1993/1999)
عدد مناصب الشغل
النسبة %
من 1 إلى 9
من 10 إلى 19
من 20 إلى 49
من 50 إلى 99
من 100 إلى 199
من 200 إلى 499
أكثر من 500
40
28
23
7
2
1
0
المجموع 100
المصدر :المجلس الاقتصادي والاجتماعي – مشروع تقرير : من اجل سياسة لتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الجزائر – مرجع سابق . ص 26.
من خلال الجدول نلاحظ أن :
- المؤسسات الصغيرة مثلت نسبة هامة من نوايا الاستثمار حيث وصلت إلى 51 % ثم تأتي المؤسسات المصغرة والتي تضم اقل من 10عمال بنسبة 40% .
- بالنسبة للمؤسسات المتوسطة فقد مثلت 9 % فقط من نوايا الاستثمار و بالتالي فان 99% من نوايا الاستثمار كانت عبارة عن مؤسسات صغيرة ومتوسطة أما المؤسسات الكبيرة فلم تمثل إلا نسبة 1 % .
- وقد كانت معظم هذه المشاريع تابعة للقطاع الخاص فمن مجموع 13105 مشروع كان هناك 12976 مشروع تابع للقطاع الخاص , ولم يقدم القطاع العام سوى 123 مشروعا , ويمكن تفسير ذلك بالتوجه الاقتصادي الجديد للدولة و الذي يعتمد أساسا على المبادرة الفردية.