ولاية الجزائر شرعت في أكبر عملية لتجديدها بـ600 مليار

شرعت ولاية الجزائر في أكبر عملية لتجديد الأرصفة منذ الاستقلال، خصصت لها غلافا ماليا قدر بـ600 مليار، ومع انطلاق أشغال التهيئة منذ شهر، تحولت العاصمة إلى ورشة مفتوحة. والغريب في الأمر أن عددا كبيرا من الأرصفة التي تم تجديدها في الأشهر الأخيرة لعهدة والي الجزائر السابق عدو كبير، لم تعجب الوالي الجديد، الذي أمر بإعادة تجديدها كليا، وهي التي كانت تتطلب عملية ترقيع بسيطة، ما يطرح العديد من الأسئلة حول الغرض من هذه العملية، خاصة وأن تجديد الأرصفة هو العملية الوحيدة التي يقوم بها الأميار كل سنة دون طلب من المواطنين، بهدف استهلاك جزء من الميزانية الإضافية وتقسيم "الريع" بين المنتخبين والمقاولين.
تشهد العاصمة منذ شهر أكبر عملية لتجديد وتهيئة الأرصفة، حيث تحولت الشوارع الكبرى إلى ورشة مفتوحة تسببت في اختناق حركة المرور ومنع المواطنين إلى دخول المحلات التجارية التي أجبرت على غلق أبوابها جراء الغبار المتطاير وأعمال الحفر وردم الأرصفة دون التمييز بين الجديد والقديم منها.
"الشروق اليومي" تنقلت في مختلف الشوارع الرئيسة للعاصمة، ووقفت على حجم عملية التهيئة التي شملت أرصفة لم تمض سنة على تجديدها ببلاط جديد، والتي أشرف عليها شخصيا والي العاصمة السابق عدو كبير الذي زيّن الأرصفة بنوع جديد من البلاط القوي القابل للقلع أثناء الأشغال "أحجار"، والتي كلفت الولاية آنذاك ميزانية ضخمة، لكن الوالي الجديد للعاصمة أمر بإعادة تجديد جميع الأرصفة الواقعة في الشوارع الرئيسية للجزائر الوسطى، وحتى الشوارع الثانوية استفادت من هذه العملية التي يكتنفها الكثير من الغموض حسب المواطنين الذين وجدناهم في حالة من التذمر والاستياء لإهدار المال العام، حيث أكد الكثير منهم أن الأرصفة التي يتم تجديدها حاليا، استفادت من عملية تهيئة العام الماضي، وأضاف آخرون أنه لا فرق بين الأرصفة الجديدة والقديمة إلا بزيادة عرضها بـ 05 و10 سم، وأكد مواطنون أنهم كانوا يتمنون تهيئة الطرقات وترقيع الحفر المتواجدة في كل مكان بدل تجديد الأرصفة التي تزيّن كل عام ببلاط جديد.
ميزانية ضخمة لتزيين العاصمة ببلاط جديد
وبالنسبة إلى الشوارع التي ستستفيد من عملية تجديد الأرصفة في مرحلتها الأولى، أكد رئيس بلدية الجزائر الوسطى عبد الحكيم بطاش أنها ستشمل كلا من شارع ديدوش مراد، العربي بن مهيدي، عبان رمضان، عسلة حسين، كريم بلقاسم وعبد الكريم الخطابي. وأضاف أن والي العاصمة اتخذ قرارا شجاعا يتعلق بمنح صفقة تجسيد مشروع تهيئة العاصمة بالتراضي لإعطاء دفع لهذه الأشغال المكلفة جدا، بالنظر إلى المسافة الطويلة التي تخضع للتهيئة، حيث لا يقل عددها عن عشرة شوارع كبرى ستستفيد كلها من البلاط، بالإضافة إلى الشوارع الثنائية التي ستخضع بدورها للتهيئة.
وقال المتحدث: "يجب أن تقوم الشركة المكلفة بالإنجاز بتقديم ضمانات تلتزم من خلالها بعمل نوعي وجاد حتى يتم محاسبة كل من يتلاعب بهذه الأموال الضخمة، لأن هذه الأخيرة استفادت كثيرا من الفوز بهذا المشروع الذي يندرج في إطار المخطط الاستراتيجي لولاية الجزائر".
تصريحات رئيس البلدية التي أدلى بها للصحافة عند بداية الأشغال أثارت الكثير من الجدل والتعليقات، خاصة وأنها كشفت أمرين في غاية الخطورة، أولهما استفادة نفس المقاول من مختلف عمليات تجديد الأرصفة التي تقوم بها البلدية. والأمر الثاني يتعلق بالميزانية الضخمة التي خصصت لهذه العملية، ما اعتبره الكثيرون إهدارا للمال العام في أعمال تتجدد كل عام ولم ينعم المواطنون من جمالها وجودتها بسبب إعادة اهترائها بسبب أعمال الحفر التي تطالها من مختلف المؤسسات في مقدمتها مؤسسة سونلغاز وسيال.
جمعيات: "نحن ضد إهدار المال العام"
عملية تجديد الأرصفة خلّفت جدلا واسعا لدى لجان الأحياء، والجمعيات الناشطة في مجال البيئة، لسبب واحد، وهو إهدار المال العام في مشاريع تتكرر كل عام، حيث أكد رئيس جمعية "الجزائر البيضاء"، عمراني كريم، لـ "الشروق" أنه مع تحسين وتجميل المدينة وتهيئة الأرصفة وتعبيد الطرقات ما يساهم في إعطاء البعد الحضاري والجمالي للمدينة، لكن أن تتحول عملية تجديد الأرصفة كل عام إلى فرصة لإهدار المال العام، وتقاسم ميزانية البلدية بين المير والمقاول، فهذا أمر مرفوض يجب عدم السكوت عنه". وأضاف أن الأرصفة تجدد كل عام ببلاط جديد ولكن أعمال الحفر التي تقوم بها كل من مؤسسات سيال وسونلغاز واتصالات الجزائر تساهم في تشويه الأرصفة ما يدفع الأميار إلى إعادة تجديدها. ومن جهته أكد رئيس جمعية "المنظر الجميل" بالجزائر الوسطى، حبيب وزاني، أنه تفاجأ لهذه العملية التي جاءت حسبه "لسرقة أموال الشعب" واقتسام الريع بين الأميار والمقاولين، لأن أغلب الأرصفة التي يتم تجديدها حاليا استفادت من التجديد والتهيئة في عهدة الوالي السابق.
100 متر من الأرصفة تكلف 500 مليون ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وفي حديثنا مع أحد المقاولين الذي كلف بالطريق الرابط بين عسلة حسين و"قاعة الموقار"، أكد أن هذه العملية هي الأكبر من نوعها في ولاية الجزائر، وستعرف تهيئة الأرصفة بشكل حضاري وجميل يضمن مساحة واسعة للمارة في أرصفة سيتراوح عرضها بين متر ونصف إلى مترين. وعن تكلفة المشروع أكد أنه يختلف من بلدية إلى أخرى حسب نوعية البلاط والمواد المستعملة ومساحة وطول الرصيف. وكشف أن مسافة 100 متر من الرصيف من الجانبين تكلف 500 مليون، ويرتفع السعر كلما زادت المسافة وارتفعت تكاليف المواد المستعملة، وأضاف أنه متعاقد مع العديد من بلديات العاصمة، وعن أعمال تجديد الأرصفة التي تتجدد كل عام، قال إنها راجعة إلى أعمال الحفر التي تطالها من مؤسسات "سيال، سونلغاز، اتصالات الجزائر" ما يتطلب إعادة ترميمها كل مرة.
قانون جديد يمنع المواطنين والمؤسسات من الحفر
الجولة التي قادتنا إلى مختلف شوارع وسط الجزائر التي تحولت إلى ورشات مفتوحة، رصدنا من خلالها اقتلاع عدد كبير من الأرصفة بالكامل، بما فيها القديمة والجديدة، وفي حديثنا مع مسؤول بولاية الجزائر مكلف بالتجهيزات العمومية رفض ذكر اسمه، قال إن هذه العملية لن تكون مثل العمليات السابقة، والتي ستكون بالتنسيق مع مؤسسات "سيال، سونلغاز، اتصالات الجزائر" لتفادي أي عملية حفر من شأنها أن تشوه الأرصفة الجديدة. وكشف أن قانونا جديدا سيصدر يمنع أي مواطن أو مؤسسة من مباشرة عمليات الحفر قصد ربط البيوت بالغاز الطبيعي أو غيرها، إلا بتصريح من ولاية الجزائر، بهدف حماية الأرصفة وحتى الطرقات من عمليات الحفر العشوائية التي شوهت العاصمة.
عملية تجديد الأرصفة كل عام لا تقتصر فقط على العاصمة، بل هي ظاهرة وطنية تعطي صورة لوجه من أوجه إهدار المال العام وتقسيم الريع بين المقاولين والأميار، في وقت حرم فيه المواطنون من أعمال التهيئة الحقيقية التي غابت عن الكثير من المدن في الجزائر العميقة، والتي لا زالت تشهد تأخرا كبيرا في التهيئة على غرار حرمانها من الغاز الطبيعي وتعبيد الطرقات والإنارة العمومية...!