| متى نستفيق؟ .. لـ : حفيظ دراجي
البابا يستقيل من منصبه، والملكة تتخلى عن عرشها، والأمير عن ولاية العهد، والوزراء المحترمون يستقيلون في البلدان المحترمة عندما يفشلون، ورياح التغيير تهب هنا وهناك بحلوها ومرها، واليورو يرتفع والدولار ينخفض وبوركينا فاسو تصل نهائي كأس أمم افريقيا لكرة القدم.. وعندنا تعاني الخزينة العمومية من التخمة، ولكن قيمة الدينار تتدهور، وتمطر السماء ذهبا ولكن أبناءنا يموتون قهرا وغيظا ويموتون بسبب البرد والمطر وحوادث الطرقات، ويستفحل الجهل وينتشر النفاق والخداع والرشوة والفساد، وتزداد الأزمة الأخلاقية والفكرية، ولكن بعضنا يواصل الحديث عن العهدة الرابعة والخامسة منذ العهدة الأولى، وكأننا تجاوزنا كل متاعبنا ومشاكلنا وأزماتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أو كأن مشكلتنا الرئيسية هي استمرار الرئيس أو ذهابه.
الأحزاب السياسية من جهتها انهارت عندنا وطالتها موضة الانقلابات بسبب فساد الأخلاق السياسي وانهيار المبادئ، ومؤسسات المجتمع المدني غابت وغُيِّبت عن القيام بدورها، وبعض مؤسسات الدولة لم يعد لها "حس ولا خبر"، وقوى الشر تحالفت من أجل الإساءة للوطن وأبناء الوطن، وأخبار الوزراء المرتشين رفقة أبنائهم تملأ صفحات الجرائد الوطنية والعالمية دون أدنى تحرك من السلطات القضائية والتشريعية.. ولكننا لازلنا في سبات عميق نختلف حول المدرب الوطني وطريقة لعب المنتخب ومن يلعب فيه، ولا نقدر حتى على طرح التساؤلات وعلامات الاستفهام، ونخاف من مناقشة قضايانا الوطنية الهامة والأساسية التي تشغل بال أبنائنا وبناتنا..
ترى متى نفهم بأن كرة القدم لا يجب أن تكون كل شيء في حياتنا، ولا يجب أن تفرق بيننا، ونفهم بأن نجاح المنتخب أو إخفاقه ليس دليل تطور أو تدهور للوطن؟ ومتى نفهم بأن الوطن أهم من المنتخب؟ ونفهم بأن العالم سار ويسير بدوننا، وأن الخطر يداهمنا من الداخل والخارج، والعواقب ستكون وخيمة لو استمر التراجع والصدام وتفاقمت التراكمات وبقيت معنويات أبنائنا رهينة نتائج منتخب الكرة!!
متى نفهم بأن أزمتنا ليست كروية، بل هي أخلاقية وفكرية وعلمية وتربوية، وهي ماثلة في انهيار القيم والمبادئ، وفي الفساد المنتشر، والصمت الرهيب الذي يطبع سلوكياتنا على كل المستويات، ونفهم بأن مشكلتنا ليست في العهدة الرابعة أو الخامسة أو حتى السادسة، بل في استفحال الجهوية والإقصاء والفساد واعتماد منظومتنا الاجتماعية على الولاءات وليس الكفاءات، وفي الخوف من التغيير الذي عم مختلف الأوساط..
متى نفهم بأن بلدنا يعاني الجمود سياسيا وثقافيا واقتصاديا، ويتراجع في مجالات أخرى بسبب غياب المبادرة والجرأة والشجاعة في اتخاذ القرار، ونفهم بأن غلق المجال السياسي والإعلامي والغموض الذي يكتنف خياراتنا الإستراتيجية واستثمارنا في التجارب الفاشلة سينعكس سلبا على مجتمعنا وأبنائنا، وبعدها يخرج إلينا الانتهازيون لينقلبوا على سادتهم بعد ما كانوا يطبلون لهم فيتلونون بألوان أخرى ويستمرون في مواقعهم ينتجون الفشل تلو الآخر..
متى نفهم بأن أبناءنا في جنوبنا الكبير يحتاجون أفعالا وليس أقوالا ووعودا، والظروف الاجتماعية والاقتصادية والأمنية في مدن الجنوب تحتاج مشروعا وطنيا ضخما يخرج المنطقة من أزمتها ويخرج الوطن من محنته لينتقل إلى عهد آخر من الديموقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية بطريقة سلمية وحضارية بعيدا عن الصدام والتناحر والحقد والكراهية والظلم والفساد والتخلف، وبعيدا عن الاعتقاد بأن سبب همومنا هو وحيد خاليلوزيش الذي أخفق في التأهل إلى الدور الثاني من كأس أمم إفريقيا، ولو فزنا بكأس أمم إفريقيا لكان الوطن بألف خير!!
إلى متى نبقى نتحسر على أوضاعنا؟ ومتى نستفيق ونتفطن ونفهم ونستخلص الدروس لنتدارك التراجع؟ ومتى نستثمر في قدراتنا وخيراتنا ومواردنا دون نزيف وخسائر إضافية، خاصة وأننا ضيعنا الوقت والجهد بما فيه الكفاية، وأننا نملك المقومات والقدرات لكي يكون حالنا أفضل مما هو عليه بغض النظر عمن يكون الرئيس والوزير والمدير والمدرب الوطني؟؟؟