السياسة في نهاية المطاف هي برامج تقوم على أفكار و إيديولوجيات .. و ان يكون للحركات " الإسلامية " فكرها و إيديولوجيتها فذلك لا يعيبها في شيء ... و حتى يكون برنامج أي حركة سياسية برنامجا محترما لا بد أن يستند إلى فكر و إلا فسننتقل من دائرة الحديث عن البرنامج إلى دائرة الحديث عن خطة العمل ...
كل الحركات السياسية في العالم لا تتحرك من فراغ .. فهي ليست أجهزة إدارية ... إنما هي حركات تنطلق من فكر معين ... فالليبرالية إيديولوجيا ... العلمانية إيديولوجيا ... الشيوعية إيديولوجيا ... و ذلك يصدق على كل جيمع الحركات السياسية في العالم.
و لكن ما أثار إنتباهي في المقال أعلاه هو هذا المقطع تحديدا " فالعمل السياسي هو إداري بالدرجة الأولى، والإدارة بحاجة إلى فكر لتجريد مفاهيم العمل السياسي ونزعها من أي مشابهة قد تؤدي إلى الخلط " ...
و الواقع أن هناك مغالطة يراد تمريرها و البناء عليها ... فالسياسة هي الإجراءات و الطرق التي تؤدي إلى اتخاذ قرارات من أجل المجموعات و المجتمعات البشرية . و مع أن هذه الكلمة ترتبط بسياسات الدول و أمور الحكومات فإن كلمة سياسة يمكن أن تستخدم أيضا للدلالة على تسيير أمور أي جماعة و قيادتها و معرفة كيفية التوفيق بين التوجهات الإنسانية المختلفة و التفاعلات بين أفراد المجتمع الواحد ، بما في ذلك التجمعات الدينية و الأكاديميات و المنظمات .
أما العلوم السياسية فهي دراسة السلوك السياسي و تفحص نواحي و تطبيقات هذه الساسة و استخدام النفوذ ، أي القدرة على فرض رغبات شخص ما على الآخرين .
و تعرف السياسة أيضا بأنها كيفية توزع القوة و النفوذ ضمن مجتمع ما أو نظام معين .... و بالتالي فهي لا تعني الإدارة بمفهومها الضيق الذي لا يعدو أن يكون في الواقع وسيلة من وسائل تنفيذ سياسة ما.
تلام الحركات "الإسلامية" لكونها تحمل لواء رفض فصل الدين عن الدولة ..... المبدأ الذي تقوم عليه العلمانية و يدافع عنه العلمانيون بشراسة .... غير أننا نتجاهل حقيقة ثابتة و هي أن رفض الفصل بين الدين و الدولة ليس مبدأ " الحركات الإسلامية " فقط بل هو مبدأ جميع المسلمين بما فيه نحن الذين لا ننتمي عضويا و لا فكريا للحركات " الإسلامية " ...
ليس صحيحا أن الشعوب علمانية ... و ليس صحيحا أن مطلب الشعوب هو الخوض في الإيديولوجيات و الأفكار و الإتجاهات .... غير أننا نحاول مقاربة الموضوع من زاوية أخرى ... نريد من الحركات "الإسلامية" أن تقدم لنا برنامجا للحكم و لإدارة الشأن العام و تصورها لحلول مشكلات المجتمع ... ننتظر من هذه الحركات أن تلتزم بمبدأ التداول على السلطة وفق الأطر التي يرتضيها المجتمع بعيدا عن الإقصاء ... و حينها سيكون آداء الأحزاب هو الفيصل في الحكم عليها في المقام الأول و الأخير.
نحن نسيء كثيرا إلى الشعوب ... لأننا نفسر شعبية الحركات " الإسلامية " بكون خطابها يلقى قبولا من طرف الشعوب لكون هذه الأخيرة أمية جاهلة ... إن هذا التفسير في الأصل هو إحتقار للشعوب التي يدعي البعض الدفاع عن مصالحها و تمثيلها ....و الشعوب في الواقع لا تتبع الحركات " الإسلامية " إلا بحثا عن التغيير و يأسا من الواقع القائم الذي تسبب فيه الليبراليون و العلمانيون و القوميون و الوطنيون و غيرهم من الأطياف التي حكمت بلداننا على مدار عقود طويلة و لم تنتج سوى الفشل.
ثم لماذا نفترض أن الحركات " الإسلامية " ستتصرف بعقلية إنتقامية في حال إستلامها زمام الحكم .. هذا إنحراف في التفكير أن نحكم على النوايا دون أن تستند أحكامنا إلى معطيات من واقع الممارسة ... و الغريب في الأمر أننا من دعاة الديمقراطية و من الداعين إلى الإحتكام إلى الصناديق ... فإذا أفرزت هذه الصناديق واقعا غير الذي نريده فإننا ننقلب على ما دعونا إليه و نتهم الشعب بالجهل و الأمية أو نشكك في نزاهة العملية الإنتخابية ... و لو كنا نحن الفائزون لملآنا الدنيا بكلام طويل عريض عن التجربة الديمقراطية الناجحة ...
لنحترم المعايير التي نبني عليها مواقفنا ... و إذا كان " الصندوق " معيارا فلنعترف إذن بأن الشعب قد وضع ثقته في " الإسلاميين " و يحق لهم بموجب هذه الثقة أن يضعوا برنامجهم و فكرهم موضع التطبيق ... لا يمكن أن يصل الإخوان المسلمون إلى الحكم في مصر ثم نطالبهم بتطبيق برنامج الحزب الناصري على سبيل المثال ...
شخصيا لست متفقا مع الحركات " الإسلامية " في أساليبها و ليس في منطلقاتها ... و لكن خلافي معهم لا يجعلني أتنكر للمبادىء التي أؤمن بها ... هذه هي الديمقراطية التي نناضل من أجلها ... هذه الديمقراطية أوصلت الإخوان إلى الحكم ... و إنقلابي عليهم هو إنقلاب على الديمقراطية و تنكر للمبدأ.
مشكلتنا في العالم العربي هو أننا نتحدث عن النظام و نخلط بينه و بين السلطة ... فإذا كانت السلطة بيد جماعة أو حركة معينة ... فالنظام مفهوم أوسع ... و المعارضة هي جزء من هذا النظام ... و هي ليست عدوا للسلطة في إطار هذا المفهوم .... و متى إعتبرت المعارضة نفسها عدوا للسلطة نكون أمام حقيقة أخرى و هي إفلاس النظام السياسي في البلد مما يستوجب حلولا تتجاوز السلطة و المعارضة معا و تتطلب إعادة النظر في النظام السياسي ككل بكل مشتملاته و مقوماته.