قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لزوجه فاطمة بنت عبد الملك لما ولي الخلافة
يا فاطمة قد نزل بي هذا الأمر ، وحملت أثقال حمل ، وسأُسأل عن القاصي و الداني من أمة محمد ، ولن تدع هذه المهمة فضلة في نفسي ، ولا من وقتي أقوم بها بحقك علي ، ولم تبق لي إربا في النساء ، وأنا لا أريد فراقك ، ولا أؤثر في الدنيا احداً عليك ، ولكني لا أريد ظلمك ، وأخشى ألا تصبري على ما اخترته لنفسي من ألوان العيش ، فإن شئت سيَّرتك إلى دار أبيك .
قالت : وما أنت صانع؟
قال: إن هذه الأموال التي تحت أيدينا ، وتحت أيدي إخوانك وأقربائك قد أُخذت كلها من أموال المسلمين ، وقد عزمت على نزعها منهم، وردها إلى المسلمين ، وأنا بادىء بنفسي ، ولن أستبقي إلا قطعة أرض لي ، اشتريتها من كسبي ، وسأعيش منها وحدها، فإن كنت لا تصبرين على الضيق بعد السعة فالحقي بدار أبيك.
قالت: وما الذي حملك على هذا؟
قال : يا فاطمة إن لي نفساً تواقة ، ومانالت شيئاً إلا اشتهت ما هو خير منه، اشتهيت الإمارة فنلتها ، فلما نلتها اشتهيت الخلافة ، فلما نلتها اشتهيت ما هو خير منها وهو الجنة !
قالت : اصنع ما تراه ، فأنا معك، وما كنت لأصحبك في النعيم وأدعك في الضيق، وأنا راضية بما ترضى به.
فأعتق الإماء والعبيد ،وسرح الخدم، وترك القصر، وردَّ ما كان له إلى بيت المال، وسكن داراً صغيرة شمالي المسجد ، حتى أصبح كواحد من الناس في ملبسه وسكنه وتواضعه ومأكله ومشربه .
لم يكن لفاطمة من النعيم إلا جواهرها.
فقال لها: يا فاطمة قد علمت أن هذه الجواهر قد أخذها أبوك من أموال المسلمين وأهداها إليك، إني أكره أن تكون معي في بيتي، فاختاري أن ترديها إلى بيت المال ، أو تأذني لي بفراقك .
قالت : بل اختارك- والله- عليها وعلى أضعافها لو كانت لي .
وعندما توفي عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- بكت عليه زوجته أشد البكاء حتى غشي بصرها ، فدخل عليها أخواها مسلمة وهشام ، وعرضا عليها ما شاءت من الأموال . ولكنها قالت: والله ما أبكي على مال ، ولا نعمة، ولكني رأيت منه منظراً ذكرته الآن فبكيت.
قالا: ما هو ؟
قالت: رأيته ذات ليلة قائما يصلي ، فقرأ( يوم يكون الناس كالفراش المبثوث*وتكون الجبال كالعهن المنفوش) فشهق من البكاء حتى ظننت أن نفسه قد خرجت.