سن الثلاثين، مرحلة مهمة في عمر المرأة وخاصة غير المتزوجة تتخبط فيها المشاعر والأحاسيس، قد يظن الكثيرون أن الفتاة إذا ما تجاوزت سن الثلاثين عاما تشعر بحالة من التعاسة والأسى على حالها لمجرد عدم زواجها مثل باقي الفتيات، غير عالمين أن هذه المرحلة هي أكثر المراحل في حياة الفتاة نضوجا، فالمرأة غير متزوجة بعد سن الثلاثين قد تعرفت على حيل الرجال وكيفية التعامل معهم والخروج منتصرة وبأقل الخسائر, المرأة غير متزوجة بعد سن الثلاثين امرأة عاقلة متزنة تزن الأمور وفق نصابها، ولقد أكدت العديد من الدراسات النفسية أن أجمل سن للمرأة هو سن الثلاثين وما بعده وحتى الأربعين, حيث ترى الإعجاب والانبهار من كل المحيطين, فكيف تكون إذن المرأة غير متزوجة بعد سن الثلاثين حزينة أو لديها مشاعر سلبية تجاه الذات.
ولكن أين تكمن المشكلة هنا ؟؟ المشكلة هنا تكون في نظرة الأهل والأصدقاء والمجتمع لكل فتاة تجاوزت الثلاثين نظرة تشعرها بوجود نقص في شخصها، فنجد النظرات غير المريحة تحاصرهن.. والعروض «الغريبة» للزواج تنهال عليهن، إما من رجل متزوج أو أرمل غزا الشيب شعره أو طامع فيهن، وإن رفضن واحدة من تلك العروض الغريبة فإنهن بذلك يعتبرن آثمات، وقد يقول البعض أنهن يخفين شيئا لا يرغبن بالكشف عنه، والعديد والعديد من الأقاويل الغريبة التي تميز بها مجتمعنا العربي..
في كل مكان تسمع بنت الثلاثين «نصائح» للوصول لـ«القفص الذهبي» وترى نظرات تمزج بين الشفقة والشماتة، في كل مكان تسمع الثلاثينية الشابة همسا عن«العيب» غير المفهوم لتبدأ ماكينة المجتمع في «طحن» البنت كأنها المسئولة عن بقائها لهذا السن بدون زواج .
لماذا المجتمع لا يرى المرأة إلا بوجود رجل؟!، ويعتبر الزواج هو الأساس ويلغي جميع مهارات الفتاة وجميع الأشياء المنتجة في شخصيتها إن كانت علمية أو عملية، فالزواج مسألة نصيب إذا تم فهو خير، وإذا تأخر فهذا لا يلغي المكانة الاجتماعية للفتاة، ولابد من التسليم بأمر الله.
وإذا كانت الفتاة تتأقلم مع الواقع إلا أن والديها يعانيان ألماً خاصاً يمتزج فيه الخجل من نظرات الناس المتسائلة، لماذا لم تتزوج ابنتهما؟ وأيضا خوفاً عليها من الزمن إذا رحلا وتركاها وحيدة، ودائماً أرى أن الأم إما يكون لها دور إيجابي مع ابنتها يجعلها لا تفقد الثقة في نفسها ولا تتحطم معنوياً أو تكون عنصراً سلبياً يدفعها للإقدام على أي زيجة لمجرد أن ترضى الآخرين، وتترك لقب عانس.
ويقع على المجتمع عبء تغيير النظرة الدونية التي يُنظر بها للمرأة التي تأخرت عن الزواج، وتعميم أن مكانة المرأة تبقى ولو لم يرزقها الله بزوج صالح، فهي مصانة، مكرمة، لا يجب أن ينقص من قدرها، مع التخفيف من حدة بعض الألفاظ التي يستخدمها بعض الخطباء والدعاة، وحملة الأقلام، فلا تعلمون قدر الجرح الذي تتركه هذه الكلمات في نفس المرأة ومنها كلمة "عانس".
أختي الحبيبة من قدَّر الله عليها أن تأخر زواجها فأهمس في أذنيها بكلمات، وأسأل الله تعالى لها القبول فأقول: هوني عليكِ، فكم من الناس من يظن السعادة فيما فيه شقاء له!! نعم، فليس كل زواج سيكون سعيداً، فقد يكون قضاء الله تعالى بتأخر زواجكِ صارف لمُصاب أعظم، بأن يكون زوجا سيئا، أو ابنا عاقا، أو مرضا مقعدا، أو فقد عزيز، أو غيرها.. والزواج ليس عصا سحرية ستتحول حياتكِ بعده للأفضل دائماً، فدعي الحياة تسير كما خلقها الرحمن - عز وجل - ثقي به وبقدره فما خلقنا - سبحانه - ليشقينا [وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ] هود:6 فسلي المنان ما في الغيب من خير وقفي بباب الكريم الذي إن أعطى أجزل، ارفعي رأسكِ، كوني عزيزة فقد أعزكِ الله بالإسلام، اسعدي وأسعِدي من حولكِ، انظري للمستقبل المشرق بعين التفاؤل واليقين، لا يؤثر عليكِ قول بعض من حولك فتقبلين بالرجل غير الكفؤ للخروج من نفق وصفكِ بالعانس لتقعي في مصيبة أعظم، لا تلتفتي لما يقال ف- " إنما أنتِ نسيج نفسكِ" وبيدكِ أنتِ (فقط) العيش بسعادة وهناء، أو جعل حياتكِ هموم وشقاء، غيري من رتابة يومكِ، افتحي نوافذ الأمل وانزعي عن عينيكِ ذلك الغشاء القاتم، وسِّعي مدارككِ، اشغلي وقتكِ بما يسعدكِ ويعود عليكِ بالنفع ثم على مجتمعكِ، فأنتِ تملكين الكثير و الكثير من مقومات النجاح، ومثلكِ يُنتظر منها الكثير، وأملي أن تزول عنكِ أي رواسب نفسية تشكلت بسبب مواقف من حولكِ، وقاكِ الله تعالى من كل سوء، وفتح عليكِ، ورزقكِ من واسع فضله إنه هو الجواد الكريم.
هدى محمد نبيه