أم المؤامرات يقتلها أبو الجيوش لإعادة رسم العشاء الأخير للمسيح السوري
2012/08/14
جهينة نيوز- بقلم نارام سرجون:
لاشك أن أشهر لوحة (للعشاء الأخير) للسيد المسيح هي تلك التي رسمها ليوناردو دافنشي.. وهي التي وضعت إطارا خاصا جدا لذلك العشاء فيها الكثير من الخيال الأوروبي والتجني على حقيقة أن السيد المسيح شرقي وأن أصله "سوري" وليس أوروبيا.. فتلك اللوحة تقدم التصور الغربي لوليمة للسيد المسيح وأصحابه وهم على الكراسي يجلسون إلى طاولة طويلة ولكل واحد طبق.. وعدّل دافنشي كذلك من ملامح يوحنا الحبيب وموضعه ليناسب الذوق الأوروبي بعكس ماورد في الإنجيل.. لكن المشككين بتلك اللوحة يشيرون إلى جهل بالحياة الاجتماعية لسورية القديمة التي عاش فيها المسيح والتي تقر بأن طقوس الولائم الجمعية القديمة هي التحلق على الأرض حول طبق واحد والتشارك في تناوله.. وهي طقوس لاتزال متبعة في معظم الأرياف في بلاد الشام والشرق عموما.. في حين أن لوحة دافنشي.. تصرفت بالمسيح "السوري".. كما تتصرف الجزيرة اليوم بالشعب السوري وترسمه كما تشاء.. تصوره يجلس إلى طاولة الربيع العربي كما لوحة دافنشي الساحرة ويأكل من أطباق الثورات إلى جانب حمد وموزة وأردوغان ومصطفى عبد الجليل وهيلاري كلينتون وسعد الحريري والملك عبد الله ونتنياهو وكاميرون وأولاند والملك اليهودي عبد الله الثاني.. فيما الشعب السوري في الحقيقة متحلق متكاتف يأكل من طبق واحد هو طبق الكبرياء والعناد في الرفض.. وطبق الحفاظ على وحدة سورية ودورها الرائد في الشرق.. طبق الرئيس الأسد الوطني..
دافنشي القطري يغش ويكذب في لوحته.. ولوحة (الربيع الأخير) في سورية كانت مزورة للحقيقة ولغتها منافية للواقع.. ولم ترسم فيها سوى ثلاثة عشر أفاقا يملؤون الكؤوس دهاقا.. يشربون الدم.. ويأكلون لحوم البشر.. على طاولات المؤتمرات واللقاءات.. وفي مجلس استانبول.. لترسمها لنا ريشة الجزيرة..
لذلك لابد لنا اليوم من أن نغير لوحة الربيع الأخير لدافنشي الجزيرة وأن نغير اللغة التي اخترعتها الجزيرة.. لأننا لانختلف أن اللغة التي استعملناها في فترة الربيع العربي صارت لغة قديمة وكلماتها يعلوها الصدأ كما كلمات الأحزاب التقليدية العربية.. فلم يعد من المقبول أن نظل في نفس المحطات نقرأ نفس القصص ونفس عناوين الجرائد ونسمع نفس الأغنيات والألحان.. الكلمات التي كانت جديدة ملمّعة ومغلفة بالشمع الأحمر وعليها أختام الثورات الحرة وتشبه العروس الحرة في ثوبها الأبيض.. صارت قديمة ونتنة.. وطعمها في الفم يشبه مذاق الطعام القديم المتخمر في معدة حمد الضخمة وكرشه العبل.. الذي يتذوقه المنشقون الآن وهم يسبحون فيه..
ليس هناك من شك أن الربيع العربي بدأ يلملم أشياءه في حقائب السفر نحو التاريخ وليس المستقبل.. وأهم بضائع الربيع العربي التي تدخل صرره وحقائبه هي لغته.. اللغة التي باعها لنا كلمات وعبارات طنانة وجملا موسيقية كأي منتج جديد وحكاية أسطورية وفيلم مشوق.. حيث كانت الشعوب تقف بالدور وبازدحام لمصافحة اللغة الجديدة والحصول على بركتها وكتيباتها الثورية وبياناتها الأولى ومفرداتها المقدسة.. مثل الحرية..الديمقراطية..صندوق انتخاب.. والسلمية.. والشعب يريد.. وجمعة الغضب..وجمعة الرحيل.. وارحل.. والمتظاهرون السلميون.. ثورة الكرامة.. الشبيحة.. الانشقاقات.. الربيع.. الخ..
لايستطيع أحد أن يقول بأن مفردات الربيع العربي لاتزال تطرب الناس وتفعل فيهم فعل السحر والشعوذة.. والفضل في قتل هذه اللغة يعود لنا في سورية.. وأستطيع بكل فخر أن أنسب للشعب السوري عملية قتل اللغة التي هاجمت عقلنا وعواطفنا في الشرق.. وأستطيع أن أقول بثقة إنني أرى جثث مفردات ومصطلحات الربيع العربي مبعثرة في شوارعنا وشوارع الشرق مثل جثث المرتزقة في حلب ودمشق الذين جاؤوا يركبون مركبات لغة الحرية والتحرير.. إنني أحس بالسعادة وأنا أرى أن تعابير الجمهور العربي باتت مشككة وجامدة عند سماع بيانات الثورة السورية والجزيرة.. بل وصار الناس يجاهرون بالاعتراض وانتقاد الثورة والتذمر من الربيع بعد أن كشف السوريون عنف الثوار وبهائميتهم وجنونهم وغيبوبتهم عن الحياة العاقلة.. لقد أهان صمود السوريين الربيع العربي كله حتى تجرأ الناس عليه.. وصار الجميع يعرف -وإن لم يقر- أنه ربيع فاجر دموي وأنه مركوب الناتو وإسرائيل.. وأنه في الربيع العربي سقطت الحرية نفسها وأن السلام ذبح على يديه.. وأن وجه العربي فيه بدا كوجه الوحش الغبي..
لايوجد مفردة دخلت مع الربيع وليس فيها الآن طعنة قاتلة من معركة سورية التي طالت.. لقد تسببت معركة سورية بنكبة لمناجم الحرية والمصطلحات الثورية.. فالمعركة الطويلة بينت للناس أن ليس في المنجم إلا كلس ورمل وأن ماكان يباع على أنه نفيس ودرر وماس كان زجاجا وعظاما.. وأن الحقد المريض هو عقل الثورة الجاهل..
إن من أصعب مهام الوجود اختراع اللغات والمصطلحات.. ولكن ماهو أصعب من اختراع اللغات هو قتلها.. فاللغة الجديدة هي ماقد يعرض الثقافات الراسخة لأقسى الهزائم باجتياحها بمفردات جديدة شرسة لاتنتمي إليها.. فأنت تستطيع قتل المرتزقة ولكن كيف تقتل لغتهم ومفرداتهم؟.. نحن من قتل لغة المرتزقة ووقفنا في وجه المفردات والمعاني الجديدة ولوحات دافنشي المزورة وبنينا في وجهها المتاريس.. وصنعنا مايستحق الفخر.. لقد جندلنا لغة النفاق ولغة الكذب ولغة الهرطقة الدينية وأوقفنا تقدمها.. وتمكنا وحدنا من اعتقال اللغة الجديدة لعرب الناتو بعد إذلالها وربطها بالسلاسل..
بالرغم من صعوبة المهمة فإننا تمكنا من إذلال لغة الفتح الجديد المدجج بالفضاء واللحى الطويلة والعمائم وحقوق الإنسان.. وتمكنا من أن نفكك اللغة العاهرة ونخرج مومساتها وأن نظهر أن حروفها مرسومة بأجساد الأفاعي وأنها منقوطة بأجساد العقارب.. بل تمكنا من أن نزرع الألغام تحت دبابات الكلام الثقيل للسياسيين المراوغين وننسفها..
لم يعد هناك مجال للتردد في أن اللغة التي ضخّتها الجزيرة وتنسيقيات الناتو فقدت مفعولها وصارت مملة وتبعث على السأم.. وبيانات آخر الكتائب المتبقية لثوار الناتو السوريين التي تنقرض بالتدريج صارت تثير السقم والضجر.. وليس مبالغة أن هناك انكفاء عنها من قبل الجمهور العربي الذي كان مبهورا بها ومنساقا بانجراف العاطفة كالمنوم مغناطيسيا.. فعامل الزمن المتطاول في الأزمة السورية قد أكل من حواف الكلمات الثورية وقضم من أعناقها وشرب من دمها فقلّ تأثيرها.. ولم تعد مفردات "الحرية والسلمية" نضرة لأنها شاخت في الآذان والمسامع وصارت تقف على أبواب الآذان الموصدة كما كل ضيف ثقيل كذاب لايؤمن جانبه.. أصيبت اللغة الثورية بالعنانة المحرجة كما هي حال شيخ الناتو القرضاوي.. ولم تعد قادرة على ادعاء الفحولة.. فالجمهور العربي الذي تحلق حول الثورات العربية مبهورا بدأ يتبدد ويذهب البعض لشأنه.. ولذلك نجد أن لغة الثورجيين السوريين تعتقد أن رفع وتيرة الصوت والتهويل هذه الأيام من إمكانات مايسمى الجيش الحر كما في تمثيلية تهريب رياض حجاب الهوليوودية سيجذب المزيد من الجماهيرية.. لكن الحقيقة هي أن الجمهور بدأ يظهر نوعا من البرود واللامبالاة تجاه المبالغات والبطولات.. التي يليها دوما... انسحااااب... تكتـيكي..
وهناك حقيقة لايجب تجاهلها وهي أن التماسك السوري المديد غير المتوقع (غربيا) جعل كمّ الدموع والمشاعر العربية التي تروي اللغة الجديدة ينضب بعد أن حلبته الجزيرة طوال عامين تقريبا وعصرته حتى آخر قطرة وكانت سخية في إظهار الدم والذبائح وفبركات الأطفال المعذبين في أقبية المخابرات حتى اعتادها كما اعتاد هذا الجمهور خبر مصرع مئة عراقي يوميا بتفجيرات واعتاد نبأ غارات إسرائيلية على غزة تقتل عددا من لجان المقاومة الشعبية.. ونبأ بناء مئات الوحدات الاستيطانية في القدس..
ولذلك ليست مفردات الربيع العربي هي وحدها في حقائب السفر للرحيل والترحيل.. بل العقائد العسكرية القديمة.. والمسلّمات السياسية العتيقة.. والتحالفات المزمنة.. وفي الحقائب أكاذيب ومسرحيات أردوغان وأوغلو وأساطيل الحرية.. وشرعية الملك عبدالله الثاني.. والملك العتيق في بلاد الحجاز.. وأمارة وأمير وأميرة.. والمفكر العربي (الصهيوني) عزمي بشاغة..
وفي حقائب السفر جرائد عربية وإعلام.. ومنشقون.. ومثقفون وكتاب كثر صدأت أقلامهم.. وأقلام متسولة على أعتاب الأمراء.. ومحللون سياسيون وعسكريون صارت كلماتهم شاحبة نحيلة منهكة من كثرة الركض والهرولة يوميا وبنفس الروتين والرحلة لقبض الرواتب والمال.. فكم هي الآن مثلا شاحبة عبارة (رحيل الأسد) لكثرة ماركضت منذ قرابة سنتين على ألسن الصحفيين وجماعة الربيع السوري.. وكم هي منهكة عبارة (تفكك سورية) التي تقف على السطر وهي تلهث وتثبتها الجزيرة والعربية بالمسامير والسلاسل كيلا تهوي.. وكم عبارة (الحرب الأهلية السورية) مصابة بالصرع والغيبوبة.. وعبارة (نقل السلطة) صارت عبارة بلا ذاكرة وبلاعذرية بعد أن خلعت ثيابها في الطريق وضاجعها كل الكون على منصات كل المؤتمرات.. وكم هي مصابة بنقص التغذية الشديد عبارة (مرحلة مابعد الأسد)..
أما أكثر الكلمات التي تحتضر على نقالة الصحافة فهي عبارة (تدخل تركيا والناتو) التي تكتب وصيتها رغم العلاج الكثيف وآخر جرعاتها مؤتمر كلينتون وأوغلو.. فيما عبارة (تغير الموقف الروسي) توفيت منذ زمن وأصحابها يصرون على عدم دفنها وتقبل التعازي.. ووحدها عبارات فيصل القاسم هي التي بقيت تتحرك بحيوية لأنها معروفة باختلالها العقلي.. وقد قررت أن تلبس ثياب المهرجين المضحكة وأنوفهم المدورة الحمراء وأصباغ الوجه وباروكة فيصل لإضحاكنا بعد حفلات الملاكمة والمصارعة..
الأهم من كل هذا أن هناك لغة جديدة ظهرت شئنا أم أبينا هي لغة أملاها علينا وعلى كل المراقبين أداء مقاتلي الجيش العربي السوري... إنها لغة الأقوياء والعمالقة.. مثل مصطلح "سحق" المجموعات المسلحة.."تطهير".. "اقتلاع".."اجتثاث".."إبادة".. ملاحقة "الفلول".. المجموعات التكفيرية.. الإرهابيون.. الفارون..المجرمون.. استسلام القتلة والمرتزقة.. ويبقى "الانسحاب التكتيكي" تعبيرا فرضه الجيش السوري على المعارضة.. الانسحاب التكتيكي الذي صار نتيجة حتمية تتلو كل تحرك للجيش السوري الوطني نحو ثورجيي الناتو.. أننا أمام ولادة لغة جديدة بعد دمار لغة الربيع.. وأننا أمام هدير قادم لثقافة جديدة هي ثقافة المواجهة الشاملة وإسقاط الأفكار التي يملأ السم بطنها و"يرجرج" كقربة الماء..
ولكن ليست وحدها اللغة التي يعيد الجيش السوري تصنيعها وتعشيق مفرداتها بالذهب الأصيل ورصها بالرصاص.. بل أيضا منطق المعركة القادمة لامحالة ومنطق الصراع العسكري.. فالصراع مع إسرائيل لن يكون كما كان على الإطلاق فما صار يطرحه المفكرون الصهاينة هو أن يتبدل المزاج العام في الشرق وهو يرى أن الجيش السوري يقدم عرضا يأخذ الألباب في التصدي لأكبر تجمع ميليشيا دولية في التاريخ مدعومة بالفضاء والأقمار الصناعية.. تجمعت في محاولة لإسقاط شعب عبر مايجب أن يسمى بجدارة (أم المؤامرات).. الجيش العربي السوري كان مفاجأة مفاجآت الربيع العربي بلاشك.. وتماسك الجيش وإمساكه بالبلاد سيوضع تحت المجهر في كل العالم لمعرفة طبيعة بنائه وعقائديته.. فالمحللون الغربيون يشيرون إلى أن ضعف سيطرة الجيش العراقي على مفاصله في أثناء الاجتياح الأمريكي للعراق كان حاسما في صنع الهزيمة بالرغم من ولاء نخبة الجيش العراقي للرئيس العراقي.. كما أن الجيش التونسي والمصري وحتى اليمني قد تحرك ضد نظام الحكم بسرعة بالرغم من أن بناء هذه الجيوش كان قائما على أساس الولاء للرئيس..وتبين فيما بعد أن هذه الجيوش تمارس السياسة وليس العسكرية الصرفة وأن للغرب فيها رصيدا.. ولكن الجيش السوري تصرف بعكس ماهو متوقع.. إذ تصرف بعقلية الجيش الوطني الصرف الذي يساند شعبه فقط ويمارس العسكرية النقية على أصولها المشبعة بالوطنية.. أي يساند الرئيس من أجل وطنه وشعبه فقط... انه الجيش الأب.. وأبو الجيوش..
إن قدرة القيادة السورية على إبقاء الجيش على هذا الولاء والإمساك ببوصلة شديدة الدقة تحفز البحث والدراسة.. ولكن النتيجة المثيرة لقلق الإسرائيليين هي أن عدم انهيار الجيش السوري وانحلاله قد يكون نذير شؤم غير مرغوب البتة ونتائجه عكسية.. بسبب أن تلك الخبرة القتالية في المناورة والتحرك الرشيق والسريع بين المدن والمناطق المبعثرة ربما تضيف إلى خبرة الجيش السوري القتالية خبرة عملية وميدانية لاتقدر بثمن.. فهؤلاء الرجال قد امتلأت خياشيمهم برائحة البارود وألفت آذانهم صوت الرصاص والانفجارات.. واعتادوا على العيش في عرباتهم ومدرعاتهم فترات طويلة.. وبدل ما يعتقد أنه إنهاك للجيش فإن هذه الأزمة صنعت من الجيش السوري جيشا في منتهى الجاهزية القتالية وأكسبته مهارات ستجعله في أي معركة مقبلة مع إسرائيل أكثر فتكا وأمهر في تقنيات الاتصالات المركبة وتكتيكات المناورات.. لأن الشعوب الحية القوية هي التي تجد حتى في الأزمات فوائد أخرى..
المحللون والخبراء العسكريون الإسرائيليون يقرؤون المعارك في سورية من وجهة نظر مختلفة عنا وقراءتهم لها علاقة بآخر مواجهة سورية إسرائيلية في لبنان عبر حزب الله الذي كان يقاتل بالطريقة السورية المعتمدة وبالسلاح السوري.. واليوم حدث انقلاب في المعادلة فالإسرائيليون يقاتلون في سورية عبر واجهة الجيش الحر والمسلح بسلاح عالي التقنية وبعضه إسرائيلي.. بغية الوصول إلى قلب نتيجة حرب ومعادلة 2006.. فما يسمى (الجيش الحر) يقوم بمناورة إسرائيلية بالذخيرة الحية لتطبيق دروس المناورات الإسرائيلية بعد حرب تموز 2006 والتي ارتأى الإسرائيليون تطبيقها في أي حرب قادمة مع محور (المقاومة)..
لكن المفاجأة هي أن الجيش العربي السوري لايقاتل المتمردين بنفس طريقة قتال الجيوش النظامية لمجموعات مقاتلة متمترسة في المدن كما كان حال الجيش الإسرائيلي الذي لم يكن يقاتل وفق صيغة رجل لرجل.. بل بصيغة دبابة لرجل وطائرة لرجل.. لأن الجيش السوري أيضا يقاتل مستفيدا من نجاح مشروعه في عام 2006 عبر حزب الله ويقاتل طلائع الجيش الإسرائيلي (مقاتلي الجيش الحر وميليشيا تركية دينية) بتقنيات حزب الله التي تم تعميمها على كل فرق الجيش السوري.. أي عقيدة رجل لرجل وبندقية لبندقية.. ومناورات الالتحام المباشر والالتصاق بالخصم.. والنتيجة هي نجاح التطبيقات العسكرية لدروس عام 2006 التي اعتمدتها العسكرية السورية بشكل مذهل في معارك الالتحام المباشر التي تثير شديد القلق في إسرائيل.. فهناك التحامان جديدان في العلوم العسكرية التي يتبعها العسكريون السوريون ولايعرف الجيش الإسرائيلي طريقة التعامل معهما حتى الآن وهما الالتحام البعيد بالصواريخ.. والالتحام المباشر بكتل كاملة وضخمة من الوحدات الخاصة والكوماندوز..
لذلك.. ومن جديد.. فإن لوحة العشاء الأخير للربيع العربي يرسمها الشعب السوري بفرشاة (المقاتل السوري).. وهناك من يصف معركة حلب (بالعشاء الأخير) لأن الأحداث بعدها لن تكون كالأحداث قبلها للطرفين.. الطرفان على مائدة العشاء الأخير.. ولكنه عشاء فريد من نوعه..المسيح (وهو الشعب السوري) وحده وحوله اثنا عشر يهوذا.. ولكن المسيح السوري لن يكون ضحية ولاقربانا هذه المرة.. لأنه يقلب الطاولة التي رأسها في دمشق وذيلها في حلب.. ومن يقتل لغة الربيع العربي الشيطانية الخبيثة هو من يقلب مصير الربيع وقدره.. وطاولات عشائه..
وبمناسبة ذكر العشاء الأخير والسيد المسيح.. هناك نظرية تقول إنه طالما أن السيد المسيح تحدث بالسريانية الآرامية (لغة السوريين القدماء) وليس بالعبرية.. فإن هذه الحقيقة تطلق تساؤلات حقيقية عن أصول السيد المسيح وجذوره.. وهي تجزم أنه من عائلة سورية هاجرت إلى جنوب البلاد (فلسطين) كما كل الهجرات في العالم حيث الرزق والعمل.. وكان الرزق والعمل في مملكة اليهود الثرية آنذاك سبباً في هجرة كثير من العائلات السورية إليها.. المهاجرون كانوا كما عالم اليوم لايرحب بهم لأنهم غرباء مالم ينضووا في ثقافة المجتمع الجديد (كما نيل الجنسية الأوروبية هذه الأيام للحصول على فرص الإقامة والعمل) ولذلك فقد انضوت هذه العائلة السورية تحت مظلة المجتمع اليهودي "الثري" والثقافة التوراتية والدين العبري لتعتنقه لتعمل وتعيش وتنتمي إلى مجتمع جديد.. ولكن ذلك السوري الثائر "عيسى بن مريم" المولود لإحدى العائلات السورية المهاجرة قد اشتعلت فيه روح المقاتل الخيّر والنبيل المتأصلة في جيناته فتمرد على عقلية رجال المعبد اليهودية المتعالية الشريرة والتي ربما رفضته وعاقبته بقسوة لأنها اعتبرته دخيلا وليس أصيلا.. وكان أن أطلق المسيح تلك الثورة الإنسانية الكبرى لتغيير اللغة الشريرة والشر والتي لاتزال مشتعلة حتى اليوم.. واسمها (المسيحية)..
قد تكون تلك الفرضية صحيحة ولكن حتى لو لم تكن صحيحة فلاعجب اليوم أن جذور المسيح الأولى الضاربة في الأرض السورية تعيد إطلاق التمرد على أبناء يهوذا ودولة العبرانيين ومرتزقتهم.. الجذور تورق فرعا في السماء.. من روح المسيح.. ومن ثورته.. أوراق هذه الشجرة الناهضة في الشرق وفي سورية هي ماتخشاه دولة إسرائيل العبرية وعربانها التوراتيون.. وعبرانيو الربيع العربي.. ولذلك فقد حط كل هذا الجراد التكفيري التوراتي الهوى والشره للموت على الغصن السامق المورق ليقضمه.. لكن روح المسيح تقاتل من جديد.. تقاتل الجراد.. وتجار المعبد.. ومرتزقتهم.. وما أكثرهم!!.