قال- رحمه الله-: في الفوائد المتحصلة من هذه الآية: (ومنها: أن الله يدفــع عن المؤمنين بأسباب كثيرة وقد يعلمون بعضها وقد لا يعلمون شيئًا منها، وربما دفع عنهم بسبب قبيلتهم، وأهل وطنهم الكفار، كما دفع الله عن شعيب، رجم قومه، بسبب رهطه، وأن هذه الروابط، التي يحصل بها الدفع عن الإسلام والمسلمين، لا بأسَ بالسعي فيها، بل ربما تعين ذلك؛ لأنَّ الإصلاح مطلوب، حسب القدرة والإمكان.
فعلى هذا، لو سعى المسلمون الذين تحت ولاية الكفار، وعملوا على جعل الولاية جمهورية، يتمكن فيها الأفراد والشعوب، من حقوقهم الدينية والدنيوية لكان أولى، من استسلامهم لدولة تقضي على حقوقهم، الدينية والدنيوية، وتحرص على إبادتها، وجعلهم عَمَلَةً وخَدَمًا لهم.
نعم إن أمكن أن تكون الدولة للمسلمين، وهم الحكام، فهو المتعين، ولكن لعدم إمكان هذه المرتبة، فالمرتبة التي فيها دفع ووقاية للدين والدنيا مقدمة، والله أعلم".
وأنت ترى هنا أنَّ مدار هذه الفتوى، وهذا الاستنباط من الآية الكريمة على القاعدة الفقهية (ارتكاب أخف الضررين) فلئن يسعى المسلمون ليكون لهم شركة في الحكم مع الكفار يصونون بذلك أعراضهم وأموالهم ويحمون دينهم، خيرًا ولا شكَّ مما أن يعيشوا تحت وطأة الكفار بلا حقوقٍ تصون شيئًا من دينهم وأموالهم…
وهذا النظر والفهم هو ما ارتضاه وأفتى به شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- ولا شكَّ أنَّ هذا هو الفهم والفقه الذي لا يجوز خلافه فالمسلم إذا خير بين مفسدتين عليه أن يختار أدناهما.. إلى أن يأذن الله سبحانه وتعالى برفع المفسدة كلها ويكون للمسلمين حكمهم الخالص الذي لا يُشركهم فيه غيرهم، ولا يخالطهم فيه سواه.
رأي سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز- رحمه الله
الشيخابن باز
وهـذا الذي أثبتناه من قول الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي- رحمه الله- هو نفسـه ما أفتى به سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز، وذلك في مواطن كثيرة والإخوة يبلغـون حدِّ التواتر، ومن معنى قوله إنه يشرع الدخول إلى المجالس الانتخابية من أجل إحقاقِ الحق، والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وقد قيد كثير من الإخوة السائلين فتوى والدنا وشيخنا عبد العزيز بن باز على ذلك النحو الذي أثبتناه.
وقد نقلت كذلك فتوى مطبوعة لشيخنا عبد العزيز بن باز- حفظه الله- في مجلة لواء الإسلام العدد الثالث ذو القعدة سنة 1409هـ، يونيو سنة 1989م، ونقلها عن المجلة الشيخ مناع القطان في كتاب (معوقات تطبيق الشريعة الإسلامية)، وقد جاءت جوابًا لسائل يسأل عن شرعية الترشيح لمجلس الشعب، وحكم الإسلام في استخراج بطاقة انتخابات بنية انتخاب الدعاة والإخوة المتدينين لدخول المجلس فأجاب سماحة شيخنا قائلاً: "إن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"؛ لذا فلا حرجَ في الالتحاقِ بمجلسِ الشعبِ إذا كان المقصود من ذلك تأييد الحق، وعدم الموافقة على الباطل، لما في ذلك من نصر الحق، والانضمام إلى الدُعاة إلى الله.
كما أنه لا حَرَجَ كذلك في استخراج البطاقة التي يُستعان بها على انتخابِ الدُعاة الصالحين، وتأييد الحق وأهله، والله الموفق".
وأنت ترى هنا أنَّ سماحة الشيخ- حفظه الله- اعتمد في فتواه على أمور:
أولاً: أن هذه نية صالحة في تأييد الحق وعدم الموافقة على الباطل.
ثانيًا: أنه في الدخول إلى مجلس الشعب نصرًا للحق، وانضمامًا إلى الدعاة وتأييدًا لهم.
فإذا أضفت هـذا المعنى إلى ما سبق من قول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي اتضحت لك الصورة أكبر وأن الدخول إلى هذه المجالس تقليل للشر، وتأييد للحق.