المدخل لدراسة حقوق الانسان - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

المدخل لدراسة حقوق الانسان

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2008-11-06, 18:48   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
المثابر120
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية المثابر120
 

 

 
إحصائية العضو










B18

عند هذا الحد يشير أحد الكتاب إلى أنه لا يعرف تشريعاً قديماً أو حديثاً يتضمن مثل هذا المفهوم المتقدم الذي يستهدف تحقيق نوع من التضامن الاجتماعي القائم على تحمل السلطة العامة المسؤولية في حماية المواطنين وأموالهم، ويعرف هذا المفهوم في العصر الحديث بنظرية الضرر الاجتماعي ولم يتم تطبيقها حتى الوقت الحاضر إلا في حدود ضيقة اقتصرت على التأمين الصحي والعجز. وهنا يقيِّم ول ديورنت في كتابه قصة الحضارة الإنجاز المتقدم إذ يقول (هل ثمة في هذه الأيام مدينة بلغ صلاح الحكم فيها درجة تجرؤ معها على أن تعرض من تقع عليه جريمة بسبب إهمالها مثل هذا التعويض، وهل ارتقت الشرائع حقاً كما كانت عليه أيام حمورابي أو أن كل الذي حدث لها أنها تعددت وتضخمت)(23).

أما القضاء وهو الضمانة الثالثة من ضمانات تطبيق القانون في بلاد الرافدين فضلاً عما أشرنا إليه فيما تقدم من أمثلة تؤكد على دور القضاء في تحقيق العدالة فان القضية التي نظر فيها في مدينة نفر تظهر وجود نوع من المحاماة في العراق القديم وأن لم يكن يوجد قانون ينظم هذه المهنة في ذلك الوقت إذ عرفت بابل طبقة من الحكماء كانت تقوم بالدفاع عن الغير والمطالبة بحقوقهم ويطلق عليهم وكلاء الغير وكانوا يتمتعون بمنزلة اجتماعية رفيعة وكان الملك يختار القضاة منهم وكان لحمورابي دور مهم في نقل القضاء كمهنة سامية من إطار المعبد حيث كان يقوم به الكهنة إلى قضاة مدنيين وان كانت هذه الخطوة قد سبقت حمورابي في العراق القديم وكان القضاء يحاول التخفيف من شدة القانون الصارم(24).

المطلب الثاني
حقوق الإنسان في الحضارتين اليونانية والرومانية
في إطار الوضع العام لحقوق الإنسان في الحضارات الأوربية القديمة فإن التعرض للموقف من هذه المسألة على المستوى النظري والتشريعي من خلال المدارس الفلسفية التي ظهرت في تلك البلاد والقوانين التي شرعت من الحكام والمشرعين هو أمر يمكن أن يوضح لنا الموقف من حقوق الإنسان ويبرز الصورة من هذه المسألة فإذا كان اليونانيون قد نجحوا في ميدان الفكر فإن الرومان قد أسسوا إمبراطورية مترامية الأطراف، فكيف كان يعيش الإنسان في تلك الفترة ؟ وما هو التنظيم القانوني الذي خضع له في تلك المجتمعات؟
الفرع الأول – حقوق الإنسان في الحضارة اليونانية
في إطار الحضارة اليونانية فان البحث او التعرض لمسألة حقوق الإنسان وأصولها الأولى يمكن ان تتم عبر منفذين: الأول يخص التشريعات اليونانية القديمة، والثاني يرتبط بالمدارس الفلسفية اليونانية التي أكدت على بعض الأسس أو المبادئ الرئيسية التي تعكس رؤية محددة لموضوعات لها علاقة بفكرة حقوق الإنسان إلى حدٍ ما فبموجب قانون صولون الذي صدر عام 594 ق.م منح الشعب حق المشاركة في السلطة التشريعية عن طريق مجالس الشعب، كما جعل القانون للشعب حقاً في المساهمة بانتخاب قضاته، وقد حرر صولون المدينين من ديونهم وأطلق سراح المسترقين منهم ومنع استرقاق المدين والتنفيذ على جسمه كوسيلة لإكراهه على الوفاء بالدين وقضى على نفوذ أرباب الأسر عن طريق تفتيت الملكيات الكبيرة(25).
والحقيقة أن المواطن الأثيني كان دائم الاهتمام بالشؤون العامة والمشاركة فيها دون قيد أو شرط اذ استطاعت أثينا أن تتغلب على قضية حق الفرد الواحد في الحكم والسياسة العامة والاقتصاد ونظرت إلى قضية حق المواطن في الحرية والحياة بشكل متطور عن الحضارات السابقة، فقد كان الإنسان محور الحياة وهذه هي الفترة التي امتدت بين صولون وبركليس(26) إلا ان المسالة بدأت تتغير بعد بركليس، فهذا الحاكم الذي حكم أثينا اعتباراً من عام 444 ق.م إلى عام 429 ق.م تمتع المواطنون أثناء حكمه بحق المساواة في حرية الكلام والمساواة أمام القانون كما أخذت الديمقراطية الإغريقية شكل الديمقراطية المباشرة التي تقوم على أساس فكرة مزاولة المواطنين للسلطة بأنفسهم دون أن يوكلوها إلى من يمثلهم(27)، وهكذا يعتبر بركليس خير من دافع عن النظام الديمقراطي في أثينا حيث أكتسب مكاناً بارزاً بين قادة الفكر الديمقراطي بسبب إصلاحاته ونجاحه في إدارة شؤون دولة المدينة وتخطيط سياستها العامة، فالديمقراطية كما طبقتها أثينا كانت تقوم في نظر بركليس على الأسس الآتية:
1. المساواة أمام القانون، وهي مساواة مدنية وسياسية، فالكل يخضع للقانون والديمقراطية هي نظام الشرعية ونظام المساواة.
2. حرية الرأي، فالكل يقول رأيه بحرية فيما يخص المصالح العامة، ولا يوجد في النظام الديمقراطي وجهة نظر رسمية، إذ أن كل مواطن في دولة المدينة يستطيع إبداء رأيه ورأي الأغلبية هو الذي تلتزم به الدولة.
أما أخلاقيات الديمقراطية كما يؤكد عليها بركليس فإنها تتلخص في الأخوة بين المواطنين والتسامح وتقديم المساعدة إلى الضعفاء والفقراء.
وكان سكان دولة المدينة الإغريقية ينقسمون إلى ثلاث طبقات تختلف كل واحدة منها عن الأخرى من الناحيتين السياسية والقانونية، إذ كان هناك طبقة المواطنين الذين لهم حق المشاركة في الحياة السياسية للمدينة وفي الشؤون والوظائف العامة، أما الطبقة الثانية فهي طبقة الأجانب المقيمين في المدينة، وهي محرومة من المساهمة في الحياة السياسية برغم كون أعضائها أحرارا، أما طبقة الأرقاء فتأتي في أدنى السلم الاجتماعي، فقد بقي الاسترقاق مشروعاً عند الإغريق وربما كان ثلث سكان أثينا من طبقة الأرقاء، وهذه الطبقة لا تدخل في حساب المدينة الإغريقية مطلقاً وكان الرقيق ملكاً لسيده وشيئاً من أشيائه، ولقد دعا ارسطو صراحة إلى أن يخصص المواطنون أنفسهم للشؤون السياسية تاركين كل الأعمال اليدوية للأرقاء، أما افلاطون فلا يقول شيئاً عن نظام الرق حيث يتحدث عن نظريته في الملكية الفردية ولكن يبدو أنه لم يقصد إلغاء نظام عالمي في ذلك الوقت هو نظام الرق دون أن يذكر ذلك صراحة.
عليه يمكن القول أن مسألة حقوق الإنسان لم تبلغ شأواً كبيراً عند الإغريق وهذا أمر يرجع إلى عوامل اجتماعية واقتصادية اشتركت فيها الحضارات القديمة عموماً ولكن بعض الفلاسفة الإغريق انتقد مع ذلك التقاليد القائمة والقوانين النافذة في المجتمع والتي تقصي العبيد والأجانب فقد اثر عن بعض هؤلاء قوله (اننا جميعاً متساوون في الميلاد وفي كل شيء إننا جميعاً نستنشق الهواء من الفم والأنف)، ولقد جاء في بعض النصوص على لسان أحد الأرقاء (أنني يا سيدي وان أك رقيقاً، اعد أنسانا مثلك، ولقد خلقنا من لحم واحد، فليس هناك من هم أرقاء بالفطرة).
وقد أنكر يوريبيدس صحة الفوارق الاجتماعية القائمة على أساس المولد حتى بالنسبة للرقيق إذ قال (ان هناك أمراً واحداً يجلب العار على الأرقاء وهو الاسم ولا يفضلهم الأحرار فيما عدا ذلك الشيء، فكل منهم يحمل روحاً سليمة).
أما السفسطائيون فقد أنكروا بدورهم أن الرق ونباله المولد أمران طبيعيان وقد نسب إلى واحد منهم قوله ان الله خلق جميع الناس أحرارا ولم يجعل أي واحد منهم عبداً، بل وقد أنكر السفسطائي أنطيفون في القرن الخامس قبل الميلاد وجود أي فارق طبيعي بين الإغريق والبرابرة(28).
وكان للسفسطائيون وجهة نظر من فكرة العدالة تربط بين العدالة وبين مصلحة الأقوى، وهذا معناه أن السفسطائيون لهم موقف من فكرة العدالة ذات الطابع الثوري فهم يشيرون إلى الصلة بين العدالة القائمة في كل دولة وبين ما تقدره الطبقة الحاكمة من مصالح اقتصادية واجتماعية تملي على المشرع تشريعه، فان الأقوى هو الدولة وحيث أن الدول متنوعة فان معنى العدالة بعيد عن الثبات بل هو في الدولة الديمقراطية ديمقراطي وفي الدولة المستبدة يحمي القانون مصالح الطبقة المستبدة.
أما افلاطون 427-347 ق.م فقد قبل مذهب المحافظين من هذه الفكرة القائم على فكرة الثبات في العدالة فهو يعتقد أن من أعظم أسباب كمال الدولة هو تلك الفضيلة التي تجعل كلا من الأطفال والنساء والعبيد والأحرار والصناع والحاكمين والمحكومين يؤدي عمله دون أن يتدخل في عمل غيره ومن ثم فان أحداً لا ينبغي ان يتعدى على ما يمتلكه الغير أو يحرم مما يمتلكه هو…. إن العدالة إنما هي ان يمتلك المرء ما ينتمي إليه فعلاً، ويؤدي وظيفته الخاصة به .. ان التعدي على وظائف الغير والخلط بين الطبقات الثلاث يجر على الدولة في نظر افلاطون أوخم العواقب بحيث ان المرء لا يعد الصواب اذ عد ذلك جريمة.
وهذا الموقف الافلاطوني من العدالة التي وضع لها حدوداً طبقية واضحة لا يسمح بتخطيها فتعرض بذلك لنقد القائلين بحرية العمل(29).
أما ارسطو فالحقيقة أن موقفه يستدعي الكثير من التأمل من مسألة الرق على وجه الخصوص فهو يتساءل فيما إذا كانت الطبيعة تعد اناساً أرقاء فيصبح الرق بالنسبة إليهم إجراءً مشروعاً ومناسباً وهو يجيب بالإيجاب فلا مناص طبقاً لرأيه من وجود فئة حاكمة وأخرى محكومة، فالأعلى منزلة يجب أن يحكم الأوطأ منزلة منه، والطبيعة، عادة تهب بدناً قوياً للرقيق بينما تودع في جسد الحر عقلاً أرجح وفكراً أنضج، ومن ثم يصبح الإنسان الحر مهيئاً لان يحكم تأسيساً على قاعدة الفكر يحكم البدن، ويقف ارسطو ضد مبدأ المساواة في الحقوق الطبيعية فهو يعتقد أن الطبيعة قد ميزت البعض بالعقل ووهبت آخرين القدرة على استعمال أعضاء البدن فالطبيعة تجعل أجسام الأفراد الأحرار مختلفة عن أجسام العبيد فتمد العبيد بالقوة اللازمة للقيام بالأعمال الشاقة بينما خلقت أجسام الأحرار بطبيعتها غير صالحة لأن تحني قوامها المستقيم للقيام بمثل تلك الأعمال الشاقة إذ أن الطبيعة تعد الأحرار لوظائف الحياة المدنية فحسب.
وتبدو صرامة موقف هذا الفيلسوف من فكرة الرق جلية وواضحة إذ يؤكد ان السبب الوحيد لانتفاع السيد بخدمات من يسترقهم هو معاونته على مباشرة الفضائل البشرية لا تنمية ثروته أو زيادة قوته، فان عجز السيد عن إدراك الفضل انتفى النفع الأصيل الذي يجنيه الرقيق من عبوديته، ألا وهو توجيه حياته توجيهاً مثمراً بفضل خضوعه لمن هو أفضل منه، وهنا تنفصم العلاقة بين التابع والمتبوع وقد واجه ارسطو نتيجة هذه النظرة نقداً شديداً خاصة وهو صاحب الفكرة التي تؤكد ان (من الأرقاء من هم أهل للحرية وان من الأحرار من يستحق الرق) والحقيقة أنه في أواخر حياته قد وضع بعض الشروط التي تكفل إدخال بعض الإصلاحات على حالة الرقيق فقد نادى بضرورة معاملة الرقيق معاملة حسنة، وبان يمد له الأمل في منح الحرية يوماً كما نصح بعتق الأرقاء وقرر في وصيته عتق عبيده(30).
أما المدرسة الرواقية وهي إحدى المدارس الفلسفية التي أسسها الفيلسوف زينو الفينيقي أواخر القرن الرابع وأوائل القرن الثالث قبل الميلاد فقد كان لها موقف كذلك من بعض الأفكار العامة المرتبطة بحقوق الإنسان وإذا كان من الصعب اعتبار المدرسة الرواقية مدرسة إغريقية خالصة إذ أنها في حقيقة الأمر قد عكست التفاعل بين الشرق والغرب الذي ظهر نتيجة فتوحات الاسكندر المقدوني فجميع مفكري هذه المدرسة كانوا من خارج بلاد الإغريق، فالرواقيون الأوائل سوريون في غالبيتهم، والرواقيون المتأخرون من الرومان، وهذه المدرسة أكدت على مبدأ الأخوة الإنسانية، فالأفراد كمخلوقات عاقلة هم أساسا متشابهون أو متماثلون ويخضعون جميعهم إلى القانون الطبيعي ولهم حقوق متساوية كما آمن الرواقيون بمبدأ المساواة في رفع المستوى الأخلاقي وهم بذلك لا يتفقون مع افلاطون وارسطو بشأن وجود تباين بين الأفراد بسبب الجنس أو المواطنة فالعبد طبقاً لأفكارهم إنسان ولا يوجد عبد بالطبيعة، بل انه إنسان يجب معاملته من منطلق أنه عامل مستأجر مدى الحياة، ومع ذلك فان الانتقاد الذي يوجه إلى المدرسة الرواقية أنها قسمت البشر إلى عقلاء وحمقى وهذه التفرقة لا تقل قسوة وشدة عن تقسيم الإغريق العالم إلى إغريق وبرابرة فليس هناك ما يمنع من تعميم أي الصفتين- العقل والحمق على شعب دون آخر بأسره(31).
أولاً: تقييم مفهوم الحقوق والحريات العامة في أثينا
لا يمكن إنكار أن الديمقراطية المباشرة قد وجدت لها أرضاً خصبةً في أثينا، فقد تم الأخذ بمبدأ السيادة الشعبية إلا أن فكرة الشعب لم تكن تعني جميع المواطنين المكونين لشعب المدينة لكن المقصود بفكرة الشعب هو مجموع المواطنين الذكور، وبذلك حرم النساء والعبيد من المشاركة في ممارسة السلطة.
إن أسلوب الديمقراطية المباشرة الذي أخذت به أثينا كان يعني أن الشعب يحوز كل السلطة ويمارسها بنفسه فضلاً عن أن سلطة الشعب كانت مطلقة ولم تتمتع الحقوق والحريات بأية ضمانات في مواجهة هذه السلطة. والحقيقة أن مفهوم الحرية كان مختلفاً عن مفهومها في الديمقراطيات المعاصرة إذ أن الحرية عند قدماء الإغريق لم تكن تعني حرية الفرد، وإنما هي حرية المواطن باعتباره عضواً في المجتمع التي تسمح له أن يساهم في الشؤون العامة للمدينة دون أن يكون للأفراد الحريات المدنية الحديثة مثل الحرية الشخصية وحرية التملك وحرية العقيدة، وانطلاقاً من هذا المفهوم الأثيني للحرية كان المواطن في مدينة أثينا يتمتع بمجموعة من الحقوق السياسية المتمثلة بالعضوية في جمعية الشعب، وحق تولي المناصب العامة، فضلاً عن تمتعه بحرية التفكير وحرية إبداء الرأي، وعلى ذلك لم يكن المواطن الأثيني يعرف الحرية الفردية الحقيقية نظراً لتمتع الدولة بسلطات واسعة وشاملة وعدم وجود ضمانات للأفراد في مواجهة دولة المدينة.

والجدير بالذكر أن أثينا لم تأخذ بفكرة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية كما هي معروفة اليوم، على الرغم من أن بركليس قد اعتبر مساعدة الضعفاء والفقراء اقتصادياً من القواعد الأخلاقية التي يجب أن تفخر بها أثينا.
كذلك فقد عرفت أثينا نظام الإبعاد وبموجبه كان يجوز لجمعية الشعب أن تقوم بطرد أي مواطن خارج أثينا إذا ما ثبت أن لهذا المواطن أطماعاً خطيرة، أو كانت له شعبية قد تؤدي إلى الاستبداد، ونظام الإبعاد بهذا الشكل وإن كان يمثل ضمانة ضد الاستبداد، إلا أنه يتضمن في نفس الوقت اعتداءاً على حرية المواطن المبعد، وفي كل الأحوال فإن الحقوق والحريات التي تمتع بها المواطن في مدينة أثينا لم تكن تمثل قيداً على سلطة الدولة إذ أنها كانت عبارة عن حقوق أو حريات في مواجهة المواطنين بعضهم البعض، أما بالنسبة للدولة فكانت تستطيع أن تنكر هذه الحقوق والحريات إذ لم تكن هناك ضمانات مقررة لمصلحة الأفراد في مواجهة الدولة التي كانت تتمتع بسلطات شاملة قِبَلْ المواطنين ولا يحدها إلا قيد واحد هو معاملة المواطنين جميعاً على قدم المساواة، وهذا ما يتم بإعلاء كلمة القانون وخضوع الجميع لأحكامه وبهذه الطريقة كانت تتحقق الحرية والمساواة في أثينا.
الفرع الثاني – حقوق الإنسان في الحضارة الرومانية .
شهدت روما بعض المحاولات المحدودة في سبيل الحرية والمساواة وإذا كان القائمون بهذه المحاولات قد نجحوا في الحصول على جانب من هذه الحقوق فان هذا لا يعني مطلقاً ان الإمبراطورية الرومانية قد شهدت عصراً تمتع فيه الفرد بكامل حقوقه وحرياته تجاه الدولة التي كانت مسيطرة تماماً على الشؤون المختلفة في الحياة، وقد دوّن الرومان العادات والتقاليد والأعراف المرعية في قانون الألواح الاثني عشر 450 ق.م لكي تثبت وتستقر ويتساوى الجميع في معرفتها والخضوع لاحكامها واخذ الرومان ينادون بصورة تدريجية بحرية العقيدة في المسائل الدينية كما أن الفقهاء الرومان قد نظروا إلى الرق نظرة غير مشجعة، ورأى بعضهم أن نظام الرق مضاد للطبيعة، وقد أكد (اولبيان) أنه لا يجوز في القانون الطبيعي ان يولد الناس إلا أحراراً وان العبيد وان عدوا موجودين في نظر القانون الوضعي فانهم ليسوا موجودين في نظر القانون الطبيعي الذي يقرر ان الناس جميعاً متساوون(32).
ان المحاولات المتقدمة وان كانت تمثل خطوة في الإمبراطورية الرومانية باتجاه تنظيم الحياة فان واقع المجتمع والدولة في روما كان يتناقض تماماً مع الأفكار الحقيقية لحقوق الإنسان حتى في مفهومها البدائي فما كان يدور من قتل لحقوق الإنسان في روما واهدار لكرامته يمثل جانباً من مظاهر تلك الدولة وعلامة بارزة تعكس جانباً مهماً من طبيعة المجتمع الروماني. وبهذا المعنى يؤكد لويس ممفورد في كتابه تاريخ المدينة على انه لابد للمرء من ان يمر بأقسى تجربة عندما يمر بروما، إذ عليه (ان يسد انفه من الروائح الكريهة، ويصم آذانه عن صرخات الألم والفزع، ويغلق فكه حتى لا يتقيأ ما في جوفه، وفوق كل شيء يجب ان يحتفظ المرء بعواطف باردة، فيصر في غلظة رومانية حقه كل باعث على اللين والشفقة، وذلك لأن كل أنواع التضخم سوف تنشط أمامه في روما وليس الانحطاط والشر أقلها ضخامة)(33).
من جانب آخر اعتقد المشرعون الرومان ان الطبيعة جاءت بمبادئ محددة يجب أن تعبر عنها القواعد القانونية الوضعية، فالقانون الطبيعي طبقاً لما ذهب إليه هؤلاء، هو المفسر لمبادئ العدالة العامة باعتبارها المبادئ الطبيعية الخالدة التي تحتم احترام الاتفاقات وتنسجم مع قيم العدالة في المعاملات بين الأفراد وحماية القاصرين من الأطفال وحماية النساء والاعتراف بالمطالب التي تقوم على صلات الدم والقرابة، وأدت هذه المبادئ إلى ظهور تنظيم قانوني حطم سلطة الأب المطلقة على ابنائه، ومنحت المرأة المتزوجة مركزاً قانونياً يقترب من حقوق الزوج فيما يتعلق بإدارة الأملاك أو تربية الأطفال(34).
أن من ابرز المفكرين الذين اهتموا بجوانب عامة ترتبط بفكرة حقوق الإنسان وعاشوا في الفترة الرومانية هو شيشرون 106-43 ق.م وسنيكا 4ق.م– 65م فشيشرون اسهم في الحوار حول القانون الطبيعي، وهو يرى انه مرادف للعقل وان العالم هو عالم واحد له قانون واحد صالح لجميع الأمم وفي مختلف الأوقات لانه ذو طبيعة واحدة وان غاية هذا القانون تحقيق العدالة والفضيلة مادام قد أنبثق عن طبيعة إلهية عادلة وفاضلة، وان الأفراد متساوون في ظل هذا القانون جميعاً بالحقوق القانونية وبالمساواة أمام الله وأمام قانونه الأعلى وهو ما تبناه الفكر المسيحي بعد ذلك، وكان هدف شيشرون من كل ذلك إعطاء الأفراد شيئاً من الكرامة التي هي من أهم حقوق الإنسان، فحتى العبيد يجب ان يكون لهم حصة منها لانهم ليسوا مجرد آلات بشرية حية كما يذكر ارسطو يستخدمها السادة لغرض الإنتاج(35).
أما سنيكا فعبر عن الفكر الرواقي في السنوات الأولى من العصر الإمبراطوري وكانت أفكاره تعبر عن صبغة دينية واضحة وكان يعتقد ان الطبيعة هي التي تقدم الأساس الذي يعيش في ظله الأفراد واقر بمبدأ المساواة الإنسانية إذ ان الاختلافات بين السيد والعبد هي مسألة اصطلاح قانوني وان الحظ السيئ وحده الذي يجعل الإنسان عبداً، وعليه فقد رفض سنيكا كما رفض شيشرون والرواقيون الأوائل ادعاء ارسطو ان البشر غير متساوين بالطبيعة.
من جانب آخر فقد ادعى سنيكا أن الاعتماد على الطاغية يعد الخيار الأفضل إلى حدٍ كبير من الاعتماد على الجماهير، إذ ان جمهرة الشعب هي من الشر والفساد بحيث تغدو أكثر قسوة من الحاكم الطاغية(36).
أخيراً يمكن القول بأن الآراء التي نادى بها كل من شيشرون وسنيكا على وجه العموم قد ظلت الأساس الذي قاد إلى ظهور الأفكار الأولى بهذا الخصوص لآباء الكنيسة عبر فكرة المساواة العامة والأفكار الإنسانية والثورة على الدولة عند سنيكا والقول بوجود قوة فعالة تحاول تصحيح مسيرة الحياة وتخليصها من الشر على وجه الأرض(37).

تكملة فصول الكتاب

تابع القادم :

المدخل لدراسة حقوق الإنسان... (1)










 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 22:15

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc