تعريف العقيدة وخصائصها - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم خاص لطلبة العلم لمناقشة المسائل العلمية

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

تعريف العقيدة وخصائصها

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم يوم أمس, 15:36   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عبدالله الأحد
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي تعريف العقيدة وخصائصها

تعريف العقيدة وأهميتها


الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى، اللهم أرنا الحق حقًّا وارزُقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.



نبدأ بإذن الله الحديث عن علمٍ هو أساس العلوم الشرعية، وهو الطريق لمعرفة الله، بل هو أصلٌ كل صلاح في الحياة، ظلَّ النبي صلى الله عليه وسلم ١٣ سنة في مكة قبل الهجرة يبني هذا الأصل في قلوب المسلمين، وإذا تأملنا آيات القرآن الكريم لوجدنا أن أغلبها جاءت لتثبيت هذا الأصل، ومع ذلك يغفل كثير من المسلمين عنه مع أن فيه نجاتهم وفلاحهم وصلاح حالهم.



العلم الذي سندرسه نعرف من خلاله أصول ديننا وقواعده الثابتة، ونتعرف من خلاله على إجابة الأسئلة التي تدور في أذهاننا عن علامات الساعة وأحداثها وغيرها من الأمور التي لابد لكل مسلم أن يكون على علم بها، علم ممتع نتعرف من خلاله على أسماء الله عز وجل وصفاته، فهل هناك أعظم وأمتع وأروع من علم نعرف فيه أسماء الله وصفاته ونعيش معها وننهل من معينها؟!



إنه علمُ العقيدة، وهو علم في غاية الأهمية لكل مسلم، فالإسلام عقيدة وعملٌ، ولا يَصِح عملٌ بلا اعتقادٍ، ولا ينفع عمل بلا عقيدة صحيحة، وقد جاءت غالب آيات القرآن الكريم لتقرير عقيدة التوحيد، والدعوة إلى إخلاص العبادة والدين لله وحده لا شريك له، وتثبيت أصول الاعتقاد (الإيمان والإسلام)، والتحذير من عاقبة الشرك والضلال.



هل قرأتُم قول الله تعالى في سورة الغاشية: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ ﴾ [الغاشية: 2، 3]، عمِلت عملًا كثيرًا، وتعبت فيه واجتهدت ومع ذلك (تصلى نارًا حامية)؟ لماذا؟ لأن عقيدتها لم تكن سليمة؛ لأن عملها لم يكن خالصًا لله وبالطريقة التي أمر الله بها، كما نرى من أحبار اليهود ورهبان النصارى وعبدة البقر والأصنام، حتى المبتدعة الذين يعبدون الله ولكن بغير ما شرع الله.



تخيَّلوا من يتعب ويجتهد ويسهر الليل، ويحرِم نفسه من الملذات في النهار، وهو يظن أنه بذلك سيصل إلى الجنة، ثم يأتي يوم القيامة فيجد أعماله هباءً، لا يُقبل منها شيء، كما شبَّهها القرآن برماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، يقول الله تعالى في سورة الزمر: (﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65]، لماذا ضاع كل هذا وأُحبط العمل؟ لأنه لم يكون على التوحيد؛ لأنه كان على الشرك.



لكن ما معنى العقيدة التي نتحدث عنها وعن أهميتها؟

حتى نعرف معناها نريد أولًا أن نجيب على هذا السؤال:

لو قلت لكم: إن هذه (شوكة للطعام) 🥄 فهل ستقتنعون بذلك؟

بالطبع لا، إذا أنتم مؤمنون ومصدقون وعلى يقين أنها (ملعقة) وليست شوكة، ومهما حاولت أن أقنعكم بغير ذلك، فلن تغيِّروا ما تؤمنون به، حتى لو أجبرتكم بأي وسيلة على قول أنها شوكة، فلو نطقت ألسنتكم بذلك، فستظل قلوبكم مؤمنة بأنها ملعقة، وهذا بالضبط ما نسميه العقيدة، أي الإيمان بشيء معين.



لقد أخذ المشركون عمار بن ياسر فعذَّبوه حتى سب النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر آلهتهم بخير، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم معتذرًا باكيًا نادمًا، فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن قال: "كيف تجد قلبك؟"، قال: مطمئنًّا بالإيمان، فقال: "إن عادوا فعد"، وفي ذلك أنزل الله: ﴿ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ﴾ [النحل: 106].



فالعقيدة: هي الأمور التي يجب أن يُصَدِّقَ بها القلب، وتطمئن إليها النفس؛ حتى تكون يقينًا ثابتًا لا يمازجها ريب، ولا يخالطها شك.



والعقيدة في الدين ما يقصد به الاعتقاد؛ كعقيدة وجود الله وبعث الرسل.



أي: إنها شيء أعتقده بقلبي وأؤمن به وأجزم به، وليست نصوصًا تُحفَظ، ولا أقوالا يجادل بها وإنما هي إيمان ويقين.



وهنا نسأل سؤالًا: عندما يتعلق الأمر بالإيمان والقلوب، هل اعتدت على سماع كلمة توحيد أم عقيدة؟

علم العقيدة وعلم التوحيد مترادفان عند أهل السنة؛ أي: إنهما بنفس المعنى، ولكن غالبًا ما يُستخدم لفظ التوحيد فيما يختص به الرب عز وجل من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات.



وعندما نتكلم عن بقية أركان الإيمان والغيبيَّات نطلق عليها عقيدة، فكل توحيدٍ عقيدة، وليس كل عقيدةٍ توحيدًا.



فالمهم هو أن يكون توحيدك لله أو عقيدتك قوية راسخة، تؤمن بمجموعة من الأمور لا يمكن أبدًا أن يكون عندك أي شك فيها.



فما تلك الأمور التي على كل مسلم أن يؤمن بها؟

العقيدة الإسلامية هي:

الإيمان الجازم بربوبية الله تعالى وألوهيته وأسمائه وصفاته، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وسائر ما ثبت من أمور الغيب، وأصول الدين، وما أجمع عليه السلف الصالح، والتسليم التام لله تعالى في الأمر، والحكم، والطاعة، والاتباع لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

إذًا كل هذا الأمور تدخل في العقيدة.



ولكن من أين أخذنا لفظ العقيدة؟ ولماذا؟ ألا تذكركم كلمة العقيدة بكلمة أخرى؟

العقيدة مأخوذة من العقدة؛ لتدل على الثبات والإحكام، فكما لا يستطيع أحدٌ حلَّ العقدة المحكمة، لا يمكن لأحد أن يجعلنا نشك في عقيدتنا وما نؤمن به، فسُميت عقيدة؛ لأن الإنسان يعقد عليها قلبه، ولنا في الصحابة والصالحين على مرِّ العصور أسوة حسنة، فلم يُفرطوا في عقيدتهم رغم الابتلاءات والإغراءات، وحتى تكون عقيدتنا قوية وإيماننا قويًّا، لا بد أن نعرف عقيدة الإسلام بشكل صحيح.



ولكن لماذا علينا الاهتمام بعلم العقيدة؟ وما أهمية هذا العلم؟أي: لماذا ندرس العقيدة؟

عندما نتكلم عن أهمية دراسة علم العقيدة أو علم التوحيد، ننظر للأهمية من جهتين:

1- من جهة الموضوع:

هل هناك علم أشرف من علم يتعلق بصفات الله وأفعاله سبحانه وتعالى؟ علم يتعلق بالإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر؟ ودعوة الرسل التي فيها فلاحنا ونجاتنا إن تمسكنا بها تجدها في علم العقيدة كما قال الله عز وجلولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) فما أرسل الله عز وجل الرسل وأنزل الكتب إلا لأجل إقامة التوحيد.



2- العباد أيضًا يحتاجون لعلم التوحيد حاجة ضرورية ولا يستغنون عنه:

فالتوحيد هو نجاتك في الدنيا والآخرة وبه تصلح حياتك كلها.

هل تريد الرزق وكفاية شؤونك كلها؟ إذًا عليك أداء حق الله عليكِ؛ لقوله تعالى في سورة الذاريات ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 - 58].



ولن تصلي لذلك دون علم التوحيد.

ألا تريد النجاة من النار؟ إذًا قُل كلمة التوحيد صادقة مخلصة، ففي الصحيحين من حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حرَّم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله".



الحمد لله العقيدة سليمة، فهل سيكون لها تأثير في عمل الجوارح أم لا؟

هل من الممكن أن تكون عقيدتي قوية متينة سليمة وأنا لا أصلي، أو لا أرتدي الحجاب الشرعي وأقصِّر في عباداتي؟

إذا كانت العقيدة سليمة وقوية راسخة سنجد أنفسنا نُدفع إلى العبادات دفعًا، وإذا رسخت كلمة التوحيد في قلوبنا إيمانًا وتصديقًا، انقادت جوارحنا لأمر الله تعالى عملًا وتطبيقًا.



• فكيف نؤمن بالحساب ووجود جنة ونار، ثم لا نعمل لدخول الجنة، ونحذر من الأعمال التي تدخلنا النار؟!



• كيف نغتاب أو نقبل رشوة أو نغش، ونسعى أن نوفر لأبنائنا من يغششهم في الامتحانات، ونفرح ونفتخر بذلك ونحن نعرف أن من يفعل ذلك معرَّض لعذاب الله؟!



• هل يعقل أن نعرف وقوفنا يوم القيامة على قنطرة المظالم بعد المرور على الصراط، ثم نظلم أو نضيع حقوق العباد، فما بالنا بحقوق الوالدين والزوج والأولاد؟!

كم من كلمة خرجت من أفواهنا جرحت وقتلت بغير سلاح وينتظر أصحابها القصاص.



• أسمع عن الجنة وما فيها مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ثم أتكاسل عن الصلاة أو أترك العبادات، وأتهاون في ارتداء الحجاب الشرعي، وأتحايل عليه بأشكال ما أنزل الله بها من سلطان ولا تمت إلى حقيقة الستر بأي صلة؟



• كيف أعرف أسماء الله الحسنى وصفاته ومعانيها، ثم لا أعمل بمقتضاها؟! أعرف أن الله الرزاق ثم أسأل العباد الرزق ولا أسأل الرزاق، أنه الصمد الذي يلجأ إليه الخلائق ولا أقصده في حوائجي، كيف أيأس ولي رب كريم حليم غفور جبار يجبر كسرَ المكسورين.

وتلك العقيدة الراسخة التي جعلتنا نسعى للوصول للجنة والنجاة من النار هي التي علمتنا أن الدنيا دار ابتلاء لا راحة، فهل تشعر بالحزن وضيق الصدر وتريد الحل؟

إن الحل في تحقيق التوحيد فبه يكون انشراح للصدر، قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "فمحبةُ الله تعالى ومعرفته ودوام ذكره، والسكون إليه والطمأنينة إليه، وإفراده بالحب والخوف والرجاء والتوكل والمعاملة، بحيث يكون هو وحده المستولي على هموم العبد وعزماته وإرادته، هو جَنَّةُ الدنيا، والنعيم الذي لا يشبهه نعيم، وهو قرة عين المحبين وحياة العارفين".



وقال أيضًا: "وعلى حسب كماله؛ أي التوحيد وقوته وزيادته، يكون انشراح صدر صاحبه"؛ [زاد المعاد]، فالسعادة الحقيقة والصحة النفسية وراحة البال، أساسها كلها من العقيدة الراسخة في القلب.

هل يقلقك كثرة الفتن والشبهات والشهوات؟ هل تبحث عن النجاة منها وتخاف من الوقوع فيها؟

إن النجاة في العقيدة الصحيحة الثابتة الراسخة القوية.



فكيف تجعلنا العقيدة السليمة ننجو من كل هذا؟

الفتن والشبهات والشهوات تحيط بنا، بل قد زُينَت لنا والوقوع فيها سهل؛ قال تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14].



هذه الأمور التي خلقنا على حبها قد نحصل عليها من الحلال أو الحرام، والذي يعصمنا من الوقوع في هذه الشهوات المحرمة هو العقيدة.

• فعندما نعتقد أن الله يسمع ويرى، يسمع السر وأخفى، وكل ما نتلفظ به أو حتى ما أردنا أن نتلفظ به، يرانا حتى في خلواتنا حين نظن أننا غبنا عن أعين الناس، فكيف نجعله أهون الناظرين إلينا، فنطلع إلى ما حرم من مواقع، أو نتكلم مع رجال ليسوا من محارمنا؟!



• وعندما نعلم أنه سبحانه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأنه قد أوكل بنا ملائكة حافظين، كرامًا كاتبين، وأنه أعدَّ للمؤمنين جنة ونعيمًا، وللكافرين نارًا وجحيمًا، فإننا سنراقب أنفسنا ونمنعها من الوقوع في الحرام، ولن تكون شهوتنا قائدًا لنا.



• فإن وقعنا في الحرام، فإننا نعلم أن الله تواب رحيم، فنبادر إلى التوبة خوفًا من العذاب، وطمعًا في رحمة الله ولطفه ورغبة في الثواب.



إذًا العقيدة حصن حصين لصاحبها، تحوطه وتحميه من الشهوات، ومن الغرق فيها.



وأما الشبهات التي ينشرها أصحاب البدع والضلال الذين يشككون في ثوابت الدين، فتحتاج أيضًا لعقيدة قوية راسخة للنجاة منها ومواجهتها، كيف أتأثر بمن يشكك في حجية أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يضمن أنها لم تحرف وأنا عندي يقين راسخ أن الله قد حفظ السنة كما حفظ القرآن؟ قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4].



قال ابن حزم الظاهري: "فأخبر تعالى أن كلام نبيه صلى الله عليه وسلم كله وحي، والوحي بلا خلاف ذكر، والذكرُ محفوظ بنص القرآن.



وقال الله تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ﴾ [الحشر: 7].

فبعقيدته الصحيحة يعصم المسلم نفسه من العبودية لغيره سبحانه، ومن الوقوع في الخرافات والسقوط في الظلمات، ومن الوقوع في البدع والمحدثات والشبهات.



كيف لا وأنا بعلم العقيدة أعرف حقيقة الإسلام والإيمان، وأعرف كيف أتعامل بشكل صحيح مع الغيبيات، وأعرف ربي وأؤمن بقضائه وقدره وقدرته وتصرفه في خلقه.



وهو علمٌ يُجدِّد التفاعل مع هذه الحياة، ويملؤها بالإيجابية، فمن اعتقد بربوبية الله تعالى، قاده اعتقاده إلى التوحيد والعبادة، وانقلب خوفه أمنًا، لا ييأس أبدًا، فهو يعرف أن الأمور كلها بيد الله، وهو قادر على تغيير حاله في طرفة عين، كل ما عليه الأخذ بالأسباب، وسيرى من لطف الله به ما يقر عينه ويفرج كربه ويحقِّق أمله، فيقينُه وحسنُ ظنه بالله لا يفارقه أبدًا.



والبناء العقدي للأمة الإسلامية سببٌ في قوتها وثباتها، وسبب في النصر على الأعداء على مر السنين، فإذا ضعف إيمان الأمة انهزمت.



ولهذا نحتاج إلى العناية بدراسة علم التوحيد، لننقي اعتقادنا، ويكون خالصًا من أية شوائب تحبط أعمالنا، فلو نظرنا إلى بعثة الأنبياء، فإن أول ما يدعو إليه كل رسول هو عبادة الله عز وجل وحده؛ قال الله تعالى في شأن نوح عليه السلام: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف:59]، كذلك كانت دعوة هود، ودعوة صالح، ودعوة شعيب.



وقال الله عز وجل في شأن التوحيد: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36].



فالتوحيد هو أول ما كلَّفنا الله عز وجل به في دين الإسلام، وأول ما نُسأل عنه في قبرنا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"، هذا في الحياة ولكن بعد خروج الروح هناك موقفٌ آخر نحتاج فيه إلى سلامة التوحيد بشدة، فهل تعرفون ما هو؟ إذا كانت عقيدتك سليمة وغادرت هذا العالم توفقين بإذن الله تعالى للإجابة على أسئلة القبر.



في القبر لن تُسأل عن اسمك أو شهادتك أو أهلك ونسبك، وإنما تُسأل فقط في عقيدتك؛ من ربك؟ من نبيك؟ ما دينك؟ ولن يستطيع الإجابة على هذه الأسئلة إلا من عاش على التوحيد الخالص في الدنيا.



البعض يرى أن أمر سؤال القبر هيِّن وبسيط، فلو أن أحدًا سألني الآن من ربك سأقول الله، من نبيك سأقول محمد، وما دينك سأقول الإسلام، لكن الأمر ليس بهذه البساطة أبدًا؛ لأنه لا يوفق لها إلا من عاش على التوحيد، من قضى عمره يبحث من هو ربه وما أسماؤه وما صفاته، ويبحث في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ويبحث في الدين ما أركانه ومراتبه وكيف يحقق الإسلام والإيمان، فالله عز وجل جعل الجزاء من جنس العمل، إن اعتنيت بدينك توفق للإجابة على هذه الأسئلة.



طبعًا هذا بخلاف من يعيش حياته كلها لا يدري ما الذي أتى به إلى هذه الدنيا، ولا يعرف ما أمره الله به، فهذا لا يوفق يقينًا للإجابة على هذه الأسئلة.



واعتناؤك بدينك هو علامة على حبك لله عز وجل؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "من أحب الله أحب دينه ومن لا فلا".



وتخيَّل عندما تختم كلامك بلا إله إلا الله أنك من أهل الجنة بإذن الله.

لك الأمن يوم الفزع الأكبر قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82].



أنت الوحيد الذي يخرج من قبره يوم القيامة والملائكة تطمئنك، وربك راضٍ عنك، وليست هذه المنزلة إلا لأنك حققت التوحيد؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء 48].



هذه بشرى عظيمة لمن حقق التوحيد، فكلنا أصحاب ذنوب ومعاصٍ، ولا يوجد بشر ليس بخطاءٍ، وهذا وعد من الله لمن كان توحيده سليمًا بمغفرة الذنوب، إذا تاب وعمل صالحا.

ففساد المعتقد لا يُقبل، ولكن أمة مذنبة عاصية مع توحيد سليم نرجو من الله عز وجل أن نكون ممن يدخلون في مشيئة الله عز وجل لهم بالمغفرة المذكورة في الآية.

قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: "ما شاء الله وشئت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أجعلتني لله ندًّا؟ قل: ما شاء الله وحده"، وفي رواية قال: "بل قل ما شاء الله ثم شئت".



فهل هناك فرق بين (و) و(ثم)؟

نعم، فحرف في العقيدة يوقع في الشرك.

قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: (حاجة العبد إلى الرسالة أعظم بكثير من حاجة المريض إلى الطب، فان آخر ما يُقدَّر بعدم الطبيب موت الأبدان، (يعني لو مرض الإنسان، والطبيب لم يأتِ أقصى ما يحدث أن يموت الإنسان، البدن يموت)، وأما إذا لم يحصِّل العبد نورَ الرسالة وحياتها مات قلبه موتًا لا تُرجى الحياة معه أبدًا، أو شقي شقاوة لا سعادة معها أبدًا.

إذًا علم العقيدة هو نجاتك في الدنيا والآخرة، فكم من الوقت أهملنا في دراسة هذا المعتقد!

لقد حان الوقت أن نبدأ في معرفة عقيدتنا، ولكن قبل ذلك نريد أن نعرف ما يميز عقيدة الإسلام عن غيرها من العقائد.



من أهم مميزات وسمات العقيدة الإسلامية:

1- سلامة المصدر:

من أين نستقي منازل القلوب من الخوف والرجاء والتوكل وضوابط ذلك؟ من أين نستقي ديننا كله؟

في رحلتنا للوصول إلى الله سبحانه وتعالى، إما أن نتبع طريق الوحي، وإما أن نتبع الهوى، فهل نتبع ما تمليه عليه أهواؤنا ورغباتنا التي تختلف من شخص لشخص فيضيع الحق بيننا؟ أم أن الأعلم بما يصلح القلوب هو رب هذه القلوب؟ إذًا العاقل الباحث عن النجاة سيختار طريق الوحي فقط، وطريق الوحي يبيِّن لنا أن مصادر العقيدة الإسلامية الصحيحة هي ثلاثة مصادر لا غير، منها نأخذ ديننا، ونعرف معتقدنا، فهذا الدين العظيم واضح المعالم لا غموض في منابعه، ولا خفاء في مصادره، وهذه المصادر هي:

1.كتاب الله تعالى، وهو الأصل الأول لأخذ العقيدة الصافية، لتخرجنا من الظلمات إلى النور، قال تعالى: ﴿ قد جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة:15-16].



2. السنة النبوية الثابتة - على صاحبها أفضل الصلاة والسلام - وكل ما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صحيحًا ثابتًا يجب أخذه والتسليم له، فالسنة وحي مثل القرآن جاءت من نفس المصدر، وأُمرنا بالأخذ بها والتمسك بما جاء منها، قال تعالى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم:3-4].

قال - صلى الله عليه وسلم -: "قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك".



3. إجماع علماء الأمة؛ فهو مصدر من مصادر الأدلة الاعتقادية؛ لأنَّه يستند في حقيقته إلى الوحي المعصوم من القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وأغلب مسائل الاعتقاد هي محل إجماع بين الصحابة والسلف الصالح، وهذه الأمة لا تجتمع على ضلالة وباطل، سواء في أمور العقيدة أو غيرها، قال -صلى الله عليه وسلم -: "لا تجتمع أمتي على ضلالة".



إذًا لا نأخذ عقيدتنا من البرامج التلفزيونية لغير العلماء المتخصصين الثقة، ولا نأخذها من منشورات وسائل التواصل دون أن نكون على ثقة من مصدرها، فكم يستغل أعداء الدين وسائل الإعلام المختلفة لهدم قواعد الدين، ويدسون السم في العسل، فلنتبه ولننظر عمن نأخذ ديننا، فالعقيدة أمرها عظيم، والعاقبة إما إلى جنة أو نار.



وللأسف فإن دور هذا الإعلام يزداد تأثيرًا سلبيًّا في الآونة الأخيرة، من خلال الحملة الشرسة على الثوابت الإسلامية، والطعن في أئمة الدين وعلمائهم ليبنوا بيننا وبين علمائنا الثقة حاجزًا نفسيًّا، بل وصلت بالبعض إلى حدود التشكيك بالعقيدة الإسلامية والإيمان بالله تعالى؛ حيث اشتدت موجة استضافة من يروج للإلحاد في وسائل الإعلام مؤخرًا، وإلى الله المشتكى، فلنهتم بتعلُّم عقيدتنا الصحيحة من مصادرها الصحيحة، ولنقاطع أمثال هذه البرامج.



2- أيضًا من مميزات العقيدة الإسلامية: اتصال سندها:

فنحن متأكدون تأكدًا تامًّا أن العقيدة التي بين أيدينا هي العقيدة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، رواها العلماء بعضهم عن بعض بإسناد متصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم.



3- من ضمن الخصائص أيضًا أن هذه العقيدة موافقة لفطرة الله عز وجل:

كما قال عز وجل: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾ [الروم: 30].



4- من ضمن سماتها أيضًا العقلانية:

فالعقيدة الصحيحة لا يمكن أن تناقض العقل الصريح؛ لأن الذي خلق العقل هو من أنزل هذا الشرع، فلا تناقض بينهما.

لكن العقيدة الفاسدة بالطبع ستناقض العقل، والعقل الزائغ قطعًا قد يناقض العقيدة الصحيحة.

قد تأتي مسألة تحار فيها العقول لكن لا يمكن أن تناقضها.



5- من خصائصها أيضًا الوضوح:

فهي خالية من التعقيدات والتناقضات والغموض والفلسفة؛ لأنها مستمدة من الوحي ومن كلام النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، وقد أُوتي جوامع الكلم.



6- ومن خصائصها أيضًا الوسطية:

فنجد من خالفها إما قد أفرَط وغالى، وإما قد فرَّط وقصَّر، أما عقيدة الإسلام فهي عقيدة وسط، فالحمد لله على نعمة الإسلام.

كانت هذه مقدمة بسيطة عن أهمية دراسة العقيدة، وبإذن الله سنبدأ معُا سلسلة نعرف فيها عقيدة الإسلام بأسلوب سهل وبسيط، ونعيها بقلوبنا، فينطبع ذلك على جوارحنا، لتقودنا لجنة عرضها السماوات والأرض.









 


رد مع اقتباس
قديم يوم أمس, 15:37   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عبدالله الأحد
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

معنى العقيدة لغةً واصطلاحاً
والفرق بينها وبين التوحيد


معنى العقيدة لغةً واصطلاحًا:

العقيدة لغة: مصدر مِن اعتَقَد يعتقدُ اعتقادًا وعقيدة، مأخوذٌ من العَقد، وهو: الرَّبط والشدُّ بقوَّة وإحْكام، ونحو ذلك ممَّا فيه توثُّق وجزم؛ ولذا يُطلَق العقد على البيع والعهد والنِّكاح واليمين ونحوهما من المواثيق والعُقود؛ لارتباط كلٍّ من الطرفين بهذا العقد عُرفًا وشَرعًا، إلى غير ذلك ممَّا يجبُ الوَفاء به؛ قال تعالى: ï´؟ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ï´¾ [المائدة: 1].



والعقيدة في الاصطلاح: هي ما ينعَقِدُ عليه قلبُ المرء ويجزمُ به ويتَّخذه دينًا ومَذهبًا؛ بحيث لا يتطرَّق إليه الشكُّ فيه، فهي حُكم الذهن الجازم أو ما ينعَقِدُ عليه الضمير، أو الإيمان الجازم الذي يترتَّب عليه القَصد والقول والعمل بمُقتَضاه.



صحَّة العقيدة أو فسادها:

تقرَّر أنَّ عقيدة المرء: هي إيمانه الجازم الذي ينعقد عليه قلبُه ويحكم به ذهنه ويتَّخذه مَذهبًا ودِينًا يدينُ به، بغضِّ النظَر عن صِحَّتها وفَسادها؛ ولهذا يُفرق بين العقائد، فيقال: هذه عقيدة صحيحة؛ نظرًا لقيام الحجَّة والبرهان على صحَّتها؛ كاعتقاد المؤمنين بتفرُّد الله تعالى فيما يختصُّ به ويجبُ له، واعتقادهم بطلانَ تسوية غيره به في شيءٍ من خَصائِصه وحُقوقه.



وما خالَف الحقَّ فهو اعتقادٌ باطلٌ لقيام الدليل على بُطـلانه؛ كاعتقاد ضُلاَّل النصارى أنَّ الله تعالى هو المسيح ابن مريم، أو أنَّه ثالث ثلاثة، واعتقاد المشركين أنَّ أصْنامهم وأوثانهم آلهة مع الله تُقرِّبهم إلى الله أو تشفَعُ لهم عندَه، واعتقاد بعض المنتسِبين للإسلام أنَّ شِركهم بالله بدُعائهم الصالحين والمقبورين عبادةٌ لله وسببٌ في قَضاء الحاجات، ونحو ذلك من الملل المحرَّفة والعقائد الباطلة التي لا يـُحصِيها إلا الله عزَّ وجلَّ.



العقيدة الإسلامية الصحيحة:

العقيدة الإسلامية الصحيحة: هي التي دلَّت عليها أصولُ الإسلام من الكتاب والسُّنَّة وإجماع الصحابة رضي الله عنهم.

وهي: الإيمان الجازم بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخِر، والقدر خيره وشرِّه، والإيمان بكلِّ ما جاء به القُرآن، وبكلِّ ما جاء به النبيُّ صلى الله عليه وسلم والسنَّة الصحيحة من: الأخبار والغُيوب والأحكام القدريَّة والشرعيَّة والجزائيَّة، وسائر ما أجمع عليه السَّلَفُ الصالح، والتسليم لله بذلك كلِّه، والعمل له تعالى بمقتضاه، والطاعة للنبي صلى الله عليه وسلم والاتِّباع له.



فهي: تصديقٌ بالغيب، وتوحيدٌ وتنزيهٌ للربِّ، وعبادةٌ لله بما شرَع، واعتقادٌ ببُطلان الكفر والشِّرك والبِدَع، وبراءةٌ من كلِّ مَن كفَر وأشرَك وابتَدع، واليقين بلقائه سبحانه وجزائه.



رابعًا: ما يدخُل في العقيدة الإسلامية:

تشمَل العقيدة الإسلاميَّة: وجوبَ توحيد الله تعالى فيما يجبُ له، وتنزيهه عمَّا لا يليقُ به، والقيام بأركان الإسلام وحَقائق الإيمان والإحسان، والتصديق بالنبوَّات، والكتب، وأحوال البرزخ، والآخِرة، وسائر أمور الغيب، وتحقيق الولاء والبراء، والقيام بالواجب نحو السَّلَفِ الصالح وسائر أهل الإسلام، ولُزوم الموقف الشرعي من سائر أهل الملل والبِدَع ونحوهم من المخالفين.



خامسًا: الفرق بين العقيدة والتوحيد:

سبَق توضيح المراد بالعقيدة وبيان العقيدة الإسلاميَّة الصحيحة، وما يَدخُل فيها.

أمَّا التوحيد: فهو في اللغة: مصدر وحَّد الشيء يُوحِّده توحيدًا: أفرد الشيء؛ أي: جعَلَه واحدًا؛ أي: الحكم بأنَّ الشيء واحد، أو قال: لا إله إلا الله.



أمَّا في الاصطلاح: فتوحيد الله تعالى: هو اعتقاد تفرُّده سبحانه بأفعال الربوبيَّة ومُقتَضيات الألوهيَّة وسائر الكَمالات في الذات والأسماء والصفات والأفعال، واعتقاد تنزُّهِهِ سبحانه عن صِفات النَّقص والمثال والشُّرَكاء والأنْداد، وإفراده بأفعال عِباده على الوجه الذي شرع، وترك الشِّرك والبِدَع وبُغضهما وأهلهما.



فالتوحيد أخصُّ أمورِ العقيدة؛ لأنَّه يتعلَّق بإثبات ما يجبُ لله تعالى ونفي ما لا يَلِيق به سبحانه وتعالى والقيام بحقِّه وفق شَرعِه ابتغاءَ وجهه، والبراءة ممَّا خالَف ذلك وممَّن خالَفه من المكلَّفين.



وإنما سُمِّي دين الإسلام توحيدًا لأنَّ مَبناه على أنَّ الله تعالى:

• واحدٌ في ربوبيَّته وخَلقه ومُلكه وتدبيره، فلا شريك له.

• وواحدٌ في إلهيَّته وعِبادته، فلا نِدَّ له.

• وواحدٌ في أسمائه وصِفاته وأفعاله، فلا سَمِيَّ له، ولا مثل له، وواحدٌ في جميع خَصائصه فلا كفؤ له.



فإطلاق التوحيد على العقيدة تغليبًا وتنبيهًا على شرَفِه من باب تسمية الشيء بأشرف خَصائصه؛ لأنَّه يتعلَّق بمعرفة الله تعالى وفِعله وحقِّه على عِباده، وتحقيق ذلك قولاً وفعلاً وقصدًا، وبراءة ممَّا يضادُّ ذلك ويخلُّ به.



سادسًا: حقيقة التوحيد وأهميَّته:

التوحيد هو: انجِذاب القَلب والرُّوح إلى الله تعالى محبَّةً وتعظيمًا وخوفًا وإنابةً وخُضوعًا، بأنْ يعمل العبد لله تعالى صالحًا، فيفعل المأمورات ما استَطاع، ويترُك المنهيَّات ويتوب إلى الله من السيِّئات توبةً نصوحًا؛ رغبةً ورجاءً ورهبةً وخوفًا وطمعًا، وهو مدلولُ شهادةِ أن لا إله إلا الله ومُقتضاها، وأوَّل الواجبات وأهم المهمَّات، فإنَّه مقصودُ الرسالة، وخُلاصة الكتاب، وزُبدة السنَّة، وشرْط قَبول العمل، وأثقَل شيءٍ في الميزان، وشَرط دُخول الجنَّة، قال تعالى: ï´؟ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ï´¾ [محمد: 19]، وقال تعالى: ï´؟ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ï´¾ [البقرة: 21] وقال سبحانه: ï´؟ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ï´¾ [البينة: 5]، وقال تعالى: ï´؟ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ï´¾ [النساء: 36]



وقال تعالى: ï´؟ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ï´¾ [الأنبياء: 25] وقال سبحانه: ï´؟ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ï´¾ [النحل: 36]، وقال تبارك اسمُه: ï´؟ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ï´¾ [هود: 1، 2].



ولمَّا سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم: بمَ أرسلك الله؟ قال: "أرْسَلنِي بِصِلَةِ الأرْحَامِ، وِكسْرِ الأوْثَانِ، وأنْ يُوحَّد الله لا يُشْرَكَ بِهِ شَيْئًا"، رواه مسلم[1]، وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذٍ عندما بعَثَه إلى اليمن: "فليكن أوَّل ما تدعوهم إليه أنْ يُوحِّدوا الله"[2]، وصَحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "إنَّه لن يَدخُل الجنَّةَ إلا نفسٌ مسلمة"[3].



فدلَّت هذه النُّصوص وغيرها ممَّا جاء في مَعناها على أنَّ التوحيد هو تعلُّق العبد بالله رغبةً ومحبَّةً، ومنه خوفًا ورهبة، وتعظيمًا وإجلالاً، فهو محضُ حقِّ ربِّ العالمين، وأعظم واجبٍ على المكلَّفين، وأوَّل ما يدخل به الإسلام، وأعظم مُكفِّرٍ للآثام، ومنجٍّ من النار، وموصل للجنة مع الأخيار.


[1] أخرجه مسلم برقم (832)، عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه.

[2] أخرجه البخاري برقم (4090)، ومسلم برقم (19).

[3] أخرجه البخاري برقم (3062)، ومسلم برقم (111)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.










رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 17:29

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2025 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc