فلسطين إفريقيا.

[الزمزوم]

ماهي منطلقات موقف الجزائر من قضية الصحراء الغربية؟
ينطلق موقف الجزائر من قضية الصحراء الغربية من عدة اعتبارات مبدئية وقانونية وإنسانية وأخلاقية أولها على الإطلاق القرار الذي أصدرته لجنة تصفية الاستعمار التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، والتي تمثلت في أن تضمن الجمعية العامة للأمم المتحدة حقوق الشعب الصحراوي، وأن السلطة الحاكمة مسؤولة عن توجيه شعب الصحراء إلى الاستقلال وممارسة حقه في تقرير المصير من خلال استفتاء تنظمه السلطة الحاكمة "إسبانيا" بالمشاورة مع المغرب وموريتانيا والجزائر ، كما دافعت الجزائر عن حق تقرير المصير للشعب الصحراوي استناداً للقرار رقم 1514 الصادر في الدورة 15 للجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي يؤكد على حق الشعوب في تقرير مصيرها والإقرار بكامل حريتها في اخيار وضعهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، كما استندت الجزائر في موقفها من قضية الصحراء الغربية إلى القرار رقم: 20/3229 الذي يؤكد على ضرورة اتخاذ الخطوات العاجلة في الإقاليم التي لم تحقق استقلالها لتحويل السلطة إلى شعوب هذه الأقاليم بدون شروط أو تحفظ في التعبير وبكل حرية ودون النظر إلى المعتقد أو اللون أو الجنس لكي يتم الحصول على الاستقلال التام . كما استند موقف الجزائر اتجاه قضية الصحراء على قرارات الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة: 24/2591، 25/2711، 27/2984، 63/2831 والتي تقر بوجوب ممارسة سكان الصحراء الغربية لحقهم في تقرير المصير من خلال الاستفتاء.
وانطلاقاً من المادة 20 من الميثاق الإفريقي التي تنص على أن: جميع الشعوب لها الحق في البقاء، ولها الحق الثابت غير المنازع فيه في تقرير مصيرها. وللشعوب الحق في أن تحدد بحرية وضعها السياسي وأن تحقق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية وفقاً للسياسة التي تقررها بحرية.
لذلك فموقف الجزائر من قضية الصحراء الغربية نابع من مبادئ سياستها الخارجية التي تبلورت أثناء ثورتها التحريرية والتي عرفت بها عالمياً فيما بعد، خاصة قدسية الحدود الموروثة عن الاستعمار، وهو موقف بات العالم يعلم اليوم بأنه ينسجم مع قرارات الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة وقراراته حول تصفية الاستعمار في اقليم الصحراء الغربية، وهذا ما أكدته مختلف المذكرات المقدمة إلى هذه المنظمات في إطار سعيها لإيجاد حل سلمي وعادل لهذه القضية.
النتائج المستخلصة: من خلال العرض أعلاه يمكن الخروج بالنتائج التالية:
1 – أن الصحراء الغربية مر بها عدة غزاة ومستعمرين كلهم رحلوا بلا رجعة بفضل نضال ومقاومة الشعب الصحراوي وحده ولا جندى مغربي سقط دفاعاً عن الإقليم وحدهم الصحراويون وقفوا وتصدوا لكل استعمار حاول احتلال أرضهم.
2 – أن اسبانيا هي الاستعمار التقليدي للصحراء الغربية لأنه عمر مدة طويلة في الإقليم 1884 حتى 1975وقد وجد هذا الاستعمار الصحراء كما وجد الاستعمار الغربي كل البلاد التي استعمرها بلا معالم حدودية.
3 – أن تسمية الصحراء الغربية أطلق عليها منذ بداية الاستعمار لها وإن أطلقت عليها اسبانيا بعيد استعمارها لها تسمية "الصحراء الاسبانية".
4 – أن اسبانيا خرجت وتركت حدود استعمارية تحدد معالم الإقليم الحدودية هذه الحدود التي تحكم كل البلدان التي أُستعمرت من قبل كل المستعمرين التقليديين بما فيهم المغرب وموريتانيا وغيرها من الدول التي تعرضت للاستعمار.
5 – أن الاستعمار الاسباني خرج نتيجة مقاومة الشعب الصحراوي وحده، فالشعب الصحراوي هو الذي حرر أرضه بنفسه وليس أحداً آخر وأن تضحياته الجسام طوال فترة الاستعمار المتعدد على هذا الإقليم يكون هو السبب الرئيس لخروج الاستعمار آخره الاستعمار الاسباني والاستعمار الموريتاني ودحر الاستعمار المغربي إلى ما وراء جدار الفصل غير الشرعي وغير القانوني، هذا الاستعمار الذي ما زال يحتل أجزاءً واسعة من الصحراء الغربية يتعارض مع القانون الدولي والشرعية الدولية.
6 – أن الاستعمار الغربي الاسباني لو كان يعلم أن أرض الصحراء الغربية مغربية لتركها للمغرب ولو كان يعلم أن أرض الصحراء الغربية موريتانية لتركها لموريتانيا ولأعلن على أنها أرض مغربية أو أنها أرض موريتانية علماً أنه ليس هناك مغربياً أو موريتانياً واحداً سقط في الصحراء الغربية دفاعاً عن الصحراء الغربية طوال فترة احتلال الاستعمار المتعاقب عليها وصولاً إلى الاحتلال الاسباني فمن ضحى ومات دفاعاً عن الصحراء الغربية هو الشعب الصحراوي، والدليل على ما نقول هو أن اسبانيا حاولت تقسيم الإقليم بين المغرب وموريتانيا وكل طرف من هؤلاء أي المغرب وموريتانيا قدم فيما بعد وثائق حاول بها كل طرف من هؤلاء إدعاء سيادته الترابية على الصحراء الغربية والتي أسقطت ادعائهما في نهاية المطاف محكمة العدل الدولية في "لاهاي".
7 – أن منظمة الأمم المتحدة عندما اِستشارت محكمة العدل الدولية كان جوابها أن هناك نوع من الروابط بين الصحراء الغربية والمغرب وبين الصحراء الغربية وموريتانيا ولكنها لا ترقى إلا روابط سيادة أحد البلدين على التراب الصحراوي.
8 – أن المغرب كمملكة وسلطنة طوال الوقت ومنذ وجودها كشكل من أشكال الدولة لم يُعرف أنه كانت له السيادة الترابية على إقليم الصحراء فالعراق له علاقة بالكويت تدل عليها وثائق رسمية وعلاقات سيادة ترابية وعلاقات نسب بين العائلات في جنوب العراق [البصرة] والكويت وعلاقات تاريخية لو اُستشيرت محكمة العدل الدولية "بلاهاي" في هذا الموضوع لأعطت حق سيادة العراق على الكويت بكل تأكيد وهذا الذي تعلمه بريطانيا وأمريكا والعالم بأسره بشكل جيد وباعتبار الكويت محافظة ضمن محافظات الدولة العراقية ولم تفصلها خرائط الاستعمار عن العراق وعندما هم العراق لاسترجاع أرضه شُنت عليه حربين عالميتين الأولى حرب الخليج الثانية في سنة 1991 من طرف جورج بوش الأب والعدوان الثلاثيني [30 دولة] والثانية حرب الخليج الثالثة في سنة 2003 [جورج دبليو بوش الابن الصغير بحجة علاقة النظام بالقاعدة وامتلاكه أسلحة دمار شامل والذي كشفت الأيام زيفه وكذبه] أدت في النهاية إلى تدميره، فالمغرب وموريتانيا لم تستطيعا تقديم وثائق قانونية دامغة تؤكد على سيادتهما على الصحراء الغربية وكل ما هنالك مبايعة بعض القبائل وعلاقات تجارة يقوم بها البدو الرحل لا ترقى لتجعل من الصحراء الغربية مغربية أو موريتانية، وهذا النوع من العلاقة موجود أيضاً بين الصحراء الغربية والجزائر أي دول الجوار التي تحدها، فأرشيف المغرب كمملكة وسلطنة وعلى امتداد قرون من وجوده ونشأته لا يملك وثائق قانونية تؤكد سيادة المغرب على الصحراء الغربية ولا حتى الروابط العائلية بين العلاقات بين البلدين تضمن علاقة ترقى إلى سيادة المغرب على الصحراء الغربية.
9 – أن الشعب الصحراوي منذ دخول الاحتلال أرضه على تعدده وفي كل وقت لم يتوقف عن مقاومته وإخراجه ودحره واستطاع هذا الشعب الأبي من بناء وتأسيس حركات مقاومة توجت في النهاية بـــــــــ جبهة البوليساريو الممثل الشرعي و الوحيد للشعب الصحراوي والتي حاربت الاستعمار الإسباني وبعد ذلك حاربت الاستعمار الموريتاني وطردتهما خارج الصحراء الغربية ودحرت الاستعمار المغربي إلى ما وراء الحدود المحررة وما زالت تسعى لتحرير كامل التراب الصحراوي.
10 – أن خروج موريتانيا التي كانت طرفاً أساسياً في قضية الصحراء والتي قدمت في وقت سابق ملفات ووثائق تثبت سيادتها على الصحراء الغربية أبطلتها محكمة العدل الدولية في "لاهاي" وعقدها بعد ذلك اتفاقية سلام مع جبهة البوليساريو واعترفت بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية فيما بعد دليل قاطع لا تبدده الشكوك على أن الصحراء الغربية تشكلت ضمن الحدود التي تركها الاستعمار في هذا الإقليم كما هو الحال في كل البلدان التي عاشت ظاهرة الاستعمار لبلدانها.
11 – لو كانت الصحراء الغربية مغربية كما يزعم المغرب فلماذا قبل تقاسمها مع موريتانيا في الاتفاقية الثلاثية التي جمعت اسبانيا والمغرب وموريتانيا؟، ولماذا لم يتحرك للحرب على اسبانيا عندما كانت تحتل الصحراء الغربية؟، ولماذا لم يتحرك عندما دخل الجيش الموريتاني في جنوب الصحراء الغربية واكتفى باحتلال شمال الصحراء الغربية الغني بالمعادن والثروات والنفط؟، ولماذا لم يشارك الجيش المغربي في الحرب على موريتانيا في داخل الصحراء الغربية يوم خروج الاستعمار الاسباني من الإقليم بشكل كلي وقانوني ونهائي؟، ولماذا عرض المغرب على الجزائر فيما بعد تقاسمها معها وقد رفضت القيادة الجزائرية ذلك العرض لأن الجزائر لا أطماع لها في هذا الإقليم؟، وهي بمواقفها اتجاه القضية الصحراوية إنما تسعى وراء مبادئها وقيمها ومثلها وذلك في تحرر الشعوب هذا المبدأ الذي تبنته منذ انطلاق ثورتها المجيدة الخالدة على الاستعمار الفرنسي الغاشم والذي عرفت به عالمياً وتعاملت به طوال الفترة الماضية وفي الحاضر وفي المستقبل وطوال الوقت مع جميع الدول المُستعمرة حتى نالت استقلالها والتي ما زالت تنتظر والتي ربما ستتعرض للاستعمار في المستقبل على امتداد القارات الخمس؟
12 – أن اعتداء المغرب على بلدان رسمتها حدود الاستعمار "على حدود موروثة من الاستعمار" وبخاصة الصحراء الغربية التي رسمت حدودها قوى الاستعمار الفرنسي والاسباني هو انتهاك للاتفاقيات الدولية التي حددها النظام الدولي الذي أفرزته الحرب العالمية الثانية في "يالطا" وهو سابقة في التاريخ والتي ستعطي من اليوم فصاعداً شرعية لأي دولة ستحتل دولة أخرى وستقوض منظمة الأمم المتحدة والشرعية الدولية وستدفع بلا شك لإحياء الفكر الامبراطوري التوسعي لدى الدول التي كانت في الماضي سبباً في اندلاع الحروب العالمية الأولى والثانية وستزيد في تقويض السلم العالمي وزيادة التنافس الاستعماري على دول العالم الثالث طلباً للثروات والمعابر المائية والمواقع الاستراتيجية وستجعل الامبراطورية النمساوية مثلاً تطالب بحقوقها في الأراضي الأوروبية التي كانت تملكها قبل الحرب العالمية الأولى، ومطالبة تركيا بحقوقها في البلدان التي كانت تسيطر عليها قبل نهاية فترة الخلافة العثمانية للبلاد العربية والإسلامية، وبريطانيا ومطالبتها بحقوقها في الولايات المتحدة وفي استراليا وفي أقصى شرق آسيا وجنوب إفريقيا، والإمبراطورية اليابانية ومطالبتها بالأراضي التي كانت تسيطر عليها قبل ظهور خرائط الاستعمار التي وجب احترامها لأن عدم احترامها سيؤدي لعدم الاستقرار العالمي وإلى الحروب العالمية والإقليمية وإحياء التنافس الاستعماري من جديد.
13 – أن موقف الجزائر اتجاه الصحراء الغربية لا يختلف عن موقف الجزائر اتجاه قضية فلسطين واتجاه كل القضايا التي ارتبطت بالدول التي تسعى للاستقلال ونيل الحرية، وهو موقف لا تمليه إلا مبادئ الجزائر الراسخة مع جميع الدول التي كانت مستعمرة والتي ما زال البعض منها يسعى لنيل الاستقلال اليوم، مبادئ أرست لها ثورة نوفمبر المجيدة وهي حق الشعوب في تقرير المصير وتصفية الاستعمار وهي مبادئ تبنتها منظمة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي منذ البداية أي يوم نشأتهما وتأسيسهما.
14 – أن قضية الصحراء الغربية قضية تصفية استعمار على الإطلاق، وهي منذ الستينيات في أروقة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والتي حسمت موقفهما منها وذلك بالإقرار أنها قضية تصفية استعمار وبالدعوة إلى حق تقرير المصير وأن الحل هو في الاستفتاء.
15 – أن قضية الصحراء الغربية سواء مع الاستعمار الاسباني أو الاستعمار الموريتاني أو الاستعمار المغربي هذا الأخير الذي ما زال يحتل أجزاء واسعة من اقليم الصحراء ظهرت قبل استقلال الجزائر أي سنة 1961، وبالتالي فالمشكلة منذ البداية كانت ولا زالت بين المحتل المغربي والشعب الصحراوي أما الجزائر فقد وقفت إلى جانب الشعب الصحراوي كما وقفت مع الكثير من الشعوب الأخرى التي عاشت ظاهرة الاستعمار والاحتلال وكانت مواقفها تنطلق استناداً للشرعية الدولية والقانون الدولي ومقررات منظمة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والمؤسسات الدولية وإيماناً بمبدأ الجزائر التي وقفت مع دول في أمريكا اللاتينية وفي إفريقيا وفي جنوب آسيا في إطار مبدأ تحرر الشعوب الذي يؤكد عليه ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها بل يكاد يكون هذا المبدأ هو سبب انشاء هذه المنظمة إلى جانب تحقيق الاستقرار العالمي وحل المشكلات في العالم بالطرق السلمية، إلى جانب مواثيق الاتحاد الإفريقي.
16 – أما الاستفتاء فكان مطلب الشعب الصحراوي وقد طرحته منظمة الأمم المتحدة في الستينيات من القرن الماضي ودعمته محكمة العدل الدولية، واقترحته الأمم المتحدة ودُفعت إلى العمل به إسبانيا فيما بعد تحت طائلة الضغوط الدولية المطالبة بتصفية الاستعمار وحق تقرير المصير للشعوب المُستعمرة والتي من بينها الشعب الصحراوي في فترة استعمارها وقبيل خروجها من الإقليم الصحراوي، وقبل به ملك المغرب الحسن الثاني واقترحه كحل للنزاع في احدى دورات منظمة الوحدة الإفريقية، وهو الحل العادل للقضية الصحراء الغربية.
وبالتالي فإن قضية الصحراء وكل القضايا العالقة في العالم حلها مرهون برغبة العالم بالدفع بالحلول السلمية لإيجاد حلول في إطار الشرعية الدولية وفي ظل احترام القوانين الدولية ومقررات منظمة منظمة الأمم المتحدة بما يحقق العدل والسلام لهذه الشعوب والتي من بينها الشعب الصحراوي الذي وبعد نضال طويل يجد أن الكثير من الهيئات تنكرت لمبادئها في ظل عالم هيمنت عليه القوى الظلامية الغاشمة على حساب المبادئ والقيم والمثل التي عبرت عليها قوانين هذه المنظمات الدولية العريقة، وفي ظل مقايضة القضايا الإنسانية العادلة بصفقات أشبه ما تكون بسمسرة عقارات أكثر منها حلول دائمة لاستقرار العالم.
17 – أن احتلال المغرب للصحراء الغربية ليس تكريساً لحق يسعى لاسترداده بقدر ما هو استعمار واحتلال لا يختلف عن باقي الاحتلال المتعاقب على إقليم الصحراء الغربية والسبب في ذلك طبيعة نظام المخزن التوسعية وسعيه لنهب وسرقة ثروات الصحراء الغربية خاصة بعد اكتشاف الفوسفات وحجم الثروة السمكية الكبيرة التي يزخر بها الإقليم ناهيك عن الموقع الاستراتيجي الذي يتمتع به هذا الإقليم بالنسبة للدول الغربية حليفة المغرب منذ بداية الحرب الباردة وانقسام العالم إلى كتلة شرقية وأخرى رأسمالية، ولكن الأحداث الأخيرة التي انطلقت مؤخراً في الصحراء الغربية وإلى جانب ما يجري في المشرق العربي من محاولة لتصفية القضية الفلسطينية وتحجيم دور إيران والقضاء على المقاومة العربية والإسلامية في المنطقة فإنه لا يخلو من رائحة النفط والغاز التي انتشر كلام عن وجوده في سواحل الصحراء الغربية، فأنف أمريكا لا يخطئ وهو الذي يحرك أساطيلها الحربية شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً ويبدو أن هذا من بين الأسباب التي أخذت الأمور إلى ما نشاهده اليوم إلى جانب ثروات كبيرة يزخر بها إقليم الصحراء الغربية وما خفي من ثروات فيها وتعرفها دول الاستعمار القديم والجديد وشركاته المفترسة أكبر وأعظم.