السؤال :
هل الأفضل أن أذهب إلى مسجد به عدد كبير من
المصلين حتى إن كان بعيداً ؟
وهل آخذ ثواب "الصف الأول" إذا كان المسـجد الذي
أصلي فيه به صف واحد فقط ؟.
الجواب :
الحمد لله
أولا :
قد دلت الأدلة على أن أجر صلاة الجماعة
يزداد بكثرة عدد المصلين .
وخطواتك إلى المسجد – مهما بعُد – مكتوب لك أجرها عند الله ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : ( وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ )
رواه البخاري (2989) ومسلم (1009) .
وروى مسلم (665)
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ : خَلَتْ الْبِقَاعُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ فَأَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمْ : ( إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ ) قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ . فَقَالَ : ( يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ ).
قال النووي رحمه الله :
" معناه الزموا دياركم فإنكم إذا لزمتموها كتبت آثارُكم وخطاكم الكثيرة إلى المسجد . وبنو سلِمة ، قبيلة معروفة من الأنصار رضي الله عنهم " انتهى من
"شرح مسلم" (5/169) .
وينبغي أن يُعلم أن المفاضلة بين الصلاة في مسجد ومسجد ، تدخل فيها أمور أخرى غير كثرة العدد وكثرة الخطى
كالتزام الإمام والمأمومين بالسنة ، وحرصهم على إقامة الصلاة كما أمر الله تعالى ، من الخشوع والطمأنينة وتسوية الصفوف وغير ذلك مما يتمم الصلاة ويكملها .
وقد يكون في بعض المساجد حلقات للتعليم أو تحفيظ كتاب الله تعالى ، فينبغي أن يكون للإنسان حظ من ذلك ، وألا يفرط فيه ولو كان المسجد أقل عددا .
والفقه أن يوازن الإنسان بين مراتب الأعمال ، وأن يعرف الفاضل من المفضول ، وأن يجتهد في تحصيل الأجر والثواب ما أمكنه .
ثانيا :
جاء في فضل الصف الأول أحاديث
منها ما رواه البخاري (615) ومسلم (437)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا ) .
ومعنى (استهموا) : أي اقترعوا
ويدل عليه رواية مسلم (439) :
( لَوْ تَعْلَمُونَ أَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ لَكَانَتْ قُرْعَةً ) .
وروى أبو داود (664) والنسائي (811)
عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَلَّلُ الصُّفُوفَ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَى نَاحِيَةٍ ، يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا وَصُدُورَنَا ، وَيَقُولُ : ( لا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ ) وَكَانَ يَقُولُ : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصُّفُوفِ الْمُتَقَدِّمَةِ ) .
صححه الألباني في صحيح النسائي .
ورواه ابن ماجه (997) بلفظ :
( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الأَوَّلِ ) .
والصف الأول :
المراد به ما يلي الإمام مطلقا
سواء تخلله شيء كمقصورة أو لا .
وقيل : هو أول صف تام يلي الإمام
وقيل : المراد به من سبق إلى الصلاة ولو صلى آخر الصفوف .
قال النووي رحمه الله :
" القول الأول هو الصحيح المختار ، وبه صرح المحققون ، والقولان الآخران غلط صريح " انتهى نقلا
عن "فتح الباري" (2/244) .
ولا فرق بين أن يكون في المسجد صف واحد أو صفوف ، فما يلي الإمام هو الصف الأول ، الموعود أهله بذلك الفضل ، إن شاء الله ، لعموم الأحاديث .
والله أعلم .