وقد خصصت مناهج التاريخ في مرحلة التعليم القاعدي جانبا هاما لدراسة التاريخ الوطني من حيث أنه يمثل البوتقة التي تشكلت فيها الهوية الجزائرية والإطار الذي ما انفكت تنمو فيه الأمة الجزائرية. فكان لزاما أن يتشبع المتعلم من ماضيه الوطني بكل مظاهره، دون تمييز حقبة تاريخية معينة. في هذا السياق، تكوّن مناهج التاريخ المتعلم في إطار مفهوم الجنسية باعتبارها واقعا أساسيا.
انطلاقا من ملاحظات بسيطة حول المدرسة الجزائرية اليوم يتبين لنا أنها في خطر داهم يدفعنا دفعا حقيقيا لدق ناقوس الخطر اتجاهها واتجاه مريديها، مثلما فعل دلك تماما الأمريكيون مع نهاية القرن الماضي وبالضبط سنة 1983 حينما كتب قدم احد المفكرين لديهم تقريرا تحت عنوان "أمة في خطر " وهو التقرير أشرف عليها الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريقن، والتي لاحظت غياب توافق بين المدرسة والأهداف الوطنية المسطرة للعملية التربوية على مستوى إنتاج يد عاملة تمتاز بالتنافسية.
وعلى أثر ذلك أقرت هذه اللجنة بالخطر المحدق بالأمة الأمريكية أمام الموجة المتصاعدة من الرداءة في التعليم، ومن ثم فهل لنا نحن اليوم كباحثين وفاعلين في الحقل التربوي في الجزائر أن نتساءل عن ذلك الخطر الذي أصبح يلف المدرسة الجزائرية من داخلها ومن خارج أسوارها، حيث أصبح التلميذ اليوم لا يفكر في مغادرة المدرسة إلا بحرا (الحرقة) أو حرقا (الانتحار) أو حتى رمزيا (الاغتراب)، بل أصبح يفكر في أحسن الأحوال في الغش وانتهاج سلوك العنف مع زملائه وأساتذته أو استهلاك المخدرات داخلها، وهذا ما وقفت عليه شخصيا من خلال تدريسي في التعليم المتوسط والثانوي وحتى ذلك المتفوق أو الموهوب الذي أصبح ينتظر إكمال دراسته ونجاحه للهروب من الوطن الأم (هجرة الأدمغة)، فهل بعد ذلك كله يمكننا الإدعاء تبجحا بالقول بأن المدرسة الجزائرية قد نجحت في تحقيق الغايات والأهداف الوطنية المرجوة منها والتي يقع على رأس سنامها وذروتها بناء الشخصية الوطنية؟ وهي اهم ركائز الهوية.