أنت تصف ما يلقيه أولئك الدعاة الذي أشرت لهم بالاسم في عنوان الموضوع في يجب مناقشة مضمون هذا الإعجاز من أفواه أولئك الدعاة إن تحقق فيه شروط التي يتوجب توفرها لتكون الظاهرة الموصفة أنها إعجاز و ليس إطلاق توصيفات ، و قبل هذا يجب أولا التفريق بين الإعجاز و التفسير العلمي قبل مناقشة الأمور المتضمنة خطابات الإعجاز و التفسير العلمي.
التفسير العلمي هو الكشف عن معاني الآية أو الحديث في ضوء ما ترجحت صحته من نظريات العلوم الكونية.
أما الإعجاز العلمي فهو إخبار القران الكريم أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي أخيرا و ثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول . هكذا يظهر اشتمال القران أو الحديث على الحقيقة الكونية التي يؤول * يصير و ينتهي * إليها معنى الآية أو الحديث و يشاهد الناس مصداقها في الكون فيستقر عندها التفسير و يعلم بها التأويل كما قال تعالى * لكل نبا و سوف تعلمون * - الأنعام 67 - وقد تتجلى مشاهد أخرى كونية عبر القرون ، تزيد المعنى المستقر و وضوحا و عمقا و شمولا لان الرسول عليه الصلاة و السلام قد أوتي جوامع الكلم ، فيزداد بها الإعجاز عمقا و شمولا ، كما تزداد السنة الكونية وضوحا بكثرة شواهدها المندرجة تحت حكمها.
إن التفسير العلمي للقران مضبوط بشروط يتوجب توفرها في المفسر فالمضمون التفسير العلمي للقران الكريم مرفوض إذا اعتمد على النظريات العلمية التي لم تثبت و لم تستقر ولم تصل إلى درجة الحقيقة العلمية – ومرفوض إذا خرج بالقران عن لغته العربية- و مرفوض إذا صدر عن خلفية تعتمد العلم أصلا و تجعل القران تابعا. – و هو مرفوض إذا خالف مادل عليه القران في موضع أخر أو دل عليه صحيح السنة.- وهو مقبول بعد ذلك إذا التزم القواعد المعروفة في أصول التفسير من الالتزام بما تفرضه حدود اللغة ، و حدود الشريعة و التحري و الاحتياط الذي يلزم كل ناظر في كتاب الله . وهو –أخيرا- مقبول ممن رزقه الله علما بالقران و علما بالسنن الكونية لا من كل من هب و دب فكتاب الله أعظم من ذلك.
أعطيك أمثلة من بين عشرات الأمثلة عن أوجه الإعجاز العلمي في القران و السنة فيما يلي :
- عقدت منظمة الصحة العلمية مؤتمرا لها بعنوان -- complementary feeding -- عام 2001 و جاء بنتيجة مفادها:
أن السنتين الأوليين من حياة الطفل هما نافذة حرجة يتم خلالهما بناء التأسيسات للنمو و التطور الصحي و إن تغذية الطفل الرضيع هي بعد جوهري للعناية خلال هذه الفترة.
و جاء في نتيجة المؤتمر أيضا أن المدة المثالية للإرضاع هي سنتان، لان الطفل خلال هاتين السنتين يكون بحاجة ماسة للأجسام المناعية لتطوير جهازه المناعي، و هذه الأجسام لا يجدها إلا في حليب الأم ، بما يعني أن العلماء و كل الدراسات اكتشفت أن حليب الأم يحوي دواء مناعية مضادة للجراثيم ، مع العلم أن الجنين في بطن أمه يستمد الأجسام المناعية منها طيلة فترة الحمل، و عندما يخرج هذا الجنين يكون محاطا بعوامل كثيرة ممرضة ، و لذلك فهو بحاجة لمناعة إضافية لا يجدها إلا في حليب الأم ، فسبحان الله الذي هيا له هذا المصدر الطبيعي من الحماية.
و لذلك يؤكد الأطباء أن جميع أنواع الاغدية لا يمكن أن تكون كافية للطفل يتعرض للكثير من العوامل و التي يصاب بنتيجتها بالعديد من الأمراض ، و عندما يبلغ من العمر سنتان ، تصبح العوامل ذاتها غير مؤثرة كما كانت من قبل ، لذلك كان عمر السنتين هو عمر حرج و حساس للطفل و ينبغي الاعتماد على حليب الأم خلاله لدرء هذه الأخطار كما أثبتها أقول أطباء من منظمة الصحة العالمية و هذه الحقيقة العلمية تترجح مع ما ذكره الله تعالى حيث قال الله تعالى * و الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة * - سورة البقرة الآية 233 - .
- التوافق الدقيق بين ما في نصوص الوحي الكتاب و السنة ، وبين ما كشفه علماء الكون أمثال البروفسور كيت لمور و هو من اشهر علماء العالم في علم الأجنة و كتابه في علم الأجنة مرجع عالمي مترجم إلى سبع لغات منها الروسية و اليابانية و الصينية و الذي جاء بعد اقتناعه بأبحاث الإعجاز العلمي ألقى محاضرة في ثلاث كليات طبية بالمملكة العربية السعودية عام * 1404 ه* بعنوان * مطابقة علم الأجنة لما في القران و السنة * من حقائق كونية و أسرار لم يكن في الإمكان بشر أن يعرفها وقت نزول القران .
- تصحيح الكتاب و السنة لما شاع بين البشرية في أجيالها المختلفة من أفكار خاطئة حول أسرار الخلق مثل ما كان شائعا بين علماء التشريح من أن الولد يتكون من دم الحيض و استمر ذلك الاعتقاد إلى أن اكتشف المجهر في القرن السادس عشر الميلادي بينما نصوص القران و السنة تقرر أن الولد يتكون من المني و قد رد علماء المسلمين من أمثال الإمام ابن القيم و الإمام ابن حجر و غيرهم أقوال علماء التشريح في عصورهم بنصوص الوحي و ذلك مثل ما قاله ابن حجر و زعم كثير من أهل التشريح أن مني الرجل لا اثر له في الولد إلا في عقده و انه إنما يتكون من دم الحيض و أحاديث الباب تبطل ذلك
إذا جمعت نصوص الكتاب و السنة الصحيحة و جدت بعضها يكمل بعضها الأخر فتتجلى بها الحقيقة مع أن هذه النصوص قد نزلت مفرقة في الزمن و في مواضعها من الكتاب الكريم و هذا لا يكون إلا من عند الله الذي يعلم السر في السموات و الأرض .
سن التشريعات الحكيمة التي قد تخفي حكمتها على الناس وقت نزول القران و تكشفها أبحاث العلماء في شتى المجالات مثلما كشفه العلم حديثا من الحكمة في تحريم أكل لحم الخنزير و الاعتزال المقصور على الجماع في المحيض *و يسألونك في المحيض قل هو أذى فعتزلوا النساء في المحيض* - البقرة 222-.
كما يتوجب على واحد أن يعرف أهداف المتوخاة من الإعجاز العلمي المستنبط من القران و السنة و الذي يهدف إلى تحقيق المرامي الآتية
1- تنشيط المسلمين في الاكتشافات الكونية بدوافع إيمانية. أن التفكير في مخلوقات الله عبادة ، و التفكير في معاني الآيات و الأحاديث عبادة ، و تقديمها دعوة إلى الله. و هذا كله متحقق في أبحاث الإعجاز العلمي في القران و السنة و هذا من شانه أن يحفز المسلمين على الاكتشاف أسرار الكون بدوافع إيمانية تعبر بهم فترة التخلف التي غاشوها فترة من الزمن في هذه المجالات فضلا على زيادة المسلمين إيمانا و تثبيتا.
2- الرد على المشككين و الأعداء الإسلام ممن يحاول بث حملة التشويه و التشكيك فقد وجه النصارى إلى القران الكريم عدة شبهات متنوعة متعددة ومازالت تلك الشبهات و التشكك ممتدة من عصر الرسول إلى وقتنا الحالي من طرف المشككين و أعداء الإسلام أرادوا بها تزييف القران الكريم مستعملين عدة طرق منها محاولتهم إثبات أن القران الكريم ليس كلام رب العالمين بل أرادوا جعله انه كلام بشري - تعالى الله عما يقولوه علوا كبيرا - و عليه يمثل الإعجاز العلمي في القران و السنة تحديا لكل مشككا في القران و إثبات انه وحي منزل من الله تعالى على النبي عليه الصلاة و السلام.
أنت تصف أولئك الدعاة بدجل و التزييف في حين كان عليك أن تقدم نماذج ممن تعتبر كلام الإعجاز الذي يرددونه انه باطل و مزيف ، و هنا نحاول أن نرى أن كانت تلك أقوالك حول الدجل و الخرافة على حد قولك التي ترميها إلى من تصفهم بالدجالين. فمن حقك أن ترفض من يلقي عليك خطابا غير صحيح لكن ليس من حقك أن ترمي ذلك الخطاب انه دجل و خرافة دون أن ترفقه بالدليل خصوصا و أن موضوعك يتطلب منك أن ترفقه بنماذج من مضمون خطاب أولئك الدعاة حول الإعجاز كي نتحرى في الأمر مع أن الإعجاز الصحيح تزيد المؤمن إيمانا و تحديا للمشككين في القران ، و سيكون المسلم في خطر في عقيدته لو يشكك في حقيقة إعجاز القران و السنة إن ثبت انه صحيح و يصبح بذلك معاديا للإعجاز في حد ذاته لو تثبت أن ذلك الإعجاز صحيحا و صادقا و مستجيبا لشروط التي ذكرتها آنفا ، و أنا لست بصدد الدفاع عن أولئك الدعاة حول خطاباتهم لان الموضوع يتضمن تجريحا و طعنا في شخصهم دون أن يترافق مع نماذج من خطابات أولئك الدعاة حول الإعجاز لان النقاش يتوجب أن ينطلق من مضمون خطابتهم.
مع انه مرفوض من أي إنسان أن يخوض في موضوع الإعجاز العلمي في القران و السنة دون العلم الكامل بعلم التفسير في علوم القران الكريم و الحديث النبوي عموما و عدم الإدراك بالسنن الكونية ، لأنه كما قلت سابقا لا من كل من هب و دب يخوض في القران الكريم فكتاب الله أعظم من ذلك.