فلندع الخلاف الفرعي ونتعاون على تحقيق الأصول
الفصائل التي تنتسب إلى الصحوة بعض الإسلامية، أو العمل الإسلامي، مهتمة أكبر الاهتمام بالمسائل الخلافية، فهو شغلها بالنهار، وحلمها بالليل. حولها يتركز البحث، ولها تقام الدروس، وفيها يدور الجدل، ومن أجلها تحمى معارك الكلام والخصام.
وأنا لا أكره أن يبحث الناس في المسائل الخلافية، بحثا علميا مقارنا يرجح أحد الرأيين أو الآراء، إذا قام بذلك أهل الاختصاص، من العلماء القادرين المؤهلين لمثل هذا العمل العلمي الرصين، الجامعين بين الفقه والورع والاعتدال.
ولكن الذي أكرهه: أن يصبح البحث في المسائل الخلافية أكبر همنا، ومبلغ علمنا، وأن نضخمها حتى تأكل أوقاتنا وجهودنا وطاقاتنا، التي يجب أن نوجهها لبناء ما تداعى أو تهدم من بنياننا الديني والثقافي والحضاري. وأن يكون هذا الاهتمام والاشتغال على حساب القضايا التي لا خلاف عليها. إنني أود لو أن رجال المسلمين جميعا حرصوا على إطلاق لحاهم، فأحيوا هذه السنة من سنن الفطرة، وخرجوا من خلاف من أوجبها من الأئمة، وتميزوا عن غيرهم من الأمم، وفوتوا الفرصة على رجال المباحث الذين يعتبرون اللحية دليل اتهام! ومع هذا لا أود أن نشغل الناس بهذا، وأن نفسق من لا يعفيها، فهذا أمر عمت به البلوى، ولهذا أسفت حقا حين ذكر لي بعض الثقات من الشباب أن أحد المولعين بالخلافيات ألقى تسع محاضرات في وجوب إعفاء اللحية، وتحريم أخذ شيء منها. كما أسفت لأن أحدهم ألف رسالة سماها (نهي الصحبة عن النزول على الركبة) وهو أمر يتعلق بهيئة الصلاة، وفيه أخذ ورد.. وأن آخر كتب رسالة أيضا بعنوان: (الواحة في جلسة الاستراحة) إلى غير ذلك من الرسائل، والمقالات، والمحاضرات التي تدور حول هذه الأمور، التي اختلف فيها الأئمة، بين مثبت وناف، وسيظل الناس يختلفون فيها إلى ما شاء الله. وسر أسفي هنا هو: التركيز على الأمور الخلافية، والشدة على المخالفين، فيما يجوز التساهل فيه، على خلاف ما كان عليه سلف الأمة.