جزاك الله خيرا
قصص السلف التي تعد بحق درة يتيمة لما حوته من ذكاء و فطنة قلما تجده في قصص أخرى ، و هذه القصة لأحد الأئمة الذين آتاهم الله ذكاءا لا مثيل له و هو الإمام الباقلاني رحمة الله عليه حيث قال فيه الإمام الذهبي رحمه الله تعالى : '' الإمام العلَّامة، أوحد المتكلمين، مقدَّم الأصوليين، القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر ابن القاسم البصري ثم البغدادي، ابن الباقلاني صاحب التصانيف، وكان يضرب المثل بفهمه وذكائه... وقد ذكر القاضي عياض في (طبقات المالكية) فقال: هو الملقب بسيف السنة ولسان الأمة، المتكلم على لسان أهل الحديث وطريق أبي الحسن، وإليه انتهت رئاسة المالكية في وقته ، و كان له بجامع البصرة حلقة عظيمة ''([1]) ، و كان الباقلاني من أذكى علماء المسلمين في وقته و إن كان عنده في العقيدة بعض التأويل و ما أشبه لكن الله تبارك و تعالى أتاه عقلا يدافع به عن الشريعة المطهرة ، و مما نقل عنه أنه قال لراهب من النصارى :'' كيف الأهل و الأولاد؟فقال الملك : مه!أما علمت أن الراهب يتنزه عن هذا؟ فقال: تنزهونه عن هذا ، و لا تنزهون رب العالمين عن الصاحبة و الولد!''([2])
و من أروع ما نقل عنه قصته مع الملك النصراني الذي أراد أن يدخله راكعا ، و لكن هيهات أبى الله إلا أن ينصر هذا الإمام و يذل به هذا الملك الكافر و من معه ، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : ''.. كالحكاية المعروفة عن القاضي أبي بكر بن الطيِّب لمَّا أرسله المسلمون إلى ملك النصارى بالقسطنطينية، فإنهم عظَّموه وعرف النصارى قدْرَه، فخافوا أن لا يسجد للملك إذا دخل، فأدخلوه من بابٍ صغيرٍ ليدخل منحنيًا، ففطن لمكرهم فدخل مستدبرًا متلقِّيًا لهم بعَجُزه، ففعل نقيض ما قصدوه، ولَما جلس وكلَّموه أراد بعضُهم القدحَ في المسلمين، فقال له: ما قيل في عائشة امرأة نبيِّكم؟ يريد إظهار قول الإفك الذي يقوله من يقوله من الرافضة أيضًا، فقال القاضي: ثنتان قُدح فيهما ورُميتا بالزنا إفكًا وكذبًا: مريم وعائشة، فأمَّا مريم فجاءت بالولد تحمله من غير زوجٍ، وأمَّا عائشة فلم تأتِ بولدٍ مع أنه كان لها زوجٌ، فأبهت النصارى''([3])
فرحم الله هذا الإمام الذي كان'' سيفا على المعتزلة و الرافضة و المشبهة ''([4]) رحمة واسعة ، و نسأل الله تبارك و تعالى أن يغفر له و يتجاوز عنه وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما.
جمع
بلال الجزائري
[1]: انظر السير (17/ 190-191)
[2]: انظر السير للذهبي ( 17/ 191-192) .
[3]: منهاج السنَّة النبوية لابن تيمية (2/56) ، بواسطة موقع الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله.[ قسم : في رحاب الأدب. أزهار متناثرة رقم (155) بعنوان فطنة الباقلاَّني]. و انظرها عند الذهبي في السير (17/-191-192).
[4]: السير للذهبي (17/193).