إن النظرة على ما دار في مناظرة الخميس 11 مايو تؤكد خلاصة هامة وهي أن مصر تستحق من هو أفضل من عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح.
يجمع المرشحان بين سمات مشتركة رغم كونهما متنافسين متناظرين ، فمن طبيعة المناظرة كفعل سياسي أنها لا تركز على بناء رؤية كل متناظر وتقديمها للجمهور لإقناعه بها بقدر ما تركز على توجيه اللكمات القوية لرؤية وشخص المتناظر المتنافس وفق قدرته على التراشق الخطابي الواضح والضرب تحت الحزام أحيانا.
بالتالي فقد استطاع كل من أبو الفتوح وموسى أن يزيدا من قلق الجمهور ليس على الثورة فقط وإنما على مصر الوطن والناس من حيث أراد كل منهما حصد نقاط انتخابية.إن كلا من موسى وأبو الفتوح استخدما نفس الأسلوب في إثارة خوف المواطنين من بعضهما البعض وهو أسلوب التمييز رغم اشتراكهما في ادعاء تمثيلهما لثورة المصريين جميعًا، والثورة لم تكن ثورة على أيديولوجية معينة ضد أيديولوجية أخرى وإنما كانت ثورة على الإفقار والإفساد والإهانة في الداخل والخارج.
عمرو موسى يعيد استخدام النظام القديم لفزاعة الإسلاميين ضد الداخل والخارج ويخاطب الجمهور على أنه قد أخطأ في اختيارهم مرة فلا يجب أن يخطئ الثانية لما سيسفر عنه ذلك من موقف دولي حرج قد يؤدي للحرب والحصار لمصر
يقول ضيف عن أبو الفتوح كان أن يحاول أن يمسك النقاط السلبية في عمرو موسي أثناء تولية منصب وزير الخارجية ، وكذلك عبد المنعم أبو الفتوح يلح على إنكار وجود شعبية لعمرو موسى بناها من أدائه لدور وزير خارجية مصر في فترة توليه ويحمّله مسئولية فشل تال لفترته في- الوعي الشعبي على الأقل- علاقات مصر بأفريقيا ، واتفاقية الغاز مع إسرائيل، ويحمّله مسئولية تحوّل النظام مع السادات للسلام مع إسرائيل و يدافع عن نظام عبد الناصر على مستوى العلاقات الخارجية.
وهنا يقع أبو الفتوح في فخ موسى ، وهو أن أبو الفتوح تجرّه المشاعر الشعبية باتجاه ما يحيق بمصر من مخاطر بينما لم تكن الثورة ثورة على الاتفاقيات الدولية والإقليمية ، وهنا يظهر موسى بثياب الحكيم المجرب المنقذ للوطن من رجل جاء ليجرب اللعب بمصير الوطن ، وهو ماتجلّى في مخاطبة موسى لأبي الفتوح في أكثر من مرة" بأنك مش فاهم" "أنك مش عاوز تفهم" "هذه أمور لا تفهم فيها" .
ولكن من حيث أراد موسى أن يُظهر أبو الفتوح بأنه جاهل بأمور يعلمها موسى بحكم خبرته الوزارية في نظام مبارك وبحكم علاقاته الدولية كأمين لجامعة الدول العربية فإنه يقع في فخ لم ينصبه له أبو الفتوح وإنما نصبه لنفسه وهو أن خطاب الحكيم العالم بأمور لا يعلمها منافسه وبالتالي ملايين المواطنين الذين يوافقونه الرؤية هو خطاب الحكيم العالم المؤهل لأن يصبح ديكتاتورًا بمجرد توليه السلطة لاسيما إذا تم التوافق مع المجلس العسكري.
ما ينتويه موسى في خطابه حيث لا مساس لاقتصاد الجيش والذي يصل إلى 30 % من اقتصاد البلد، ولا رقابة على الميزانية إلا الرقابة الذاتية من مجلس الأمن القومي (الرئيس ورئيس الوزراء ووزير الدفاع ودون مشاركة برلمانية حقيقية).
إن الدبلوماسي المحنك عمرو موسى نجح في أن يثير الخوف على مصر من إعادة إنتاج نظام مبارك كما بدا في خطابه حيث ( منطق المساومة مع المجلس العسكري لمصالح شخصية من منطلق تأبيد الاستقرار في العلاقات الدولية على حساب المصالح الوطنية أحيانًا) لكن مع مسحة خطابية خاصة بعمرو موسى تسمح بامتصاص غضب المتضررين من انتهاك سيادة مصر وكرامة المصريين ، فهي مسحة خطابية قومية ذات جذور ناصرية وللاستهلاك المحلي فقط.
نجح موسى في أن يثير الخوف من أبو الفتوح حيث ألح على ازدواجية الخطاب أو تعدد أقنعة أبو الفتوح في حواراته مع التيارات السياسية المختلفة من سلفيين وحزب وسط وليبراليين وبعض الشباب اليساري.
إن الدبلوماسي الذي يعرف كيف يتكلم دون أن يقول شيئًا قال بوضوح إن أبو الفتوح بتعدد أقنعته يثير الخوف إذا ما طبق ذلك دوليًا مشيرًا لوجود التزام من أبو الفتوح للتيار السلفي بتطبيق الشريعة.
لم ينكر أبو الفتوح رغبته في تطبيق الشريعة بمفهومه لها، بل حاول الهجوم على موسى بجره لخانة من يعارض مبادئ الشريعة لمجرد استخدامه "المبادئ العامة للشريعة" متسائلاً : هل هناك مبادئ عامة ومبادئ خاصة للشريعة؟" وهنا يلتحق موسى بقطار الشريعة قبل أن يدهسه وإن كان قد بقى معلقًا على بابه.
إن نجاح موسى في إثارة الخوف من حقيقة الاصطفاف الوطني المزعوم من قبل أبي الفتوح يُضاف لنجاحه في إثارة الخوف من إعادة نظام مبارك صاحب الخطاب الزاعم بامتلاكه الحكمة والمسيطر على القوات المسلحة عبر المساومة مع المجلس العسكري بهدف تأبيد استقرار العلاقات الدولية حتى لو كان الداخل ثائرًا على الإفقار والإفساد والإهانة المسئولة عنها سياساته في الداخل والخارج.
إن مناظرة موسى أبو الفتوح تقول بوضوح إنهما لعبا بالثورة وفهمها كل منهما بالطريقة التي يريد أن يفهمها بها فقذفا بها في ملاعب أخرى غير ملعبها الذي ولدت فيه، ولهذا أقول إن مصر الثورة تستحق من هو أفضل من موسى وأبي الفتوح على مستوى فهممه للثورة .
المصدر اخبار اليوم