قد عمل كبار الصحابة بهذه الوصية ، ورأوا ذلك عقوبة وقعت على مستحقها ، ولم يروا ذلك مستقبحاً في شيء ؟! وقد سبق ذِكر قول أبي بن كعب راوي الحديث لها ، وقد قالها – أيضاً – أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه ، فقد قال عروة بن مسعود لما جاء مفاوضاً عن المشركين في " الحديبية " للنبي صلى الله عليه وسلم : " فَإِنِّى وَاللَّهِ لأَرَى وُجُوهًا ، وَإِنِّى لأَرَى أَوْشَابًا مِنَ النَّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ " ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ : " امْصُصْ بَظْرَ اللاَّتِ ، أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ " ، فَقَالَ : مَنْ ذَا ؟ قَالُوا : أَبُو بَكْرٍ .
رواه البخاري ( 2581 ) .
قال ابن حجر – رحمه الله - :
و " البَظْر " : بفتح الموحدة ، وسكون المعجمة : قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة .
و" اللات " : اسم أحد الأصنام التي كانت قريش وثقيف يعبدونها ، وكانت عادة العرب الشتم بذلك ، لكن بلفظ الأم ، فأراد أبو بكر المبالغة في سب عروة بإقامة من كان يعبد مقام أمه ، وحمَله على ذلك ما أغضبه به من نسبة المسلمين إلى الفرار .
وفيه : جواز النطق بما يستبشع من الألفاظ لإرادة زجر من بدا منه ما يستحق به ذلك ، وقال ابن المنيِّر : في قول أبي بكر تخسيس للعدو ، وتكذيبهم ، وتعريض بإلزامهم من قولهم " إن اللات بنت الله ! " تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً ، بأنها لو كانت بنتاً : لكان لها ما يكون للإناث .
" فتح الباري " ( 5 / 340 ) .
وقال ابن القيم – رحمه الله - :
وفى قول الصِّدِّيق لعروة : " امصُصْ بَظْرَ اللاَّتِ " : دليلٌ على جواز التصريح باسم العَوْرة ، إذا كان فيه مصلحة تقتضيها تلك الحال ، كما أذن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُصرَّح لمن ادَّعى دعوى الجاهلية بِهَنِ أبيه ، ويقال له : " اعضُضْ أيْرَ أبيك " ، ولا يُكْنَى له ، فلكل مقام مقال .
" زاد المعاد في هدي خير العباد " ( 3 / 305 ) .
والله أعلم