
وقف النبي صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودي، حتى اختفت الجنازة؛ ولما مرت السنوات ودخل المسلمون أرض فارس بلد المجوس -عُبَّاد النار- مرت جنازة على سهل بن حنيف وقيس بن سعد بن عبادة، بالقادسية، فقاما، فقيل لهما: إنها من أهل الأرض، فقالا: مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة فقام، فقيل له: إنه يهودي، فقال: (أليست نفسا)، والحديث صحيح، وقيل أنه منسوخ، وعندما سئل الإمام مالك أيعذب الأسير إن رُجى أن يدل على عورة العدو، قال: ما سمعت بذلك. كذلك حرص الإسلام على معاملة الأسير معاملة حسنة طيبه، وأمر بإطعامه وكسوته والرفق به.
هذه المواقف وغيرها تلخص لنا موقف الإسلام تجاه غير المسلم في حال السلم وحال الحرب، فيعامله الإسلام من منطلق أنه إنسان له حقوق واجبة في حقه، وكذلك له في حالة الحرب والأسر من المعاملة ما يحفظ له آدميته وكرامته، لكن هذه المواقف لا تكاد تجدها في دول الغرب إلا نادرا، وكل يوم يمر علينا يكشف لنا المزيد من الانتهاكات والجرائم بحق أسرانا سيما في سجون الأمريكية والإسرائيلية.
فبالأمس فجرت صحيفة "لوس أنجليس تايمز" فضيحة جديدة من العيار الثقيل، حيث قامت الصحيفة بنشر ثمانية عشرة صورة لجنود في الفرقة الأمريكية المجوقلة الثانية والثمانين قاموا بالتقاطها مع جثث أفغان في ولاية زابل (جنوب شرق) عام 2010م، وقال رئيس تحرير الصحيفة "دافان مهاراج" مبررا السبب من نشر الصور:" قررنا بعد نظر دقيق أن ننشر مجموعة صغيرة لكنها معبرة وتفي بالتزامنا تجاه القراء بأن ننشر بمهنية وبحيادية كل شيء يتعلق بجوانب المهمة الأمريكية في أفغانستان".
وهو الأمر الذي استفز الإدارة الأمريكية التي تعودت على الكذب وطمس الحقائق، ورشوة كل من يحاول كشفها أو التخلص منه، لكنها قامت في الوقت ذاته- كعادتها في مثل هذه الأوقات- بعدة اعتذارات إعلامية لتهدئة الرأي العام العربي والغربي، فقال وزير الدفاع الأمريكي "ليون بانيتا" في بيان، أن "هذه الصور لا تمثل في شيء قيم أو مهنية القسم الأكبر من القوات الأمريكية التي تخدم اليوم في أفغانستان"، مبدياً أيضاً "خيبة أمله" لقيام الصحيفة الأمريكية بنشر هذه الصور، وسارع القائد الأعلى لقوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان الجنرال الأمريكي "جون الن"، إلى إدانة الصور، قائلا: "تصرفات الأفراد لا تعبر عن سياسات قوة المعاونة الأمنية الدولية أو الجيش الأمريكي"، موضحاً "أن تحقيقا يجرى في الحادث".
ونسى الجنرال أن يخبرنا عن مصير التحقيقات في شريط الفيديو الذي نشر في يناير الماضي والذي يظهر فيه أربعة جنود أمريكيين وهم يتبولون على جثث مجاهدين أفغان، وهل تم عقابهم؟ كذلك نسى أن يخبرنا عن مصير التحقيقات مع من قام بالحرق العمدي للقرآن الكريم في قاعدة جوية كبيرة لحلف الأطلسي في فبراير الماضي؟ ولم يخبرنا أيضا عن نتائج التحقيقات في قتل 17 مدنيا أفغانيا في حادث إطلاق نار ليلا في قريتين في جنوب أفغانستان على يد سارجنت بالجيش الأمريكي في مارس الماضي، فأية تحقيقات تلك التي يتحدث عنها هذا الجنرال وهو المتهم الأول؟ أيكون متهما وقاضيا في الوقت ذاته؟
يذكر أن الحرب الأمريكية الغربية بدأت على أفغانستان في 7 أكتوبر 2001م، وكان الهدف المعلن للغزو وقتئذ هو إيجاد أسامة بن لادن وآخرون من مناصب رفيعة في أعضاء القاعدة ووضعهم في محاكمة، لتدمير كل تنظيم القاعدة وإقصاء نظام طالبان الذي يدعم ويعطي الملاذ الآمن للقاعدة، أما الهدف الحقيقي (الخفي) من هذا الغزو فقد صرح وزير الخارجية الإيطالي، في لقائه علي شاشة الجزيرة قائلا: "إن الحرب التي نخوضها في أفغانستان هي حرباً حضارية، فأفكار طالبان هي أفكار من الماضي"، كذلك رأى غربيون مراقبون أن هزيمة أمريكا وحلفائها في أفغانستان ليست هزيمة عسكرية فقط، بل هزيمة للرجل الغربي ومشروعه الفكري المتمثل في تطبيق ونشر المذهب الرأسمالي من حيث الاقتصاد (اقتصاد السوق) ومن حيث نظام الحكم (الديمقراطية)، وبناء علي هزيمة قوات الناتو سوف ينذر بسقوط الحلف أولاً وبانتصار الإسلام السياسي ثانياً، وسوف تصبح أفغانستان بحق (مقبرة الإمبراطوريات)، لذلك انكب الغرب على أفغانستان بخيله ورجله واستحلوا كل شيء في سبيل كسر شوكة الإسلام هناك.
المصدر: مركز التأصيل للدراسات والبحوث