بغداد ـ فالح حسن فزع "لم نتسلم رواتبنا منذ ان غادر الاميركيون العراق في تشرين الاول الماضي، وإذا لم يتغير اي شيء، سأترك نقطة التفتيش هذه". هذا ما قاله سيف احمد لوكالة (اي بي اس) الاخبارية العالمية. وسيف هذا هو احد عناصر الصحوات التي اسهمت في ايقاع الهزيمة بنتظيم القاعدة في العراق. وتقول الوكالة ان في سامراء، 150 كيلومترا شمال بغداد، يظهر الخوف بين اوساط مسلحي الصحوة واضحا وسط الانقاض والعواصف الترابية. ورفع الشيخ خالد فليح، وهو احد المؤيدين لمجالس الصحوة، صوته من بيته الذي يحظى بحراسة مشددة في وسط مدينة سامراء "نحن الذين هزمنا القاعدة في العراق وليس الاميركيين". وقالت الوكالة ان ميليشيات الصحوة، التي تعرف ايضا باسم "ابناء العراق"، هي مجموعات شبه عسكرية شكلها تحالف من زعماء عشائر مختلفة لفرض بسط الامن في مناطقهم. وتأسست المجموعات في المناطق السنية بنحو رئيس، الانبار وصلاح الدين، في سنة 2005. وفي اقل من عام، كان "ابناء العراق" يشكلون بالفعل قوة أمنية الى جانب القوات الامنية الموجودة، العاملة في عموم البلاد. وقال الشيخ فليح ان "القاعدة جاءت الى بلدنا بعد الغزو بحجة مقاتلة المحتلين. في البداية كنا نقاتل معا الا ان المجاهدين سرعان ما راحوا يقتلون ابناء شعبنا: شيوخ عشائر، محامين، معلمين، مهندسين... وكل واحد يؤدي دورا واضحا في مجتمعنا اصبح هدفا لهم". وقالت الوكالة ان مقاتلي الصحوات هم متمردون سابقون تحولوا الى جماعات موالية للحكومة في وقت معين. فبعد انشاء الصحوة العام 2005، راح يتلقى افرادها رواتب تبلغ نحو 250 دولارا شهريا لقاء ادارتهم نقاط تفتيش وتسيير دوريات في مناطقهم، الا ان هذه الرواتب المتدنية تلاشت اليوم مع انسحاب الاميركيين. وقال عبد اللطيف ماجد لطيف، قائد الصحوات في سامراء من مقره في المدينة، ان "الخطة الاصلية كانت تقضي بدمج رجالنا بقوات الامن العراقية، لكننا كلنا الان بدأنا ندرك ان تلك كانت مجرد وعود وهمية". واضاف عبد اللطيف "لدي الفي رجل لديهم عائلات يعيلونها وهم الان في وضع يائس، وكلهم ما زالوا من الموالين الى الشيخ خالد فليح، لكنني اتساءل الى متى سيدوم هذا الامر". وأشارت الوكالة إلى ان رجال عبد اللطيف هم من اصل 100 الف رجل اليوم يصطفون في صحوة سامراء، والمرحلة الاولى من خطة طموحة كانت تقضي بضم ربعهم الى قوات الامن. واليوم، لم تتحقق هذه الاشياء كما كان متوقعا، وكل واحد منهم يتساءل عما سيحدث لالاف من الرجال المسلحين الذين يشعرون بالانكسار. ولفتت الوكالة إلى ان العنصر في صحوة سامراء، عبد الجبار عبد الرحيم، كان قاطعا في كلامه عندما قال "اذا لم يدفعوا لي رواتبي في شهر نيسان، سأترك العمل وابحث عن شيء اخر، اما في اعمال البناء او التنظيف"، ويحمل عبد الجبار بندقية من طراز ak- 47 ويرتدي ملابس واحذية رياضية. وذكر عبد الجبار، وهو ينظم حركة المرور المزدحمة في حيه بشمال سامراء، ان "الزي الرسمي الذي ارتديه استهلك بعد 4 سنوات من الخدمة، ولا استطيع شراء زي جديد لانني بالكاد اوفر الخبز لاطفالي"، فيما علقت الوكالة أن الآراء متباينة في أوساط السامرائيين غير المسلحين، بين التعاطف مع الصحوات واللامبالاة بهم. يوسف عبد الحميد، وهو صاحب كشك بقالة قريبة من مئذنة سامراء التاريخية التي تشبه الزقورة الشهيرة، يرى أن "هؤلاء الناس الفقراء ينتظرون الان حتى يقتلهم ارهابي من اجل عمل لا يحصلون منه على راتب، فهل هناك احد اكثر تعاسة منهم؟". واشارت الوكالة الى وجود ملصق على مبعدة بضعة امتار عن كشك يوسف معلق على جدار يستذكر نصيف عمر جاسم، احد عناصر الصحوة الذي قتلته القاعدة قبل شهرين. رحيم، وهو سائق تاكسي يقول "لا يهمني مصيرهم كثيرا"، واوضح انهم "انضموا الى المحتلين، واستعملوهم مثل المناديل، والان يرمونهم الى المزبلة. ما الذي كانوا يتوقعون من الاميركان؟"، مضيفا أنه على الرغم من انسحاب القوات الاميركية فإنه يعيش في ظل احتلال آخر "احتلال ايران من خلال الاحزاب الشيعية الموجودة في السلطة". الا ان هناك من هو اكثر تفاؤلا من السائق رحيم، إذ ينبه مدير القضاء عمر حسن محمد إلى "تحسن كبير" في الوضع الامني، عازيا السبب إلى التوازن المثالي بين القوات المنتشرة في سامراء. وقال مدير القضاء "لدينا قوات من الحكومة المركزية الى جانب قوات من وزارة الداخلية وبالطبع افراد الصحوة، وباستتثناء بعض الحوادث الفردية، فان الوضع الامني متوفر تماما". وقالت الوكالة انه ما من احد اليوم ينكر ان "ابناء العراق" ساعدوا في التقليل من العنف في البلد الى مستوى كبير، لكن كثيرين ابتداء من رئيس الوزراء نوري المالكي يخشون ان تخرج هذه المجموعات المقاتلة عن السيطرة في المستقبل، وتتحول الى "معارضة سنية مسلحة". فمن بيته بحي الكرادة، جنوب شرقي بغداد، عبر سعد المطلبي، وهو عضو حزب الدعوة الذي ينتمي اليه المالكي، عن مخاوفه في هذا الشأن، حين قال إن "برنامج ابناء العراق نجح في جذب كثير من الجماعات المسلحة باتجاه الحكومة الجديدة، لكنه كان برنامجا وضعه في الاصل ونسق عمله الاميركيون". وتابع ان "الاميركيين استغرقوا وقتا طويلا جدا في نقل بياناتهم التي تتضمن 97 الف اسم. ومن بينهم وجدنا اطفالا بعمر 13 عاما وشيوخا بعمر 70 عاما... وفي ما بعد، كان علينا استبعاد اولئك الذين لديهم سجلات اجرامية، او ببساطة اولئك الذين لم يدخلوا في اي تدريبات عسكرية محددة". وختمت الوكالة بالقول إن مستقبل "أبناء العراق" غير المحسوم، يدفع كثيرا من السنة إلى القول إنهم يواجهون تمييزا منهجيا من جانب الاحزاب الشيعية الحاكمة، وكثير منهم يخشى من احتمالات ان تصبح القاعدة المصدر الوحيد الممكن لمعيشة عشرات آلاف المقاتلين المستبعدين من قوات الامن التابعة للدولة.