ما إنْ قامت الثورة السورية المباركة ، حتى قام ( النتن ياهو ) رئيس الوزراء الإسرائيلي بجولة واسعة في الدول الغربية ، يرجوهم عدم مناصرة هذه الثورة ، لأنها أكبر خطر على أمن واستقرار إسرائيل .. ولم يكتفِ هذا ( النتن ياهو ) بمطالبةِ الغربيين بخذلاننا وحسب ، وإنما ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك ، فطالبهم وشدَّدَ في المطالبة : على بوجوب الحيلولة دون سقوط حكم بشار الأسد ، لأن في بقائه – على حد تعبيره – مصلحةً استراتيجيةً لإسرائيل …
ولم تقف إسرائيل في انحيازها إلى الأسد عند هذا الحد ، وإنما أيدت أقوالها بالأفعال ، فتغاضت عن انتهاك القوات السورية ، لبنود اتفاقية مبرمة بينها وبين النظام السوري منذ عام 1974م ، تقضي بوجود منطقة منزوعة السلاح على طول الجبهة بين البلدين ، بعمق 10 كيلو متراً في القطاع الشمالي ، و20 كيلو متراً في القطاع الأوسط ، و30 كيلو مترا في القطاع الجنوبي ، وأنه بموجب هذه الاتفاقية ، لا يجوز للقوات السورية الاقتراب منها ولا دخولها تحت أي اعتبار .. بل ليس لأحد أن يدخل تلك المنطقة إلا بموافقة قوات حفظ السلام الدولية ، وأن أي داخل إليها يخضع لتفتيش دقيق قبل الدخول …
والذي يعنينا من ذكر هذه الاتفاقية ، أنه كان ضمن هذه المنطقة المنزوعة السلاح بعضُ القرى السورية المؤيدة للثورة ، فاقتحمتها دبابات الأسد ومروحياته ، وأنزلت فيها أقسى الضربات لإسكات أهلها وقمعهم …
ودخولُ المعدات الحربية إلى هذه القرى يعد خرقا صارخا للمعاهدة التي أشرنا إليها قبل قليل .. ومع ذلك فإن إسرائيلَ لم تعترضْ على هذه الخروقات ، وآثرت أن تغضَّ الطرف عن النظام السوري (الممانع) وكلمة الممانع هنا تساوي (الخائن العميل) . ولكنْ لماذا تعترضُ إسرائيل على مَنْ ينوبُ عنها في قتلنا وإبادتنا ، وإذلالنا وإهانتنا .
ولولا خوف الإطالة والخروج عن أصل الموضوع ، لذكرتُ لك ما فعل النظامُ بكل واحدةٍ من هذه القرى ، لذلك سأكتفي باستعراضِ ما قام به من إجرام في ( قرية جبات الخشب ) لتتصور من خلالها ما فعل بغيرها ، فقد قام اللواء 90 باقتحامها بثلاثة آلاف جندي ، وأكثر من 60 دبابة ، وثلاثين من العربات المصفحة ، وخمس من سيارات الذيل المحمَّلة بالذخيرة الحربية ، وعشرات الباصات المحمَّلة بالشبيحة وعناصر الأمن المجرمة . مما أدى إلى انشقاق بين الجنود ، تَمَّتْ تصفيتُهم في الحال ، فكانت حصيلةُ هذه الحملة الإجرامية قتلَ أكثرَ من خمسة عشر جنديا حاولوا الانشقاق ، وقتلَ 20 مدنياً من أهل القرية ، وجرحَ أكثرَ من 200 مُوَاطِنٍ من الرجالِ والنساءِ والأطفال ، وتهديمَ عددٍ من المنازل بقذائف الدبابات …
ولم تكن قرية سحم الجولان ، هي القرية الوحيدة التي اقتحمها الجيش الأسدي وعاث فيها فسادا ، بل شاركها في هذه المحنة كلٌّ منَ : الحارَّةِ ، وتِسِيْل ، وجاسم ، ونَوَى .. وغيرها من القرى الواقعة على شريط الجبهة ، فقد اجتاحها الجيش الأسدي الخائنُ واحدةً واحدة ، فكان يرميها بقذائف الدبابات رميا عشوائيا ، فيهدم المنازل فوق رؤوس أهلها ، وكان يكسر أبواب المحلات ويسرقها . وكان يلاحقُ بطائراته المروحية بعضَ عناصر الجيش الحر المتواجدين فيها …
واللافتُ للنظر هنا ، أنَّ دخولَ هذه المعدات الحربية إلى تلك القرى محظورٌ بموجب تلك الاتفاقية ، التي أشرنا إليها قبل قليل ، لأنها واقعة في المنطقة المنزوعة السلاح ، وأن سكوتَ إسرائيل على ذلك يعني أنَّ دخول القوات السورية إلى تلك القرى ، إنما هو بموافقة إسرائيل ورضاها ، وهذا يعني أن هنالك صفقةً ، أبرمها بشارُ الأسد مع الموساد الإسرائيلي ، وأنَّ هذا الولد المجرم أكثرُ خيانة من أبيه المقبور ، وأنه مستعدٌّ كأبيه لأن يتنازل رسميا لإسرائيل عن كل التراب السوري الواقع تحت سلطة الاحتلال ، في مقابل بقائه على كرسي الحكم في سوريا .
ولعلَّ مثلَ هكذا صفقة خيانية ، هي ما جعلتْ إسرائيلَ تتغاضى عن هذه الخروقات ، وتقدم لبشار الأسد كل التسهيلات الميدانية ، والمساعدات الإلكترونية ، وأدوات التنصُّت التي يمكنها تحديد مواقع هواتف الثريا المحمولة ، التي يستخدمها الثوار . ولعل مثل هذه الصفقة الخطيرة ، هي ما جعلتْ إسرائيلَ تُحلِّقُ بطيرانها الاستطلاعي فوق المناطق التي يتواجد فيها الجيش السوري الحر ، لتحديد مواقعه وإحداثيات تواجده ، وتسليمها للنظام السوري ، ليقوم بقصفها بالطيران .
وليس هذا وحسب ، فإن عجائز إسرائيل تُصلِّي وترفع أكفها بالدعاء لبشار الأسد . وإن رئيس الاستخبارات الإسرائيلي ينذر بشر مستطير بعد الأسد .. وإن بعض الصحف الإسرائيلية تلقب الأسد بملك إسرائيل المتوج ، ومثل هذا الكلام يعني أن الرجل محفوف بعناية اليهود ، ومطمئنٌّ إلى أنه سيبقى على الكرسي . ولم يعلم الغبيُّ أن الله أقوى من إسرائيلَ ، وأقوى من أصدقاء إسرائيلَ الذين يتآمرون علينا بالدابي تارة ، وبكوفي عنان تارة أخرى ، ولكنهم لن يحولوا دون إسقاطه ، وقصارى ما يفعلونه أن يزيدوا من عدد الشهداء والدماء . ثم تكون النهاية المحتومة ، فَيُطرَدَ الأسدُ ويُرحَّلَ إلى مكان قصيًّ ، يقضي فيه بقيةَ حياته خائفا يترقب .. أو يُرحَّلَ من الدنيا بقتله وصلبه ثم رميه للكلاب ، وحرق عظامه بزبل الخنازير ، تطهيراً للأرض من بقائه عليها ، وصوناً لباطنها من إيواء جيفته فيها .