الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فنسمع هنا وهناك الدعوة إلى الحرية ، ونرى أناساً يبذلون مهجهم من أجل هذه الحرية ، ولا نجد نصاً في الكتاب والسنة يمتدح الحرية بهذا الإطلاق ، أو يجيز الخروج على أئمة الجور من أجلها ، أو يبيح الموت من أجلها !
وقد تولى كبر هذه الدعوة ، جمعٌ من الحركيين ولأن القوم قد اعتادوا على التحليلات السياسية و ما يسمى بالكتب الفكرية ، مما أحدث جفوةً بينهم وبين اللغة التي يفهمها أهل الحديث ، وهي لغة الدليل ، قررت أن أخاطب بلغةٍ أقرب إلى فهمهم .
لهذا ستجد نقولاً عن بعض من ليس مرضياً عند أهل الحديث ، ولكنه مرضيٌ عند القوم .
والآن لنبدأ مع معرفة أصل الدعوة إلى ( الحرية ) ومن أين جاءت :
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد [ في الإبطال لنظرية الخلط بين الإسلام وغيره من الأديان ص25 ] :
"ولفت الأنظار إليها والالتفاف حولها ، كالتلويح بالسلام العالمي ، ونشدان الطمأنينة والسعادة للإنسانية ، والإخاء ، والحرية ، والمساواة ، والبر والإحسان . وهذه نظيرة وسائل الترغيب الثلاثة التي تنتحلها الماسونية : " الحرية ، والإخاء ، والمساواة " أو : " السلام ، والرحمة ، والإنسانية "
وقال محمد بن سعيد القحطاني في [ الولاء و البراء ص 288] :
" ونحن إذ نقرر هذا الجواب المؤكد، فليس ذلك تجنباً أو مجرد ثورة عاطفة ضد هذا المذهب الإلحادي الكافر، بل هو عين ما يهدف إليه دعاة الماسونية العالمية التي تولت كبر الدعوة إلى هذه النحلة الجديدة بجميع أهدافها وشعاراتها.
ولذلك يقول أحد الماسون " إن ما تبغيه الماسونية هو، وصول الإنسانية شيئاً فشيئاً إلى النظام الأمثل الذي تتحقق فيه الحرية بأكمل معانيها وتزول منه الفوارق بين الأفراد والشعوب ويسود فيه العلم والجمال والفضيلة "
وقال صاحب رسالة [ مظاهر التشبه بالكفار في العصر الحديث ص 194] :
"والثاني هو الشعارات التي وضعتها الماسونية اليهودية للثورة الفرنسية وهي : الحرية والإخاء والمساواة, والديمقراطية هي المنطلق الأنسب لهذه الشعارات"
أقول : فالعلاقة بين الديمقراطية والماسونية وطيدة ، وكل داع إلى الديمقراطية خادمٌ للماسونية شاء أم أبى ، والتشابه الشديد بين مباديء الدعوتين يدل على وحدة المصدر .
وجاء في الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب (1/208) ما يلي :
"ـ في عام 1908 م بعد الإطاحة بالسلطان عبد الحميد بتآمر من جمعية الاتحاد والترقي التي رفعت شعار (الوحدة ـ الحرية ـ الإصلاحية) لتخفي وراءه دسائسها ومؤامراتها على الإسلام والمسلمين، ألّف بديع الزمان جمعية (الاتحاد المحمدي) واستخدموا نفس شعارات الاتحاديين ولكن بالمفهوم الإسلامي كشفاً لخدعهم التي يتسترون خلفها وتجلية لحقيقتهم الماسونية"
وجاء في البروتوكول الأول من بروتوكولات حكماء صهيون - إن صحت - قولهم
1/57):
" لقد كنا قديماً أول من هتف بكلمات : (الحرية والمساواة والإخاء) وما انفكت هذه الكلمات ترددها ببغاوات جاهلة ، يتجمهرون من كل حدب وصوب حول هذه الشعارات المغرية ، التي حكموا عن طريقها ازدهار العالم ، وحرية الفرد الشخصية الحقيقية ، التي كانت من قبل في حمى يحفظها من أن يخنقها السفلة .
ولم يعرف الذين يدّعون الذكاء وسعة الإدراك من الجوييم (= الأميين ) المعاني الرمزية التي تهدف إليها هذه الكلمات ، ولم يتبينوا عواقبها ، ولم يلاحظوا ما فيها من تناقض في المعنى ، كما لم يدركوا أن الطبيعة نفسها تخلو من المساواة ، وأن الطبيعة قد أوجدت أنماطاً غير متساوية في العقل ، والشخصية ، والأخلاق ، والطاقة ، وغيرها .
إن صيحتنا : ( الحرية والمساواة والإخاء) قد جلبت إلى صفوفنا فرقاً كاملة من زوايا العالم الأربع ، عن طريق وكلائنا المغفلين ، وقد حملت هذه الفرق ألويتنا في نشوة ، بينما كانت هذه الكلمات مثل كثير من الديدان تلتهم سعادة الجوييم (= الأميين ) وتحطم سلامهم واستقرارهم ووحدتهم ، مدمّرة بذلك أسس الدول ، وقد جلب هذا العلم النصر لنا ... ".
قال الأشعري عبد الرحمن حبنكة في [ كواشف زيوف المذاهب المعاصرة 1/141] :
" الفصْل الثاني
المُسَاوَاة : ومن الشعارات التي أطلقتها الماسونية شعار المساواة ، تضليلاً للناس ، وفتنة لهم ، لتقوم الصراعات بين الأفراد وبين الطبقات مطالبين بتحقيق المساواة المنافية والمصادمة لقانون الحق والعدل .
وقامت ثورة الفرنسية التي دبرها المكر اليهودي تحمل شعارها المثلث ، والمساواة أحد أركانه واندفعت الجماهير مفتونة بشعار المساواة ، ومخدوعة بالمساحة القليلة المقبولة منها ، ولكن اللعبة المضللة زحفت زحفاً بالمساواة زحفاً تعميمياً باطلاً ، وناشراً لفسادٍ عريض .
وقامت فتن عامة تطالب بتحقيق المساواة ، ونجم عن ذلك خلخلة في نظام الحياة ، وإفسادٌ للمجتمع البشري .
وزحف هذا الشعار إلى أدمغة مفكرين وعلماء وكتاب ، فجعلوه في مقولاتهم أحد المبادئ الإنسانية الصحيحة ، ، وأحد المبادئ الإسلامية المجيدة ، غفلة منهم ، وانسياقاً مع بريق الشعارات التي تروّجها وسائل الإعلام الشيطانية المضللة "
وقال محمد قطب في [ مذاهب فكرية معاصرة 1/95] :
" حقيقة إن المحافل الماسونية المنتشرة فى فرنسا فى ذلك الوقت هى التى قامت بالتحضير للثورة ، وهى التي رفعت شعاراتها الخاصة - الحرية والإخاء والمساواة - شعارات للثورة الفرنسية ، على غير وعى " الأميين " الذين قاموا بها ! وإن بعض الخطباء من اليهود اشتركوا فى إلهاب حماسة الجماهير وتفجير الغضب المكبوت ... ولكن هل كان فى طوق اليهود - مهما فعلوا ، ومهما تكن براعتهم الشريرة - أن يشعلوا الثورة لو لم تكن خاماتها موجودة فى النفوس ومستعدة للاشتعال ؟!"
أقول : هكذا أشعل الماسونيون الثورة الفرنسية
1- رفعوا شعارات براقة مثل ( الحرية ، الإخاء ، المساواة ) وهذه لا تختلف عن ( عيش ، حرية ، عدالة إجتماعية ) ، والمساواة اليوم تتمثل في قول البعض ( لا فرق بين الهلال والصليب ) أو ( لا فرق بين علوي وسني )
2- ألهبوا حماسة الجماهير واستغلوا كبتهم .
وقال الشيخ عبد الرحمن الدوسري في [ الأجوبة المفيدة لمهمات العقيدة ص102 ] :
" وقد جاء في قرار المؤتمر الدولي المنعقد في ( بروكسل ): يجب أن لا يغرب عن الأذهان أن الماسونية هي التي دبرت الثورة الفرنسية في محافلها لأجل تحقيق أغراضها وجاء في محفل الكرسي الأكبر سنة ( 1922 م ) ( ص 281 ): أن الماسونية التي لعبت أهم الأدوار في إشعال الثورة الفرنسية يجب أن تكون على أهبة الاستعداد للقيام بأية ثورة منتظرة في المستقبل"
أقول : والصفة الكاشفة لهذه الثورات المتوقعة أن تحمل نفس الشعارات ، بنفس الأهداف
وقال ناصر القفاري في [ أصول مذهب الإثنا عشرية 3/1141] :
" وهذه الخلايا السرية تتخذ شعارات أشبه ما تكون بشعارات الماسونية فهي تارة ترفع شعار ( التقريب بين المذاهب الإسلامية ) "
أقول : إذن التقريب بين المذاهب المنتسبة للإسلام مستوحى من المباديء الماسونية ومن أشهر قواعد التقريب بين المذاهب المنتسبة للإسلام قاعدة الإخوان ( نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه ) وهي مستلهمة من الماسونية ، فمحمد رشيد رضا واضعها اتصل سنده بالماسونية شعر أو لم يشعر ، عن طريق شيخه الماسوني محمد عبده ، ولهذا فالسند الإخواني متصل بالماسونية شاءوا أم أبوا .
وقد ادعى بعضهم رجوع محمد عبده عن الماسونية ، وإليك حقيقة هذا الرجوع
قال محمد رشيد رضا في [ مجلة المنار 8/401] :
"إن الأستاذ الإمام - رحمه الله تعالى- ترك الماسونية من زمن طويل ، وقد أكثر أبناؤها من دعوته إلى محافلها بعد رجوعه من النفي إلى مصر فلم يجب ، وأهدوا إليه وسامًا فلم يقبله .
وقد سألته عن حقيقتها مرة فقال بأن عملها في البلاد التي وجدت فيها للعمل قد انتهى ،وهو مقاومة سلطة الملوك والباباوات الذين كانوا يحاربون العلم والحرية وهو عمل عظيم كان ركنًا من أركان ارتقاء أوروبا ، وإنما يحافظون عليها الآن كما يحافظون على الآثار القديمة ، ويرونها جمعية أدبية تفيد التعارف بين الناس "
أقول : فسبب تركه لهم أن سبب انتسابه لهم قد زال وهو مقاومة الطغاة ، فالماسونية ترفع شعار حرب الاستبداد في مصر منذ ذلك الزمن ، وأسال ذلك لعاب محمد عبده وشيخه الرافضي جمال الدين الأفغاني ، ومات محمد عبده ولم يظهر ندماً على الاستعانة بهم في حرب الطغاة !، وتأمل استخدام محمد عبده لمصطلح ( الحرية ) ، ومحمد رشيد رضا لم يأخذ من محمد عبده علم الحديث ففاقد الشيء لا يعطيه ، وإنما أخذ عنه العقلانية الجامحة .
وقد تفطن لاتصال قاعدة ( المعذرة والتعاون ) بالحركة الماسونية العلامة ربيع بن هادي المدخلي – حفظه الله تعالى - حيث قال كما في مجموع رسائله وفتاويه (14/ 205) :
" الآن يقودوننا إلى وحدة الأديان انطلاقاً من القاعدة الخبيثة المدمرة ( نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه ) ، هذه قاعدة ماسونية نجسة ، هذه القاعدة وضعها الماسون لجمع الشعوب والأمم والأديان والملل والنحل تحت راية ماسونية واحدة ، فجاءت هذه القاعدة تدعو في أول الأمر أنا نجمع المسلمين ، وما يخجلون من إدخال الروافض والباطنية والصوفية فيها ثم لما تمكنوا أعلنوها دعوة إلى أخوة النصارى ، الحزب الإبراهيمي ، وحدة الأديان "
وهذا الاتصال التاريخي بين الماسونية ودعوة الإخوان المسلمين يفسر لنا شغف عدد من دعاة الإخوان بالدعوة إلى ( الأخوة الإنسانية ) ، وهي دعوة ماسونية أيضاً.
فيرى القرضاوي أن اليهود والنصارى هم إخواننا في الإنسانية ؛ وعليه فيمكننا أن نقول : أخونا اليهودي فلان ! وأخونا النصراني علان !( انظر : نحو وحدة فكرية للعاملين للإسلام ص81 )
وقال سيد قطب في تفسيره لسورة آل عمران من ( في ظلال القرآن ) :
"وفي الإنفاق تحرر من استذلال المال ; وانفلات من ربقة الشح ; وإعلاء لحقيقة الأخوة الإنسانية على شهوة اللذة الشخصية ; وتكافل بين الناس يليق بعالم يسكنه الناس ! والاستغفار بالأسحار بعد هذا كله يلقي ظلالا رفافة ندية عميقة "
قال بكر بن عبد الله أبو زيد في معجم المناهي اللفظية (2/97) :
" إنسانية :
اتسع انتشار هذه اللفظة البراقة بين المسلمين عامتهم وخاصتهم ، ويسْتمْلِحُ الواحد نفسه حين يقول : هذا عمل (( إنساني )) .
وهكذا حتى في صفوف المتعلمين ، والمثقفين ، وما يدري المسكين أنها على معنى (( ماسونية )) وأنها كلمة يلوكها بلسانه وهي حرب عليه ؛ لأنها ضد الدين فهي دعوة إلى أن نواجه المعاني السامية في الحياة بالإنسانية لا بالدين .
إنها في المعنى شقيقة قول المنافقين : { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} .
والخلاصة :
إنها محاربة المسلمين باسم : الإنسانية ، لتبقى اليهودية ، ويمحى رسم الإسلام ، قاتلهم الله وخذلهم .
وجزى الله الشيخ / محمد قطب ، خيراً على شرحه وبيانه لهذا المذهب الفكري المعاصر (( الإنسانية )) في كتابه النافع (( مذاهب فكرية معاصرة )) ص / 589 - 604 فانظره فإنه مهم . واهجر هذه الكلمة "
أقول : فات محمد قطب أن شقيقه سيداً كان محتفياً بهذا المصطلح !
وجاء في لقاءات الباب المفتوح للشيخ ابن عثيمين (185/9)- ترقيم الشاملة - :
"السؤال : ذكر الله عز وجل في القرآن الكريم قوله تعالى :{ كَذَّبَ أَصْحَابُ لْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ }، وقال تعالى في آية أخرى :{ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً } فهل مدين هم أصحاب الأيكة ؟
الجواب :
أصحاب الأيكة ليسوا من قوم شعيب، ولهذا قال في قومه : ( أخاهم ) وقال في هؤلاء :{ كَذَّبَ أَصْحَابُ لْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ} لكنهم قومٌ كلف الله شعيباً أن يذهب إليهم ، فذهب إليهم بأمر الله ، ومن ثم نعرف ضلال من قال : إن قوله :{ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً } أن هؤلاء إخوة له في الإنسانية ، وأن الأخوة الإنسانية الشاملة لكل إنسان ، فالكافر على تقدير قول هؤلاء يكون أخاً لنا ، وهذا لا شك أنه خطأٌ عظيم ، بل هي أخوة النسب ؛ لأنهم قومه فهم إخوانه ، ولا يمكن أن نقول : إن بني آدم إخوة في الإنسانية أبداً ؛ لأنه لا ولاية ولا إخوة بين المؤمن والكافر"
وجاء في فتاوى العلامة ابن باز ما يلي (8/ 178):
"من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ سماحة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر وفقه الله للخير
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد :
فقد اطلعت على مقالة لسماحتكم نشرتها صحيفة الجزيرة السعودية في عددها الصادر في يوم الجمعة 16 / 5 / 1415 هـ بعنوان : ( علاقة الإسلام بالأديان الأخرى ) ورد في أولها من كلامكم ما نصه : ( الإسلام يحرص على أن يكون أساس علاقاته مع الأديان والشعوب الأخرى هو السلام العام والود والتعاون ؛ لأن الإنسان عموما في نظر الإسلام هو مخلوق عزيز كرمه الله تعالى وفضله على كثير من خلقه .
يدل لهذا قول الله تعالى في سورة الإسراء :{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} والتكريم الإلهي للإنسان بخلقه وتفضيله على غيره يعد رباطا ساميا يشد المسلمين إلى غيرهم من بني الإنسان ، فإذا سمعوا بعد ذلك قول الله تعالى في سورة الحجرات :{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } أصبح واجبا عليهم أن يقيموا علاقات المودة والمحبة مع غيرهم من أتباع الديانات الأخرى ، والشعوب غير المسلمة . نزولا عند هذه الأخوة الإنسانية ، وهذا هو معنى التعارف الوارد في الآية . . )
ثم قال الشيخ :
ولقد كدرني كثيرا ما تضمنته هذه الجمل من المعاني المخالفة للآيات القرآنية والأحاديث النبوية ، ورأيت من النصح لسماحتكم التنبيه على ذلك :
فإنه لا يخفى على سماحتكم أن الله سبحانه قد أوجب على المؤمنين بغض الكفار ، ومعاداتهم ، وعدم مودتهم وموالاتهم ، ما في قوله عز وجل :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }
وقال سبحانه في سورة آل عمران : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ }
وقال سبحانه في سورة الممتحنة : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ....الآية }،
وقال سبحانه في سورة المجادلة : { لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ...الآية} .
فهذه الآيات الكريمات وما جاء في معناها من الآيات الأخرى كلها تدل على وجوب بغض الكفار ، ومعاداتهم ، وقطع المودة بينهم وبين المؤمنين حتى يؤمنوا بالله وحده .
أما التعارف الذي دلت عليه آية الحجرات فلا يلزم منه المودة ولا المحبة للكفار ، وإنما تدل الآية أن الله جعل بني آدم شعوبا وقبائل . ليتعارفوا"
إلى آخر كلامه رحمه الله
قال أبو داود [ 1510 ] :
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِىُّ - وَهَذَا حَدِيثُ مُسَدَّدٍ - قَالاَ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ : سَمِعْتُ دَاوُدَ الطُّفَاوِي قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو مُسْلِمٍ الْبَجَلِي عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ : سَمِعْتُ نَبِي اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ وَقَالَ سُلَيْمَانُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي دُبُرِ صَلاَتِهِ :
اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَىْءٍ أَنَا شَهِيدٌ أَنَّكَ أَنْتَ الرَّبُّ وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَىْءٍ أَنَا شَهِيدٌ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَىْءٍ أَنَا شَهِيدٌ أَنَّ الْعِبَادَ كُلَّهُمْ إِخْوَةٌ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَىْءٍ اجْعَلْنِى مُخْلِصًا لَكَ وَأَهْلِى فِى كُلِّ سَاعَةٍ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ اسْمَعْ وَاسْتَجِبِ اللَّهُ أَكْبَرُ الأَكْبَرُ اللَّهُمَّ نُورَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ». قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ « رَبَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ». « اللَّهُ أَكْبَرُ الأَكْبَرُ حَسْبِىَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ اللَّهُ أَكْبَرُ الأَكْبَرُ ».
أقول : هذا الحديث ضعفه الألباني ، داود الطفاوي له مناكير وشيخه مجهول وهذا الحديث يخالف الأخبار الصحيحة
قال الإمام البخاري [ 2442 ] :
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَالِمًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
وقال الحافظ في الفتح (9/ 200):
" وقال الخطابي قطع الله الأخوة بين الكافر والمسلم فيختص النهي بالمسلم وقال ابن المنذر الأصل في هذا الإباحة حتى يرد المنع وقد ورد المنع مقيدا بالمسلم فبقي ما عدا ذلك على أصل الإباحة وذهب الجمهور إلى الحاق الذمي بالمسلم في ذلك وأن التعبير بأخيه خرج على الغالب فلا مفهوم له "
واعجب من استدلال القرضاوي بحديث أبي داود الواهي مع تضعيفه لحديث الافتراق ورده عدداً من الأحاديث الصحيحة بعقله !
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه
عبد الله الخليفي .
منقول .