بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد: ففي هذه الأثناء تمر على إخواننا في دار الحديث وقلعة العلم بـ"دماج" أيام عصيبة، حيث يحاصر الحوثيون الرافضة هذه القرية الصغيرة في محافظة صعدة، والتي تبعد حوالي سبعة كيلو مترات في الجنوب الشرقي من مدينة صعدة.
دار العلم في دماج هي دار أسسها العلامة مقبل بن هادي الوادعي بعد عودته من المملكة العربية السعودية، وكانت في البداية دار صغيرة بنيت من الطين، ولكن بفضل الله ثم بفضل الجهود الجبارة التي بذلها الشيخ -رحمه الله- من الصبر على الدعوة وتحمل الأذى من بني جلدته[1]، فقد بارك الله بهذا الجهد وكبرت الدار وزاد نشاطها، حتى أمَّها الطلاب من كافة أنحاء العالم لطلب العلم والحديث، وتخرج فيها الكثير من العلماء وطلبة العلم سواء في اليمن أو خارجها، ومنهم ذو شهرة واسعة وأسماء لامعة.
وبعد وفاة الشيخ مقبل الوادعي -رحمه الله- استمرت تلك الدار بنشر علوم السنة المطهرة لكل طالب ووافد دون كلل أو ملل. لكن تلك الحركة الحوثية التي تربت قياداتها في إيران لم يرق لها ذلك؛ إذ على بُعد أمتار معدودة من معقلها في صعدة تدرس علوم السنة ويُترضَّى على أبي بكر وعمر، فحاولت تلك الحركة الباطنية المارقة فرض الحصار مع الهجوم المسلح؛ لاجتثاث أهل السنة من تلك المنطقة ليخلو لهم الجو دون منهج مقاوم أو منازع لفكرهم المنحرف.
إن الحركة الحوثية قد سارت في هذا العمل على نهج أسلافهم من الباطنية القرامطة والإسماعيلية في الفتك بأهل السنة كلما سنحت لهم الفرصة في ذلك، أو تمكنوا منهم، وهذا تاريخهم شاهد على تلك الجرائم التي ارتكبها القرامطة في بلد الله الحرام، من قتل الحجيج في مكة وقلع الحجر الأسود، وكذلك جرائم البويهيين والإسماعيلية الفاطمية التي يندى لها الجبين. فعلى سبيل المثال من جرائمهم: روي أن عروس المؤذن (ت 317هـ) وكان مؤذنًا في أحد المساجد، شهد عليه بعض الشيعة أنه لم يقل في أذانه "حي على خير العمل"، فكان جزاؤه أن قُطع لسانه ووضع بين عينه وطيف به في القيروان، ثم قُتل. أما الإسماعيلية النزارية في بلاد الشام فحدِّث ولا حرج من فتكهم واغتيالهم لخيرة قادة المسلمين الذين تصدوا للعدوان الصليبي على بلاد المسلمين.
لقد منع الطعام والشراب عن دماج منذ أكثر من أربعين يومًا؛ حتى لا تدخل ولا حبة أرز أو بر واحدة، في ظل صمت عالمي مطبق على تلك الجريمة التي تحدث في القرن الواحد والعشرين، وفي ظل تشدق كثير من المنظمات العالمية بشعار حقوق الإنسان! هذا إذا علمنا أن كثيرًا من الجنسيات الغربيَّة هم من يقطنون في تلك المنطقة ويتلقون العلوم الشرعية، وقد قُتل قسم منهم -رحمهم الله- على أيدي الحوثيين. والعجيب أنه عندما يُخطف سائح أو خبير أجنبي في المغرب العربي أو إفريقيا أو أفغانستان أو في اليمن نفسها تبدأ وسائل الإعلام ومعها السفارات والمنظمات الحقوقية مباشرة في تقصي الحقائق ونشر الخبر، وهؤلاء الطلبة هم من نفس الجنسيات الأمريكية منها والأوربية، وقد قُتلوا على أيدي الحوثيين، ولكن دولهم لا تلقي لهم بالاً، ألا يثير ذلك العجب؟!
لقد وثَّق مجموعة من الصحفيين اليمنيين وصلوا إلى أرض دماج بشقِّ الأنفس وتعرضوا للتضييق والإهانات بل والتهديد، بل أُمر أحدهم أن يسجد لعبد الملك الحوثي أو صورته، كما ذكر ذلك الشيخ يحيى الحجوري في أحد دروسه[2]، وأخذت منهم ذاكرة الفيلم الذي صوروه في دماج! وبعد جولة ميدانية في أرض الحدث ذكر هؤلاء الإخوة الصحفيون الأمر المهول الذي شاهدوه من قلة الغذاء والدواء؛ فالبقالات فارغة، والمخازن لا تجد فيها كيس دقيق أو أرز، كما أن هناك نقصًا مخيفًا في الأدوية والعلاجات الطبية، ومن شدة القنص فإن بعض الأشخاص قد دفنوا في منازلهم، ولم يستطع ذووهم أن يدفنوهم في المقبرة[3].
كما أن الناس يتنقلون عبر سراديب قد حفرت خشية عمليات القنص من قبل الحوثيين، والتي لم تفرق بين رجل أو امرأة أو طفل! فقد قُنصت امرأة تحفظ كتاب الله كانت في طريقها إلى المركز أمام مصلى النساء[4]. كما أن الحجاج قد منعوا من حج بيت الله الحرام. ووجهت منظمتا هود والكرامة نداء عاجلاً من أجل السماح للمعونات الطبية والغذائية للوصول إلى قرابة ثلاثة آلاف أسرة يمنية، وطلاب أجانب يعانون من نقص كبير في الغذاء والدواء، وهم في وضع صحي وإنساني غاية الصعوبة، ونتيجة لهذا الظرف المأساوي فقد مات أربعة أطفال من الجوع وسوء التغذية. ولشدة القنص؛ فإن شبابيك المسجد قد بنيت بالطابوق خشية تعرض طلبة العلم والمصلين لنيران القناصة[5].
إن هذه صورة مصغرة للكارثة الإنسانية التي تحدث الآن في دماج على سمع وبصر العالم. إن ممارسة كل الأساليب الدنيئة والسادية من القتل والتعذيب، كذلك الخيانات قد مارسها الشيعة الباطنية في حق أهل السنة ومنذ نشوء تلك الفرق الضالة، ومن ضمنها استعمال أسلوب الحصار لاجتثاثهم بأسلوب الموت البطيء إن لم يستطيعوا اقتحام المكان الذي فيه أهل السنة.
