إذن، هذا هو غليون يكشف عن وجهه الحقيقي، وجه لا يختلف عن وجوه الأنظمة المتخاذلة التي باعت الأوطان من أجل الكرسي.
غليون نسخة ممسوخة إذن من الأسد، ومن القذافي وصدام وغيرهم من الحكام الذين رهنوا بلدانهم ومستقبل شعوبهم.
برهان غليون، الذي مازال مشروع حاكم، سيلتزم بالسلام مع إسرائيل و"يحارب" في المقابل إيران وحزب الله، فهو يصر على أنه بعد رحيل الأسد، لن يبقى حزب الله على ما هو عليه.
نعم، حزب الله الذي واجه وحده حربا مع إسرائيل وهزمها، رغم تحالف الجميع ضده بمن فيهم الطوائف اللبنانية الأخرى، سيناصبه غليون العداء ويقوض حجمه في المنطقة!
تصريح غليون هذا، وما سبقه من تصريحات لــ "ثوار" ليبيا الذين قالوا إنهم مستعدون للتعامل مع إسرائيل بعد أن رهنوا ثروات ليبيا بيد الفرنسيين، يوحي بالوجه الذي ستكون عليه الأنظمة العربية التي ستلد من رحم "الثورات" المزعومة، وجه أكثر بشاعة من الأنظمة الشمولية المتهالكة، وجه سيقضي حتى على ما تبقى من مكاسب القومية والوطنية العربية.
فالزعماء الجدد عازمون على التضحية بكل شيء أيضا من أجل الوصول إلى الحكم، تماما مثلما فعلت الأنظمة التي يريدون إسقاطها.
غليون الذي عرفناه مثقفا عربيا وناقدا وناقما على الراهن العربي، ها هو يرهن هو الآخر مستقبل ليس بلاده فحسب، بل مستقبل منطقة بأسرها، وها هو يخلط الأوراق ويصبح معه العدو مشروع صديق، والأصدقاء مشاريع أعداء مستقبليين، لا لشيء إلا لأن أمريكا وإسرائيل والغرب كله تحالف ضد إيران، وضد حزب الله وحماس، فكان لابد من إعلان مشروع الحاكم غليون عداؤه لهؤلاء، لأنها الطريق الوحيد الموصل إلى الحكم.
نعم، الرجل فهم جيدا الدرس القطري، وها هو ينجح في أول امتحان التصنيف الجديد، ويحدد أعداؤه، ولا أقول أصدقاءه، لأن إسرائيل هي من تحدد أصدقاءها وليس الآخرين.
هذا هو زمن العز العربي الذي أفرزته ثورات الزعامة القطرية، فالخريطة واضحة، ولا مستقبل لخطاب "الأمة العربية" الذي ضحكوا به علينا وأكلوا من ورائه ذهبا لعقود.
نعم، الأسد دموي ومجرم ونظامه الشمولي لابد أن يرحل، لكن يبدو أن الآتي أسوأ .. الآتي مشروع لا يشبهنا، ولا يشبه تطلعات الإنسان العربي، وقد عبر عنه غليون لا أقول بكل صراحة، وإنما بكل
وقاحة، فهو الآخر ميكيافيلي وضع الكرسي نصب عينيه ومستعد للمرور على جسد والدته إن لزم الأمر، وليس فقط على جسد إيران وحزب الله.. ففيما يختلف عن الأسد؟؟