![]() |
|
خيمة الأدب والأُدباء مجالس أدبيّة خاصّة بجواهر اللّغة العربيّة قديما وحديثا / مساحة للاستمتاع الأدبيّ. |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | ||||
|
![]() معاناة الشعب الجزائري كانت المرأة التي يكون زوجها أو ابنها ملتحقا بالجبل لا تقدر على لبس الحايك و هو لحاف طويل أبيض اللون تستر المرأة الجزائرية به نفسها ؛ فتضطر للسترة بقطعة قماش طويلة منعا لنفسها من الفرح إلى حين عودته ؛ كما ان شكله كلباس رث فلا يُظهر جمال المرأة و لا يلفت انتباه القُومية الخونة ( فالقُومية أو الحرْكَة كانوا أناس جزائريين لكن عملاء لفرنسا ) ، و هذا ما كانت تستعمله عائشة زوجة أبا القاسم كلحاف و والدته ؛ التي لجأت إلى واد بعيد لتبكي فيه فلا تخشى أن يُسمع صوتها ؛ فقد كان كل من لديه قريب بالجبل يجاهد ضد فرنسا عليه أن يحتاط بأن لا يعرف العسكر بذلك حتى لا يأخذوه كنقطة ضعف يهددون بها المجاهد ليسلم نفسه و لذا فقد كانت الأم لا تُخبر أحدا ؛ إلى أن جاءها خبر من عدو لهم خائن يعمل لصالح فرنسا الحرْكي مثلما كانوا يسمونهم و قال لها : ـــ لقد شبت معركة بين فرنسا و الجزائريين و قُتل ولدك أبا القاسم بخضمها. لم تقل مريم شيئا حتى لا يشعر بها أحد و يأتي العسكر لأخذ عائشة و أولادها آخر ما تبقى لها ، فركضت إلى الوادي مكانٌ بعيد و هنا أجهشت باكية فلم يكن يسكن أحد هناك ؛ فبإمكانها أن تصرخ و بإمكانها أن تُخرج كل الأحزان التي تكبتها منذ بدء هذه المحنة التي طالت عليها كثيرا . لمريم والدة أبا القاسم أربعة ذكور محمد ؛ علي ؛ أبا القاسم و عمر و بنتين خطفهما المرض منها لأنها لم تكن تملك المال لمعالجتهما و بعدها قُتل الثلاثة فلم يكن لها أمل بالحياة إلا أن تعيش لأجل أبا القاسم فاهتمت بأولاده إلى حين عودته لكنه لن يعود هو الآخر لمن ستحيا و كيف ستتمكن من العيش دون أمل و أثناء هذا الفيض من الدموع و الصراخ يمر احد معارفها إبراهيم فيسمع بكاء ناحية الوادي فيتجه إليه كي يتفاجأ بها و اقترب منها مستغربا و هو يسألها عن سبب البكاء و سبب تواجدها هنا بمكان منعزل ، لقد كان إبراهيم من المقربين إلى المجاهدين فيأتي أحيانا بأخبارهم إلى الأهالي حتى لا يقلقوا : ـــ لماذا تبكي يا أختي مريم ولماذا أنت هنا وحدك بهذا المكان الموحش ؟ فتنظر إليه و هي لا تقوى على أن تنطق بها ؛ فاقترب أكثر و هو يُصر على معرفة ما يحدث ثم نطقت بصعوبة : ـــ قيل لي أن ولدي قُتل فماذا بقي لي أنا . علت على ملامح إبراهيم علامات الاندهاش و هو يقول : ـــ من هذا الكاذب الذي أخبرك بذلك ؟ قالت بصوت مبحوح يائس : ـــ احمد علي قدم الدشرة و عند وصوله إلينا قالها و كأنه سعيد بذلك . اشتدت حدة صوت إبراهيم و هو يقترب منها : ـــ الكاذب الملعون ذلك الخائن كان يود أذيتكم بهذا فكيف تصدقونه ؟ فالبارحة كنت بصحبة المجاهدين و أبا القاسم وسطهم بخير و لم يشارك بهذه المعركة لأنه كان مكلف بأمر أهم مع الجبهة بمناطق بعيدة أخرى و لو كان حدثا كهذا وقع فأنا أول من سيعلمه و أول من يخبركم . فرفعت مريم رأسها و هي تنظر إليه غير مصدقة : ـــ أحقا ما تقول ؟ ولدي لازال حيا ؟ فابتسم : ـــ أجل . و فجأة تغيرت ابتسامته لغضب و هو يبتعد عنها : ـــ سأذهب إلى ذلك الخائن الذي لا يتنمر إلا على النساء بغيابنا . ثم يستدير ناحيتها : ـــ عودي أنت الآن إلى البيت و مرة أخرى لا تصدقي إلا الأخبار التي آتيك بها أنا . عادت مريم كمن يولد من جديد و هي لا تعلم هل ما حدث من ساعتين فقط كان كابوسا و استفاقت منه أم انه حقيقة . فمعاناة مريم و عائشة هي معاناة كل جزائري فارقه أحد من أقاربه كي يلحق بالجبل للجهاد . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ عائــــــــشـــــة الآية الربانية عائشة امرأة شهد لها الكل بجمالها الأخَّاذ و لذا كان يتهافت الكثير من الخطاب عليها ؛ فكان والدها يتردد كثيرا في قبول احدهم دون أن يُغضب الآخر و اشتد الحديث عنها بين الرجال الذين يرغبون بها كزوجة و أُما لأبنائهم ؛ بهذا كان حتما طبيعي أن يصل الأمر إلى النساء و تشتد غيرة قريناتها فكانت كل بنات عمها يتساءلن : ـــ بماذا تتميز عنا و لماذا الكل يسعى لخطبتها ؛ إلى اليوم الذي تعارك فيه خطيبين كل واحد منهما يقول : ـــ هي لي .... و ارتفع صوتهما و شب العراك بينهما إلى درجة رفع السلاح و التهديد بالقتل و كل واحد يقول : ـــ أنا الأول الذي تقدم لخطبتها فأنا الأحق .... فأصبح أحد الاثنين يقول : ـــ إذا أخذها أي أحد سأقتله .... أثار كل هذا غيرة أمَّر بنفوس فتيات ينتظرن دورهن بالزواج فلم يكن من تأثير العين على عائشة إلا أن قرر والدها عدم تزويجها لأي من الخطاب و أصبح يقول : ـــ ليس لي بنات للزواج .... كانت لي ابنة اسمها شريفة و قد تزوجت و انتهينا .... سرت قريباتها من هذا القرار الذي استغربته عائشة و لكنها تقبلته بصدر رحب كعادتها فقد كانت فتاة هادئة الطبع و ذات حكمة و فراسة و بذلك لم يكن الجمال الخارجي فقط هو ميزتها بل و أيضا جمالها الروحي و العقلي ، كانت بيضاء البشرة ناعمة الملمس و كان شعرها الناعم أشقرا طويلا ؛ لم يكن طولها مبالغ فيه كما لم تكن بحاجة للبس الكعب العالي كي تظهر بين النساء ؛ ذات جسد رشيق و عيون فاتحة اللون بوجه بيضاوي و ثغرها ذا شفتين صغيرتين ؛ وجها بشوشا و طلقا على الدوام فلم يكن بإمكانك أن تلمح علامات الغضب أو الضيق على ملامحها حتى و إن كانت كذلك ؛ فكان هذا أكثر ما يحبب الناظر إليها فقد أحسن المولى خَلقها و خُلقها ، إن سمات و مزاج أي شخص تنعكس على وجهه لكن عائشة كانت تبدو دوما مرتاحة فكان يصعب على الشخص معرفة مكنونات نفسها من انزعاج و غيره . تزوجت بعد ذلك كل فتاة كانت تحسدها على تهافت الخطاب عليها و ظلت تنتظر نصيبها إلى أن رضي والدها كي يكون هذا الشاب الوسيم هو رفيق دربها ؛ فقد وافق الوالد على تزويجها إلى أبي القاسم الولد الثالث لأمه فلم يكن والده موجودا لحضور هذه المناسبة المهمة فكانت مريم الأم هي الرجل و المرأة بعائلتهم . كانوا أربعة إخوة ؛ كما لم تكن الفرحة تسع أبا القاسم فالمرأة التي كثر الحديث عنها بين النساء و الرجال و التي سيفوز بها كانت من قدره و هو الذي لم يكن يخطر بباله هذا النوع من الأحاديث فقد كان رجلا مستقيما و لا يحب الخوض في تلك المواضيع التي يخوض فيها من هم أقرانه ؛ بل ظل يعتبر هذه الأمور مكتوب و نصيب ليس إلا ؛ و هكذا كان مكتوبه و نصيبه هذه الفتاة الشابة الجميلة و هذه الصبية الفذة . و أخيرا ... اقترب موعد الزفاف ؛ فقد كانت عائشة تُحدث إحدى بناتها بعد سنوات طوال من زواجها : ـــ كثرة الحسد و الغيرة من قريباتي و كل من سمع بكثرة خُطابي جعل زواجي يتأخر في حين كل من غارت مني و حسدتني تزوجت فيما بعد و بقيت أنا ببيت أبي فحتى أختي الوحيدة أذكر يوم أن خاصموها أهل زوجها لأنهم أرادوا أيضا خطبتي لكنني رفضت لكوني كنت أرى كيف كانوا يعاملونها فكيف أقبل أن أرمي بنفسي إلى الهلاك فالزواج بالنسبة لي استقرار و تفاهم و أهم شيء الاحترام . فقالت ابنتها : ـــ لكنك لم تتضايقي بتأخر زواجك بعد كل تلك الأحداث ؟ ابتسمت ابتسامتها الهادئة : ـــ ألست فتاة فرحتها الكبرى ليلة زفافها ... طبعا تضايقت كثيرا و حزنت لكن بداخلي و حدثت نفسي يا الهي كم صرخت الكثير من الفتيات و قلن لما هي بالذات و ها هن قد تزوجن قبلي و بقيت أنا سنوات بعدهن ؛ فهل تذكرتني أي واحدة منهن و قالت حرام علينا كم حسدناها فآذيناها أبدا بل كل واحدة لم تكن تفكر إلا بنفسها . اقتربت ابنتها و رفعت ذراعيها لتحيط أمها بهما و هي تقول لها : ـــ لكنك الأجمل فلازالت كل واحدة تقول كم كانت عائشة جميلة ... فأقول أنا بل لازالت جميلة . فتضحك عائشة : ـــ جميلة ؟ و وجهي تملئه هذه التجاعيد فالعجوز عجوز و لا جمال لها . ـــ و الله يا أمي كنت و لازلت أراك دوما الأجمل . ـــ لأنني والدتك . ـــ بل لأنك حقا جميلة و بشهادة الكل حتى من يحسدونك . تتنهد : ـــ إييه ... لازلت إلى الآن محسودة و لذا لا أشفى أبدا .
|
||||
![]() |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc