ابن عثيمين يحاور المسلّحين
(معالم في التعامل مع الفئة الضالة)
الوطن وطن الجميع .. والمصاب مصاب البلاد كلها .. وعلى الرغم من عظم مصاب البلاد والعباد بأعمال القتل والتفجير ؛ فإن كثيراً من أطروحاتنا وكتاباتنا حول هذه الظاهرة لا تزال بحاجة إلى مزيد من التشخيص الصحيح لحقيقة الفكر الموبوء الذي تقوم عليه هذه الأعمال ، والذي يوصل إلى العلاج الناجع للقضاء على هذه الظاهرة أو محاصرتها على أقل تقدير .
وحينما تتحول بعض كتاباتنا إلى مجرد ممارسات شجب واستنكار لإرضاء أو ترويض العواطف العارمة لا إلى تفعيلها ، ودغدغة المشاعر الملتهبة لا إلى توظيفها ؛ فإننا نكون كالذي يستبسل في سب اللصوص ، دون أن يكلف نفسه بأدنى عمل مفيد يتدارك به ما سرقوا منه في الحاضر ، أو يتقي به شرهم في المستقبل .. كما وقع للأعرابي لما سُرِق بعيره أمام عينيه ، فقيل له : ماذا فعلت باللصوص؟ قال : أوسعتهم شتماً وساروا بالبعير !!.
إن سبّ هؤلاء البغاة وهجوهم ، وبث الشكوى من ظلمهم وإجرامهم (وإن كان رد فعل طبيعي) ؛ قد يشفي شيئاً مما في الصدور ، لكن التوقف عنده والتعويل عليه وحده لا يمكن أن يغيِّر من الواقع المظلم شيئاً ، ولا يقدم حلاً .
ووالله لأن يوقد الواحد منا شمعة صغيرة خير من أن يلعن الظلام ألف مرة .
ناهيكم عن الأمر الأنكى من هذه السلبية المقنّعة ، وهو ما يقع في بعض الكتابات من مجازفة ورجم بالغيب وسوء معالجة لهذه الظاهرة .
الباب مفتوح ، و الميدان فسيح .. ومن حق كل كاتب ومفكر غيور على هذا الوطن أن يجرد قلمه للدفاع عنه والحفاظ على أمنه ، فالوطن كما أسلفت وطن الجميع ، والحفاظ على أمنه مسؤولية مشتركة . لكن هذا الدافع النبيل لا يسوغ أن يعطي الحق لمن يسهم في اتساع الخرق من حيث يشعر أو لا يشعر ، على حد قول الشاعر :
أوردها سعدٌ وسعدٌ مشتمل ما هكذا تورد يا سعد الإبل
نعم .. أوردها ( ....... ) عدوانية تضليلية ، فاستغل هذه الأحداث لتصفية حساباته مع خصومه السابقين ، وبدأ ينقب في سيرة حياتهم ، ويستعرض كتاباتهم ونشاطاتهم ليلبس ما شاء منها عباءة الإرهاب أو تغذية التطرف ، تدليساً وتلبيساً على الأمة .
وأوردها ( ....... ) تبريرية تعاطفية ، فأجلب علينا بعضهم ولا سيما على الشبكة العنكبوتية بمغالطات منكرة ، فحواها أن هؤلاء الشباب تعرضوا لكذا .. وأن الدولة كذا .. وأن الأمة اليوم تتعرض لكذا ... والنتيجة أن هؤلاء أبرياء !!! .
وأوردها ( ....... ) شقاقية صراعية .. يتسابق فيها إلى مخالفة قرينه ، واطّراح فكرته ، واستهجان رؤيته ، بل واتهامه بالتعاطف مع هذه الفئة !! .. حتى أصبحت قضية الأمة (عند هؤلاء) حلبة صراع يتناطح فيها الأقران الوالغون في فتنة إعجاب كل ذي رأي برأيه ، ناسين أو متناسين المصلحة الكلية التي يجب الاحتكام إليها في القبول والرد ، وهي مصلحة البلاد العامة ، والحفاظ على أمنها ، ووقاية أهلها من الاحتراب والشقاق .
وأوردها ( ....... ) انتهازية ارتزاقية ، ممن شغف قلبه بالشهرة ، وأولع بالتصدر والتقديم ، والمتاجرة الفكرية طمعاً في نيل بعض الحظوظ الشخصية .
وأوردها ( ....... ) انحلالية تحررية ، ليحاول إقناعنا بأن الالتزام بالدين والتمسك بالعقيدة لا يمكن أن يجتمع وأمن الوطن ، إلا إذا اجتمع الضب والحوت !!! ومن ثم فعلينا أن نختار : ديننا وعقيدتنا أم أمننا !!!
ووالله لولا مراعاة المصلحة وسد باب الجدل والفتنة لذكرت نماذج من هذه الكتابات اللامسؤولة .
حب الوطن أمر فطري ، لا ينازع فيه إلا مكابر .. ولهذا لما أخرجت قريش نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم وقف بالحزورة على مشارف مكة ، والتفت إلى مكة ، وبدأ يخاطب أطلال البلد الحبيب .. بلد الطفولة والذكريات .. يخاطب مكة ويقول : أما والله إني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلي وأكرمها على الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت .
وفي هذا الكلام لفتة نبوية من النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلى أن هذه القيمة - أعني قيمة الوطن - قيمة غالية ، لكنه صلى الله عليه وسلم ترك وطنه المحبوب مراعاة لسلم الأولويات بين القيم في الإسلام ، ذلك أن قيمة الدين قيمة محورية في حياة المسلم ، وهي