[align=justify]نزار الذي شغل الناس حياً وميتاً
أضواء على حياته وأقواله وأشعاره
بقلم : إبراهيم بن محمد الحقيل
نبذة عن حياته
ولد نزار قباني في دمشق عام 1923م في بيت موفور الرزق؛ حيث كان والده تاجراً كبيراً، وكان له عم شاعر ومؤلف وممثل ومسرحي هو أبو خليل القباني، وكان لحياة الترف التي عاشها واتصاله بعمه تأثيراً في حياته الشعرية.
نشأ نشأة عادية؛ إلا أنه كان مشغوفاً بالرسم منذ صغره، وبعد إنهائه دراسته الثانوية، اشتغل بدراسة الحقوق التي أنهاها عام 1945م، ثم التحق بوزارة الخارجية السورية واشتغل في السلك الدبلوماسي، ثم ترك ذلك أو أُبعد عنه، فهاجر إلى لبنان وأسس فيها داراً للنشر، وأقام فيها، ثم كان هلاكه في لندن عن خمس وسبعين سنة(1).
حياته الشعرية:
ألف كتاباً ذكر فيه سيرته الذاتية وكثيراً من آرائه وأفكاره أسماه: (قصتي مع الشعر) وكان ظاهراً فيه غروره وإعجابه بنفسه وكثرة إطرائها إلى حدٍ مخجل عند العقلاء، وسيأتي من ذلك مقتطفات للدلالة على بعض النقاط المذكورة في بعض مباحث هذه الدراسة المختصرة.
ويرى كثير من النقاد أنه تميز في بداية حياته الشعرية بهجر المدرسة الكلاسيكية في الشهر العربي، ونحا نحواً جديداً في التعبير عن عواطفه الهائجة، وكرس شعره في المرأة والجنس في الوقت الذي كان العرب يعيشون حالة استنفار ضد الاحتلال الإسرائيلي، ثم بدأ يصحو من سكرة اللهو والجنس الشعري في حرب السويس (1956م) واكتملت صحوته عقب نكسة (1967م)(2).
بيد أن صحوته لم تكن صحوة إسلامية، وإنما كانت ثورية قومية جاهلية على طريق معظم الساسة والقادة العرب ذاتها آنذاك.
ويرى بعض النقاد أنه ما نحا هذا النحو القومي في شعره إلا لأن جماهيره عزفت عن شعره الماجن اللاهي العابث؛ في الوقت الذي كانت الأمة العربية تتكالب عليها القوى المعادية، فاتخذ خطاً قومياً حتى يواكب ما فرضته القومية آنذاك، وحتى ترضى جماهيره وتعود إلى شعره.
ويؤيد هذه الرؤية ما يلاحظه المتتبع لأحاديث نزار ومقالاته ومقابلاته من غروره واستعلائه وإعجابه بنفسه، وبحثه عن الشهرة والأضواء أينما كانت وبأي أسلوب كان؛ بدليل عودته إلى شعر المرأة والجنس بعد أفول نجم الحديث عن النكسة، والتغني بالقومية. وغروره وإعجابه بنفسه لا يخفيه بل يظهره، ويجعل ولادته ربيعاً على الأرض العربية التي ظلت بعيدة عن الإبداع حتى رُزقت نزاراً كما هو ظاهر في قوله: (يوم ولدت.. كانت الأرض في حالة ولادة، وكان الربيع يستعد ليفتح حقائبه الخضراء، الأرض وأمي حملتا في وقت واحد، ووضعتا في وقت واحد). ومن أقواله التي تبين غروره وإعجابه بنفسه: (نصف مجدي محفور على منبر (الوست هول والشابل) الجامعة الأمريكية في بيروت، والنصف الآخر معلق على أشجار النخيل في بغداد، ومنقوش على مياه النيلين الأبيض والأزرق في الخرطوم).
بل يعترف صراحة أنه ما سلك هذه الطريق القذرة في الشعر إلا من أجل الشهرة وإرضاء الناس على حساب الدين والقيم؛ حينما يقول: (شعر الحب الذي أصبح جواز سفري إلى الناس لم يكن في الحقيقة إلا واحداً من مجموعة جوازات استعملتها).
فالغزل الجنسي قبل النكسة كان جوازاً، ثم الشعر القومي في أثناء النكسة جاء جوازاٌ آخر؛ حيث لم يعد الجواز الأول يحقق الشهرة والأضواء يومها، ثم العودة إلى الجواز الأول بعد أن فقد الثاني بريقه بذهاب زمن القومية وحلول زمن السلام البارد ثم الدافئ ثم التطبيع.
ويزيد من تأكيد هذه الحقيقة مقولته المشهورة: (دعوني أعترف لكم أنني بالرغم من شهرتي شاعر حب فإنني نادراً ما وقعت في الحب)(3).
نزار في الميزان:
لا يشك كل مطلع على شعره ونثره في زندقته وإلحاده، حيث تعدى على الذات الإلهية، واستهتر بالشرائع السماوية، وجعل رضى حبيبته موصلاً له إلى مقام الربوبية أو الرسالة، وتقريره أن الحياة مجرد لهو وعبث ومجون، هدف الإنسان فيها تحصيل الشهوات والملذات، مع ثورة عنيفة ومستمرة في شعره ونثره على الدين والأخلاق والمبادئ والقيم. وفي الحقيقة فإنه كان يمثل مرحلة متقدمة في إطار الشعوبية الذي بناه الغزو الفكري في أدبنا العربي بالنرجسية والكشف والإباحية، والخروج عن أصالة مفهوم الشعر في الأدب العربي.
يقول أحد الباحثين: لا سبيل إلى فهم شعر نزار قباني دون الاستعانة بنظريات علم النفس الحديث، وبالذات نظرية (فرويد) عن الغريزة الجنسية ومراحل نموها وانحرافاتها المختلفة، وليس هذا بالأمر الغريب فقد اتفقوا على تلقيبه بشاعر المرأة؛ وأغلب شعره يدور حول المرأة، يتحدث بلسانها: يقدسها ويهجوها... وأغلب شعره يدور حول دائرة مغلقة قلما يخرج منها وهي دائرة الغزل الجنسي المسرف في الواقعية والشوق إلى مفاتن الجسد ووصف العاهرات والماجنات والمتهالكات(4).
وكان نزار مغرماً بل مصراً على أن شعره كله وطني إلا أن بعض الباحثين(5) فند هذا الزعم؛ حيث أحصى قصائده في دواوينه الستة الأولى التي تبلغ مائة وتسعين قصيدة منها مائة وخمس وخمسون قصيدة في المرأة، وليس منها وطنية إلا إحدى وعشرين قصيدة.
ولست أود الإطالة في هذه المقدمة؛ حيث سأترك القارئ يطلع على شيء من شعره ونثره من مقولاته حتى تتبين له حقيقة هذا الرجل التي زوّرها الإعلام العربي حينما دلّس على الناس في رفع شأنه وتعظيمه، ويمكن تقسيم انحرافاته إلى ما يلي:
أولاً: اعتداؤه على مقام الربوبية:
1- قال في مقالة له بعنوان: هل يمكن استنساخ المتنبي: (... ومعناه أن العلماء بدأوا بتحدي السماء... ومعنى هذا أيضاً أن الإنسان لم يعد له رب يؤمن به، يركع في محرابه ويصلي له ويطلب رضاه وغفرانه.. لأن المختبرات أخذت مكان الرب..)(6).
2- ومما قاله في قصيدة له:
(متمردان على السماء.. على قميص المنعم
صنمان إني أعبد الأصنام رغم تأثمي)(7).
3- وفي رسالة حب كتبها قال:
(يحدث شيء غير عادي..
في تقاليد السماء...
يصبح الملائكة أحراراً في ممارسة الحب...
ويتزوج الله حبيبته)(8).
تعالى الله عن قوله علواً كبيراً.
4 - وقال أيضاً في إحدى قصائده:
(ملك أنا... لو تصبحين حبيبتي
لا تخجلي مني... فهذي فرصتي
أغزو الشموس مراكباً وخيولا
لأكون رباً، أو أكون رسولا)(9)
ولقد قال فرعون قبله: ((فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى)) [النازعات: 24] وقال: ((مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرِي)) [ القصص: 38] وفرعون ـ أخزاه الله ـ قالها وهو في غمرة الملك والسلطان؛ وأما نزار فقالها وهو في مستنقع الانحلال والرذيلة؛ فهو من فراعنة هذا الزمان في التعدي على مقام الربوبية، ـ تعالى الله عن أقواله وأقوال الظالمين علواً كبيراً ـ.
يتبع.............[/align]