الشعب يريد الحرية مهما كان ثمنها مرتفعا
2011-05-29
لم يخطر في بال أحد أن عام 2011 سيشهد أحداثا مهمة ومثيرة من العيار الثقيل تكون حديث شاشات التلفزة بامتياز، في العالم العربي والأجنبي، وعلى رأس كل ساعة إخبارية، في تنافس واضح على سبق الحصول على خبر عاجل وطازج يطنب الآذان ويروي ظمأ الشارع العربي التواق إلى نسمة الحرية والتحرر من مستعمر ليس من الخارج وإنما من الداخل ومن أبناء جلدته.
ولو كان بن علي ومبارك والقذافي وصالح على علم مسبق بما سيجري لهم من سقوط مخز، لأوقفواعقارب السنة الجديدة عن الدوران إلى الإمام على الأقل في بلدانهم، كما فعل صدام سابقا بتغيير أيام الأسبوع، ولامتنعوا عن الرقص والاحتفال بأعياد ميلادهم، ولأكرموا على العرافين والمنجمين بسخاء كي يقرؤوا لهم طالعهم في الفناجين والمندل، كي يعبروا التاريخ بسلام بما تبقى لهم من عمر فوق رقاب الناس واستعبادهم، بيد أن (الرياح تجري بما لا تشتهي السفن) والحشائش لا تدوم طويلا تحت الأحجار، بعد ما خيبت شعوبهم آمالهم وتوقعاتهم، وجعلتهم يعيدون النظر بسياساتهم وحساباتهم، ويقلبون موازينهم بأن الوطن ليس ملكا وعقارا يطوبونه على أسمائهم وأسماء أبنائهم أو مزرعة يورثونها لأحفادهم من بعدهم، وبأن شعوبهم ليست كما احسنوا الظن بهم، رعاعا وعبيدا سيهتفون لهم على الدوام بالروح والدم، هذه الدماء الطاهرة التي تسيل فداء الوطن وتعلو راية الحرية على امتداد خارطة طوقها القمع والاستبداد، خرجت من سكونها
وخلعت عنها رداء الذل والاستسلام وعلا صوتها واحدا (الشعب يريد إسقاط النظام) ويأبى بقاءه مهما كان الثمن باهظا والكلفة كبيرة، لأنه أراد هذه المرة أن يصنع ثورته بنفسه ويأخذ حريته بيده ويعلن انعتاقه من ظلم مستبديه، ويتخلص الى الأبد من احتكار الحزب الواحد للسلطة والقرار، الذي أساسا احتكر لنفسه السلطة بلا شرعية تمثل إرادته حتى بلغ من الاحتقان والقهر درجة الغليان والانفجار والانطلاق في ثورة مجيدة، تنهي حقب الإذلال والقمع والجمود وإلغاء الآخر، كانت حصة الإنسان العربي
منها النصيب الأكبر، رغم غنى الوطن بالخيرات وكثرة الثروات والموارد العديدة فقد عاش مهمشا، محاصرا في لقمة عيشه ومسخرا لهتافات زعمائه وسياسات الحزب الواحد، لا يلقى أدنى اهتمام ويحاسب على هوى أجهزة الأمن بلا قانون أو رقيب، بينما تنعم قلة قليلة تتمتع بالسلطة والقيادة تنهب وتمارس الفساد بجميع أشكاله بمباركة ودعم من أجهزة الأمن التي لا يقل نصيبها من الفساد والنهب، ضمن شبكة متشعبة كأذرع الإخطبوط تقوم على المنفعة المتبادلة والمصلحة المشتركة في جميع مؤسسات الدولة، ابتداء من رأس السلطة وحتى أصغر عامل وموظف في دائرة أمنية، إن ثلاثية الفساد والقمع والفقر أوصلت الشعب إلى طريق مسدود من انعدام الثقة بالنظام والسلطة، وخلقت أرضية صلبة لتفجير الثورة على الظلم والاستبداد وتحمل النتائج المترتبة على قيامته، وهي وإن جاءت عفوية وبشرارة من البوعزيزي إلا أن جذورها وبذورها كانت قائمة مع أول حلقة في مسلسل طويل من الفساد والقمع، ورغم المحاولات اليائسة من قبل بعض الأنظمة لامتصاص الغضب الشعبي برشات وإصلاحات شكلية لم يستطع النزول عن عقليتها الأمنية والاعتقاد بأن الشعب مطلبه هو الخبز، فأخطأت خطأ كبيرا وسارعت بنهايتها بتجاهلها نبض الحرية في الشارع، هذه الثورات التي تشهدها بلاد العروبة ألهمت العالم جوهر مطالب الشعب، انه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، وسقف مطالبه أكبر من اعتقادات أي نظام وأقوى نبرة من عنجهية أجهزة الأمن التي لا تفرق بين قتل طفل أو شيخ. ومثلما سقط نظام بن علي وتهاوت أصنام حسني التي فاق تعدادها دور العبادة، وانتهى نظام القذافي ويكاد يسقط كرسي صالح وما يزال النظام يتأرجح في دول ويقاوم في دول أخرى يبقى صوت الشعب أقوى وأبقى، سواء رضي الحكام أم لم يرضوا.
جوان كردي