قال الشيخ صالح الفوزان في مقال له نشر في جريدة الجزيرة عدد 10147 في 10/7/2000 : الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ،نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : فإن عقيدة أهل السنة والجماعة عقيدة واضحة سلفية لا لبس فيها ولا غموض لأنها مأخوذة من هدي كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دونت أصولها ومبانيها في كتب معتمدة توارثها الخلف عن السلف وتدارسوها وحرروها وتواصوا بها وحثوا على التمسك بها كما قال عليه الصلاة والسلام ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى ) وهذا أمر لاشك فيه ولا جدال حوله . إلا أنه ظهرت في الآونة الأخيرة نابتة من المتعالين جعلت بعض أصول هذه العقيدة مجالاً للنقاش والأخذ والرد ، ومن ذلك قضية الإيمان وإدخال الإرجاء فيه ، والإرجاء كما هو معلوم عقيدة ضالة تريد فصل العمل وإخراجه عن حقيقة الإيمان بحيث يصبح الإنسان مؤمناً بدون عمل فلا يؤثر تركه في الإيمان انتفاءً ولا انتقاصاً ، وعقيدة باطلة قد أنكرها العلماء وبينوا بطلانها وآثارها السيئة و مضاعفاتها الباطلة . وآل الأمر بهذه النابتة إلى أن تشنع على من لا يجاريها ويوافقها على عقيدة الإرجاء ويسمونهم بالخوارج والتكفيريين .وهذا قد يكون لجهلهم بعقيدة أهل السنة والجماعة التي هي وسط بين مذهب الخوارج الذين يكفرون بالكبائر التي هي دون الكفر وهو مذهب باطل وبين مذهب المرجئة الذين يقولون : لايضر مع الإيمان الذي هو عندهم مجرد التصديق لا يضر معه معصية وإن كانت كبيرة ، فأهل السنة والجماعة يقولون إن مرتكب الكبيرة التي هي دون الكفر لا يكفّر كما تقوله الخوارج ، ولا يكون مؤمناً كامل الإيمان كما تقوله المرجئة – كما قال تعالى ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) . وقد وصل إليّ كتاب بعنوان ( هزيمة الفكر التكفيري ) تأليف : خالد العنبري قال فيه ( فما زال الفكر التكفيري يمضي بقوة في أوساط شباب الأمة منذ اختلقته الخوارج الحرورية ) وأقول : التكفير للمرتدين ليس من تشريع الخوارج ولا غيرهم وليس هو فكراً كما تقول وإنما هو حكم شرعي حكم به الله ورسوله على من يستحقه بارتكاب ناقض من نواقض الإسلام القولية أو الإعتقادية أو الفعلية والتي بينها العلماء في باب أحكام المرتد . وهي مأخوذة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . فالله قد حكم بالكفر على أناس بعد إيمانهم بارتكابهم ناقضاً من نواقض الإيمان قال تعالى ( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ) وقال تعالى ( ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم ) وقال عليه الصلاة والسلام ( بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة ) وقال ( فمن تركها فقد كفر ) ، وأخبر تعالى أن تعلم السحر كفر فقال عن الملكين الّذين يعلمان السحر ( وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر ) وقال تعالى ( إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفرلهم ولا ليهديهم سبيلاً ) وفرق بين من كفره الله ورسوله وكفره أهل السنة والجماعة اتباعاً لكتاب الله وسنة رسوله ، وبين من كفرته الخوارج والمعتزلة ومن تبعهم بغير حق ، وهذا التكفير الذي هو بغير حق هو الذي يسبب القلاقل والبلايا من الاغتيالات والتفجيرات ، أما التكفير الذي يبنى على حكم شرعي فلا يترتب عليه إلا الخير ونصرة الحق على مدار الزمان ، وبلادنا بحمد الله على مذهب أهل السنة والجماعة في قضية التكفير وليست على مذهب الخوارج . ثم قال العنبري ( فالواجب في الكفر البواح وهو الكفر المجمع عليه التكفير ، والتوقف عنه إرجاء خطير ) وأقول : الكفر البواح هو كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم ما عليه برهان من الكتاب والسنة . والإجماع يأتي الاستدلال به بعد الاستدلال بالكتاب والسنة . نعم إذا كان الدليل محتملاً فهذا لا يجزم بأحد الاحتمالات من غير مرجح ، أما إذا كان الدليل نصاً فهذا هو البرهان الذي لا يعدل عن القول بموجبه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( عندكم فيه برهان ) والعلماء المعتبرون مجمعون على تكفير من كفره الله ورسوله ولا يقولون بخلاف ذلك ولا عبرة بمن خالفهم . ثم جاء في الكتاب المذكور في حاشية صفحة 27 ( التبديل في الحكم في اصطلاح العلماء هو الحكم بغير ما أنزل الله على أنه من عند الله كمن حكم بالقوانين الفرنسية وقال : هي من عند الله أو من شرعه تعالى ، ولا يخفى أن الحكام بغير ما أنزل الله اليوم لا يزعمون ذلك بل هم يصرحون أن هذه القوانين محض نتاج عقول البشر القاصرة . والتبديل بهذا المعنى لا بالمعنى الذي يذهب إليه أهل الغلو كفر بإجماع المسلمين) كذا قال ، ونقول : هذا التبديل الذي ذكرت أنه كفر بإجماع المسلمين هو تبديل غير موجود وأنما هو افتراضي من عندك لا يقول به أحد من الحكام اليوم ولا قبل اليوم . وأنما هناك استبدال هو اختيار جعل القوانين الوضعية بديلة عن الشريعة الإسلامية والغاء المحاكم الشرعية وهذا كفر أيضاً لأنه يزيح تحكيم الشريعة الإسلامية وينحيها نهائياً ويحل محلها القوانين الوضعية . فماذا يبقى للإسلام ؟ وما فعل ذلك إلا لأنه يعتنقها ويراها أحسن من الشريعة وهذا لم تذكره ولم تبين حكمه مع أنه فصل الدين عن الدولة فكأن الحكم قاصر عندك على التبديل فقط حين ذكرت أنه مجمع على كفر من يراه ، وكأن قسيمه وهو الاستبدال فيه خلاف حسبما ذكرت وهذا إيهام يجب بيانه ، ثم قال العنبري في رده على خصمه أنه يدعي الإجماع على تكفير جميع من لم يحكم بغير ما أنزل الله بجحود أو بغير جحود . وأقول : كفر من حكم بغير ما أنزل الله لا يقتصر على الجحود بل يتناول الاستبدال التام وكذا من استحل هذا العمل في بعض الأحكام ولو لم يجحد أو قال إن حكم غير الله أحسن من حكم الله أو قال يستوي الأمران كما نص على ذلك أهل العلم . حتى ولو قال حكم الله أحسن ولكن يجوز الحكم بغيره فهذا يكفر مع أنه لم يجحد حكم الله وكفره بالإجماع . ثم ذكر الكاتب في آخر كتابه هذا أن هناك فتوى للشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ – رحمه الله – يكفر فيها من حكم بغير ما أنزل الله مطلقاً ولا يفصل فيها ويستدل بها أصحاب التكفير على أن الشيخ لا يفرق بين من حكم بغير شرع الله مستحلاً ومن ليس كذلك ، وأن الشيخ ابن باز سئل عنها فقال : محمد بن ابراهيم ليس بمعصوم فهو عالم من العلماء … الخ ما ذكر- ولم يذكر العنبري نص فتوى الشيخ محمد بن ابراهيم التي أشار إليها وهل قرىء نصها على الشيخ ابن باز أو لا ؟ ولا ذكر المرجع الذي فيه تغليط ابن باز لشيخه . وإنما نقل ذلك من مجلة الفرقان ، ومجلة الفرقان لم تذكر نص فتوى الشيخ محمد بن ابراهيم ولم تذكر في أي كتب الشيخ ابن باز تغليطه لفتوى شيخه ولعلها اعتمدت على شريط ، والأشرطة لا تكفي مرجعاً يعتمد عليه في نقل كلام أهل العلم لأنها غير محررة ، وكم من كلام في شريط لو عرض على قائله لتراجع عنه ، فيجب التثبت فيما ينسب إلى أهل العلم . هذا بعض ما ظهر لي من الملاحظات على الكتاب المذكور وعلى غيره ممن يتكلمون ويكتبون في هذه الأصول العظيمة التي يجب على الجميع الإمساك عن الخوض فيها و الاستغناء بكتب العقائد الصحيحة الموثوقة التي خلفها لنا أسلافنا من أهل السنة والجماعة والتي تدارسها المسلمون جيلاً بعد جيلاً في مساجدهم ومدارسهم وحصل الاتفاق عليها والاجتماع على مضمونها ، ولسنا بحاجة إلى مؤلفات جديدة . وختاماً نقول : إننا بريئون من مذهب المرجئة ومن مذهب الخوارج والمعتزلة ، فمن كفره الله ورسوله فإننا نكفره ولو كرهت المرجئة ومن لم يكفره الله ولا رسوله فإننا لا نكفره ولو كرهت الخوارج والمعتزلة . هذه عقيدتنا التي لا نتنازل عنها ولا نساوم عليها –إن شاء الله تعالى – ولا نقبل الأفكار الوافدة إلينا ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . انتهى كلام الشيخ صالح الفوزان حفظه الله .