إعجاز علمي.. لماذا أمرنا الله بالنظر إلى الإبل
أمر الله تعالى عباده بالنظر في مخلوقاته الدالة على قدرته وعظمته، ومنها الإبل، كما ورد في قوله عز وجل -: «أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية الآية:17).
ويخصّ لله سبحانه وتعالى «الإبل» في هذه الآية من بين مخلوقاته الحية، ويجعل النظر إلى كيفية خلقها أسبق من التأمل في كيفية رفع السماوات ونصب الجبال وتسطيح الأرض، ويدعو إلى أن يكون النظر والتأمل في هذه المخلوقات مدخلًا إلى الإيمان الخالص بقدرة الخالق وبديع صنعه.
وتمثل الآية الكريمة «أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» نموذجًا لما يمكن أن يؤدي إليه العلم بكافة مستوياته الفطرية والعلمية، وليس في نصّها شيء من حقائق العلوم ونظرياتها، وإنما فيها ما هو أعظم من هذا فيها مفتاح الوصول إلى تلك الحقائق بذلك التوجيه الجميل من الله العليم الخبير بأسرار خلقه.
ويعرض «صدى البلد» بعض أوجه الإعجاز في خلق الإبل، كما وردت في كتاب رحيق العلم والإيمان، للدكتور أحمد فؤاد باشا، من ناحية الشكل والبنيان الخارجي، وهي خصائص يمكن إدراكها بفطرة المتأمل الذي يقنع البدوي منذ الوهلة الأولى بإعجاز الخلق الذي يدل على قدرة الخالق
الإعجاز العلمي:
وذك كتاب «رحيق العلم والإيمان»، أن أول ما يلفت الأنظار في الإبل الشكل الخارجي الذي لا يخلو تكوينه من الآيات البيانات التي تأخذ بالألباب:
أذنا الإبل:
وأوضح الدكتور أحمد فؤاد باشا في كتابه، أن أذني الإبل صغيرتان قليلتا البروز، فضلًا عن أن الشعر يغطيها من كل جانب ليقيها من الرمال التي تحملها الرياح، وكما أن لها القدرة على الانثناء خلفًا والالتصاق بالرأس إذا ما هبت العواصف الرملية.
منخرا الإبل:
وبيّن «فؤاد باشا»، أن «المنخرين» يتخذان شكل شقين ضيقين محاطين بالشعر وحافتهما لحمية مما يسمح للجمل أن يغلقهما لمن أمام ما تحمله الرياح إلى رئتيه من دقائق الرمال.
عينا الإبل:
وأشار إلى أن لعيني الجمل روموشًا ذات طبقتين مثل الفخ بحيث تدخل الواحدة بالأخرى، وبهذا فإنها تستطيع أن تحمى عينيها وتمنع دخول الرمال إليها.
ذيل الإبل:
وألمح الدكتور أحمد فؤاد، إلى أن ذيل الجمل يحمل كذلك على جانبيه شعرًا يحمى الأجزاء الخلفية من حبات الرمل التي تثيرها الرياح والتي كأنها «وابل» من طلقات الرصاص.
قوائم الإبل:
ونوه بأن قوائم الجمل طويلة لترفع جسمه عن كثير مما يثور تحته من غبار، كما أنها تساعده على اتساع الخطو وخفة الحركة، وتتحصن أقدام الجمل بخف يغلفه جلد قوي غليظ يضم وسادة عريضة لينة تتسع عندما يدوس الجمل بها فوق الأرض، ومن ثم يستطيع السير فوق أكثر الرمل نعومة، وهو ما يصعب على أية دابة سواه ويجعله جديرًا بلقب "سفينة الصحراء".
وتابع : فما زالت الإبل في كثير من المناطق القاحلة الوسيلة المثلا لارتياد الصحارى وقد تقطع قافلة الإبل بما عليها من زاد ومتاع نحوًا من خمسين أو ستين كيلومترًا في اليوم الواحد، ولم تستطع السيارات بعد من منافسة الجمل في ارتياد المناطق الصحراوية الوعرة غير المعبدة.
عنق الإبل:
وأكد أن الله سبحانه وتعالى خلق الإبل ذوات أعناق مرتفعة حتى تتمكن من تناول طعامها من نبات الأرض، كما أنها تستطيع قضم أوراق الأشجار المرتفعة حين مصادفتها، هذا فضلًا عن أن هذا العنق الطويل يزيد الرأس ارتفاعًا عن الأقذاء ويساعد الجمل على النهوض بالأثقال، مضيفا: وحين يبرك الجمل للراحة أو يناخ ليعد للرحيل يعتمد جسمه الثقيل على وسائد من جلد قوي سميك على مفاصل أرجله، ويرتكز بمعظم ثقله على كلكله، حتى أنه لو جثم به فوق حيوان أو إنسان طحنه طحنًا.
ولفت إلى أن الوسائد إحدى معجزات الخالق التي أنعم بها على هذا الحيوان العجيب، حيث إنها تهيئه لأن يبرك فوق الرمل الخشنة الشديدة الحرارة التي كثيرًا ما لا يجد الجمل سواها مفترشًا له فلا يبالي بها ولا يصيبه منها أذى، والجمل الوليد يخرج من بطن أمه مزود بهذه الوسائد المتغلظة، فهي شيء ثابت موروث وليست من قبيل ما يظهر بأقدام الناس من الحفاء أو لبس الأحذية الضيقة.
معدة الإبل:
وكشف عن معدة الإبل ذات أربعة أوجه وجهازه الهضمي قوى بحيث يستطيع أن هضم أي شيء بجانب الغذاء كالمطاط مثلا في الامكان الجافة، مضيفا أنه لا تتنفس الإبل من فمها ولا تلهث أبدًا مهما اشتد الحر أو استبد بها العطش، وهي بذلك تتجنب تبخر الماء من هذا السبيل.
تنظيم جسم الإبل للحرارة:
وشدد على أن الجمل يمتاز بأنه لا يفرز إلا مقدارًا ضئيلًا من العرق عند الضرورة القصوى بفضل قدرة جسمه على التكيف مع المعيشة في ظروف الصحراء التي تتغير فيها درجة الحارة بين الليل والنهار.
واستطرد: يغطي جسم الجمل شعر كثيف وهذا الشعر يقوم بعزل الحرارة ويمنعها من الوصل إلى الجلد تحتها، ويستطيع جهاز ضبط الحرارة في جسم الجمل أن يجعل مدى تفاوت الحرارة نحو سبع درجات كاملة دون ضرر، أي بين 34م و41 م، ولا يضطر الجمل إلى العرق إلا إذا تجاوزت حرارة جسمه 41م ويكون هذا في فترة قصيرة من النهار أما في المساء فإن الجمل يتخلص من الحرارة التي اختزنها عن طريق الإشعاع إلى هواء الليل البارد دون أن يفقد قطرة ماء، وهذه الآلية وحدها توفر للجمل خمسة لترات كاملة من الماء، ولا يفوتنا أن نقارن بين هذه الخاصة التي يمتاز بها الجمل وبين نظيرتها عند جسم الإنسان الذي ثبتت درجة حرارة جسمه العادية عند حوالي 37 م، وإذا انخفضت أو ارتفعت يكون هذا نذير مرض ينبغي أن يتدارك بالعلاج السريع، وربما توفي الإنسان إذا وصلت حرارة جسمه إلى القيمتين اللتين تتراوح بينهما درجة حرارة جسم الجمل ( 34م و41م).
إنتاج الإبل للماء:
وأردف: ينتج الجمل الماء والذي يساعده على تحمل الجوع والعطش وذلك من الشحوم الموجودة في سنامه بطريقة كيماوية يعجز الإنسان عن مضاهاتها، فمن المعروف أن الشحم والمواد الكربوهيدراتية لا ينتج عن احتراقها في الجسم سوى الماء وغاز ثاني أسيد الكربون الذي يتخلص منه الجسم في عملية التنفس، بالإضافة إلى تولد كمية كبيرة من الطاقة اللازمة لواصلة النشاط الحيوي.
ورأى الدكتور أحمد فؤاد، أن الماء الناتج عن عملية احتراق الشحوم من قبيل الماء الذي يتكون على هيئة بخار حين تحترق شمعة على سبيل المثال، ويستطيع المرء أن يتأكد من وجوده إذا قرب لوحًا زجاجيًا باردًا فوق لهب الشمعة لاحظ أن الماء الناتج من الاحتراق قد تكاثف على اللوح، وهذا مصدره البخار الخارج مع هواء الزفير، ومعظم الدهن الذي يختزنه الجمل في سنامه يلجأ إليه الجمل حين يشح الغذاء أو ينعدم، فيحرقه شيئًا فشيًا ويذوى معه السنام يومًا بعد يوم حتى يميل على جنبه، ثم يصبح كيسًا متهدلًا خاويًا من الجلد إذا طال الجوع والعطش بالجمل المسافر المنهك.
واعتبر أن من حكمة خلق الله في الإبل أن جعل احتياطي الدهون في الإبل كبيرًا للغاية يفوق أي حيوان آخر ويكفي دليل على ذلك أن نقارن بين الجمل والخروف المشهور بإليته الضخمة المملوءة بالشحم، فعلى حين نجد الخروف يختزن زهاء 11كجم من الدهن في إليته، يجد أن الجمل يختزن ما يفوق ذلك المقدار بأكثر من عشرة أضعاف (أي نحو 120 كجم)، وهي كمية كبيرة بلا شك يستفيد منها الجمل بتمثيلها وتحويلها إلى ماء وطاقة وثاني أكسيد الكربون، ولهذا يستطيع الجمل أن يقضي حوالي شهر ونصف بدون ماء يشربه. ولكن آثار العطش الشديد تصيبه بالهزال وتفقده الكثير من وزنه، وبالرغم من هذا فإنه يمضي في حياته صلدا لا تخور قواه إلى أن يجد الماء العذب أو المالح فيعب فيعب منه عبًا حتى يطفئ ظمأه.
واستكمل: كما أن الدم يحتوى على أنزيم البومين بنسبة اكبر مما توجد عند بقية الكائنات وهذا الإنزيم يزيد في مقاومة الجمل للعطش وتعزى قدرة الجمل الخارقة على تجرع محاليل الأملاح المركزة إلى استعداد خاص في كليته لإخراج تلك الأملاح في بول شديد التركيز بعد أن تستعيد معظم ما فيه من ماء لترده إلى الدم.
حليب الإبل:
ونبه على لبن الإبل فهو أعجوبة من الأعاجيب التي خصها الله سبحانه للإبل حيث تحلب الناقة لمدة عام كامل في المتوسط بمعدل مرتين يوميًا، ويبلغ متوسط الإنتاج اليومي لها من 5 ـ 10 كجم من اللبن، بينما يبلغ متوسط الإنتاج السنوي لها حوالي 230 ـ 260 كجم.
وتتطرق إلى أن تركيب لبن الناقة يختلف بحسب سلالة الإبل التي تنتمي إليها كما يختلف من ناقة لأخرى، وكذلك تبعًا لنوعية الأعلاف التي تتناولها الناقة والنباتات الرعوية التي تقتاتها والمياه التي تشربها وكمياتها، ووفقا لفصول السنة التي تربى بها ودرجة حرارة الجو أو البيئة التي تعيش فيها والعمر الذي وصلت إليه هذه الناقة وفترة الإدرار وعدد المواليد والقدرات الوراثية التي يمتلكها الحيوان ذاته، وطرائق التحليل المستخدمة في ذلك.
وشدد على أنه رغم أن معرفة العناصر التي يتكون منها لبن الناقة على جانب كبير من الأهمية، سواء لصغر الناقة أو للإنسان الذي يتناول هذا اللبن، فإنها من جانب آخر تشير وتدل دلالة واضحة على أهمية مثل هذا اللبن في تغذية الإنسان وصغار الإبل وبشكل عام يكون لبن الناقة أبيض مائلًا للحمرة، وهو عادة حلو المذاق لاذع، إلا أنه يكون في بعض الأحيان مالحًا، كما يكون مذاقه في بعض الأوقات مثل مذاق المياه، وترجع التغيرات في مذاق اللبن إلى نوع الأعلاف والنبات التي تأكلها الناقة والمياه التي تشربها . كذلك ترتفع قيمة الأس الهيدروجيني Ph وهو مقياس الحموضة في لبن الناقة الطازج، وعندما يترك لبعض الوقت تزداد درجة الحموضة فيه بسرعة.
واسنتج أن محتوى الماء في لبن الناقة يصل بين 84 % و90% ولهذا أهمية كبيرة في الحفاظ على حياة صغرى الإبل والسكان الذين يقطنون المناطق القاحلة ( مناطق الجفاف ) . وقد تبين أن الناقة الحلوب تفقد أثناء فترة الإدرار ماءها في اللبن الذي يحلب في أوقات الجفاف، وهذا الأمر يمكن أن يكون تكيفًا طبيعيًا، وذلك لكي توفر هذه النوق وتمد صغارها والناس الذين يشربون من حليبها ـ في الأوقات التي لا تجد فيها المياه ـ ليس فقط بالمواد الغذائية، ولكن أيضا بالسوائل الضرورية لمعيشتهم وبقائها على قيد الحياة، وهذا لطف وتدبير من الله سبحانه وتعالى، مضيفا وكذلك فإنه مع زيادة محتوى الماء في اللبن الذي تنتجه الناقة العطشى ينخفض محتوى الدهون من 4،3 % إلى 1،1 %، وعمومًا يتراوح متوسط النسبة المئوية للدهون في لبن الناقة بين 2،6 إلى 5،5%، ويرتبط دهن اللبن بالبروتين الموجود فيه.
وقارن المفكر الإسلامي، بين دهون لبن الناقة مع دهون ألبان الأبقار والجاموس والغنم، منوهًا بأنه لاحظ أنها تحتوي على حموض دهنية قليلة، كما أنها تحتوي على حموض دهنية قصيرة التسلسل ويرى الباحثون أن قيمة لبن الناقة تكمن في التراكيز العالية للحموض الطيارة التي تعتبر من أهم العوامل المغذية للإنسان، وخصوصًا الأشخاص المصابين بأمراض القلب.
وتعجب من لبن الإبل الذي يحتوى اللاكتوز يظل دون تغيير منذ الشهر الأول لفترة الإدرار وحتى في كل من الناقة العطشى والنوق المرتوية من الماء .
وهذا لطف من العلي القدير فيه رحمة وحفظ للإنسان والحيوان، إذ إن اللاكتوز «سكر اللبن» سكر هام يستخدم كمليّن وكمدّر للبول، وهو من السكاكر الضرورية التي تدخل في تركيب أغذية الرضع، مضيفا وفضلًا عن القيمة الغذائية العالية لألبان الإبل، فإن لها استخدامات وفوائد طبية عديدة تجعله جديرًا بأن يكون الغذاء الوحيد الذي يعيش عليه الرعاة في بعض المناطق، وهذا من فضل الله العظيم وفيضه العميم.
أهمية الإبل في الأمن الغذائي:
ولفت إلى أنه في عامي 1984 و1985، حين أصيبت أفريقيا بالجفاف هلكت ـ أو كادت تهلك ـ في كينيا القبائل التي كانت تعيش على الأبقار التي كفت عن إفراز اللبن ثم مات معظمها، بينما نجت القبائل التي كانت تعيش على الإبل، لأن النوق استمرت في الجود بألبانها في موسم الجفاف، ومن هنا أصبح للاهتمام بالإبل أيضًا دوافع اقتصادية ومستقبلية مهمة ودعا أهل الاختصاص إلى التعمق في دراسة هذا الحيوان في عالم تستنفد سريعًا موارده من الغذاء والطاقة.
واعتبر أن النظرة المتأملة في الإبل أقنعت الناس منذ عهد نزول الوحي بصورة ظاهرة فيها من إعجاز الخلق ما يدل على قدرة الخالق، كما أن العلماء والباحثين المتعمقين لا يزالون حتى اليوم يجدون آيات خفية جديدة في ذلك الحيوان العجيب تعمق الإيمان بقدرة الخالق، وتحقق التوافق والانسجام بين حقائق العلم الموضوعية التي يكشف عنها العلماء وبين ما أخبر به الله في قرآنه الكريم.
مقارنة بين قدرات الإبل والإنسان:
وتابع: ولعل في المقارنة بين بعض قدرات الإبل والإنسان ما يزيد الأمر إيضاحًا بالنسبة لنموذج الإبل الفريد في الإعجاز، فقد أكدت تجارب العلماء أن الإبل التي تتناول غذاءً جافًا يابسًا يمكنها أن تتحمل قسوة الظمأ في هجير الصيف لمدة أسبوعين أو أكثر، ولكن آثار هذا العطش الشديد سوف تصيبها بالهزال لدرجة أنها قد تفقد ربع وزنها تقريبً.
منقوول من موسوعة الأعجاز العلمي في القران والسنة .
تحياتي