القواعد المثلى : شبهة أهل التأويل - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الفقه و أصوله

قسم الفقه و أصوله تعرض فيه جميع ما يتعلق بالمسائل الفقهية أو الأصولية و تندرج تحتها المقاصد الاسلامية ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

القواعد المثلى : شبهة أهل التأويل

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2020-05-01, 19:20   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
محمد محمد.
محظور
 
إحصائية العضو










افتراضي القواعد المثلى : شبهة أهل التأويل

الدرس السابق : https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2242977


فصل‏:‏ اعلم أن بعض أهل التأويل أورد على أهل السنة شبهة



في نصوص من الكتاب والسنة في الصفات ادعى أن أهل السنة صرفوها عن ظاهرها ليلزم أهل السنة بالموافقة على التأويل أو المداهنة فيه، وقال‏:‏ كيف تنكرون علينا تأويل ما أولناه مع ارتكابكم لمثله فيما أولتموه‏؟‏

ونحن نجيب ـ بعون الله تعالى ـ عن هذه الشبهة بجوابين مجمل، ومفصل‏.‏

أما المجمل فيتلخص في شيئين‏:‏

أحدهما‏:‏ أن لا نسلم أن تفسير السلف لها صرف عن ظاهرها فإن ظاهر الكلام ما يتبادر منه من المعنى، وهو يختلف بحسب السياق، وما يضاف إليه الكلام، فإن الكلمات يختلف معناها بحسب تركيب الكلام، والكلام مركب من كلمات، وجمل، يظهر معناها ويتعين بضم بعضها إلى بعض‏.‏

ثانيهما‏:‏ أننا لو سلمنا أن تفسيرهم صرف لها عن ظاهرها، فإن لهم في ذلك دليلًا من الكتاب والسنة، إما متصلًا، وإما منفصلًا وليس لمجرد شبهات يزعمها الصارف براهين وقطعيات يتوصل بها إلى نفي ما أثبته الله لنفسه في كتابه، أو على لسان رسوله، صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأما المفصل فعلى كل نص ادعى أن السلف صرفوه عن ظاهره‏.‏

ولنمثل بالأمثلة التالية فنبدأ بما حكاه أبو حامد الغزالي عن بعض الحنبلية أنه قال‏:‏ إن أحمد لم يتأول إلا في ثلاثة أشياء‏:‏ ‏(‏الحجر الأسود يمين الله في الأرض‏)‏‏.‏ ‏(‏وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن‏)‏‏.‏ ‏(‏وإني أجد نفس الرحمن من قبل اليمن‏)‏‏.‏ نقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية ص398جـ5‏:‏ من مجموع الفتاوي وقال‏:‏ هذه الحكاية كذب على أحمد‏.‏

المثال الأول‏:‏ ‏(‏الحجر الأسود يمين الله في الأرض‏)‏‏.‏

والجواب عنه‏:‏ أنه حديث باطل، لا يثبت عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال ابن الجوزي في العلل المتناهية‏:‏ هذا حديث لا يصح ‏.‏ وقال ابن العربي‏:‏ حديث باطل فلا يلتفت إليه، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية‏:‏ روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، بإسناد لا يثبت أ‏.‏هـ وعلى هذا فلا حاجة للخوض في معناه‏.‏

لكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية‏:‏ والمشهور ـ يعني في هذا الأثر ـ إنما هو عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏الحجر الأسود يمين الله في الأرض فمن صافحه وقبله، فكأنما صافح الله وقبل يمينه‏)‏‏.‏ ومن تدبر اللفظ المنقول تبين له أنه لا إشكال فيه فإنه قال‏:‏ ‏(‏يمين الله في الأرض‏)‏ ولم يطلق فيقول‏:‏ يمين الله وحكم اللفظ المقيد يخالف حكم المطلق، ثم قال‏:‏ ‏(‏فمن صافحه وقبله، فكأنما صافح الله وقبل يمينه‏)‏ وهذا صريح في أن المصافح لم يصافح يمين الله أصلًا، ولكن شبه بمن يصافح الله فأول الحديث وآخره يبين أن الحجر ليس من صفات الله تعالى كما هو معلوم عند كل عاقل ا‏.‏هـ ص398 جـ 6مجموع الفتاوي‏.‏

* المثال الثاني‏:‏ ‏(‏قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن‏)‏‏.‏

والجواب‏:‏ أن هذا الحديث صحيح رواه مسلم في الباب الثاني من كتاب القدر عن عبدالله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي، صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء‏)‏ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك‏)‏‏.‏

وقد أخذ السلف أهل السنة بظاهر الحديث وقالوا ‏:‏ إن لله تعالى أصابع حقيقة نثبتها له كما أثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يلزم من كون قلوب بني آدم بين أصبعين منها أن تكون مماسة لها حتى يقال ‏:‏ إن الحديث موهم للحلول فيجب صرفه عن ظاهره‏.‏ فهذا السحاب مسخر بين السماء والأرض وهو لا يمس السماء ولا الأرض ويقال‏:‏ بدر بين مكة والمدينة مع تباعد ما بينها وبينهما فقلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن حقيقة ولا يلزم من ذلك مماسة ولا حلول‏.‏

* المثال الثالث‏:‏ ‏(‏إني أجد نفس الرحمن من قبل اليمن‏)‏‏.‏

والجواب‏:‏ أن هذا الحديث رواه الإمام أحمد في المسند من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -قال‏:‏ قال النبي، صلى الله عليه وسلم،‏:‏ ‏(‏ألا إن الإيمان يمان، والحكمة يمانية، وأجد نفس ربكم من قبل اليمن‏)‏‏.‏ قال في مجمع الزوائد ‏"‏رجاله رجال الصحيح غير شبيب وهو ثقة‏"‏ قلت‏:‏ وكذا قال في التقريب عن شبيب ثقة من الثالثة وقد روى البخاري نحوه في التاريخ الكبير‏.‏

وهذا الحديث على ظاهره والنفس فيه اسم مصدر نفس ينفس تنفيسًا، مثل فرج يفرج تفريجًا وفرجًا، هكذا قال أهل اللغة كما في النهاية والقاموس ومقاييس اللغة‏.‏ قال في مقاييس اللغة‏:‏ النفس كل شيء يفرج به عن مكروب فيكون معنى الحديث أن تنفيس الله تعالىعن المؤمنين يكون من أهل اليمن‏.‏

قال شيخ الإسلام ابن تيمية‏:‏ ‏"‏وهؤلاء هم الذين قاتلوا أهل الردة، وفتحوا الأمصار، فبهم نفس الرحمن عن المؤمنين الكربات‏"‏‏.‏ ا‏.‏هـ ص398جـ6 مجموع فتاوي شيخ الإسلام لابن قاسم‏.‏

* المثال الرابع‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 11‏]‏

والجواب أن لأهل السنة في تفسيرها قولين‏:‏

أحدهما‏:‏ أنها بمعنى ارتفع إلى السماء، وهو الذي رجحه ابن جرير قال في تفسيره بعد أن ذكر الخلاف‏:‏ ‏"‏وأولى المعاني بقول الله ـ جل ثناؤه ـ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 29‏]‏‏.‏ علا عليهن وارتفع، فدبرهن بقدرته، وخلقهن سبع سموات‏"‏‏.‏ ا‏.‏هـ‏.‏ وذكره البغوي في تفسيره‏:‏ قول ابن عباس وأكثر مفسري السلف‏.‏ وذلك تمسكًا بظاهر لفظ ‏{‏استوى‏}‏‏.‏ وتفويضًا لعلم كيفية هذا الارتفاع إلى الله ـ عز وجل ـ‏.‏

القول الثاني‏:‏ أن الاستواء هنا بمعنى القصد التام، وإلى هذا القول ذهب ابن كثير في تفسير سورة البقرة، والبغوي في تفسير سورة فصلت‏.‏ قال ابن كثير‏:‏ ‏"‏أي قصد إلى السماء، والاستواء هاهنا ضمن معنى القصد والإقبال، لأنه عدي بإلى‏"‏‏.‏ وقال البغوي‏:‏ ‏"‏أي عمد إلى خلق السماء‏"‏‏.‏

وهذا القول ليس صرفًا للكلام عن ظاهره، وذلك لأن الفعل ‏{‏استوى‏}‏ اقترن بحرف يدل على الغاية والانتهاء‏.‏ فانتقل إلى معنى يناسب الحرف المقترن به ألا ترى إلى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏الإنسان‏:‏ 6‏]‏ ‏.‏ حيث كان معناها يروى بها عباد الله لأن الفعل ‏{‏يشرب‏}‏ اقترن بالباء فانتقل إلى معنى يناسبها وهو يروى، فالفعل يضمن معنى يناسب معنى الحرف المتعلق به ليلتئم الكلام‏.‏

* المثالان الخامس، والسادس‏:‏ قوله تعالى في سورة الحديد ‏:‏ ‏{‏وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏ 4‏]‏ ‏.‏ وقوله في سورة المجادلة ‏:‏ ‏{‏وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا‏}‏ ‏[‏المجادلة‏:‏ 7‏]‏ ‏.‏

والجواب‏:‏ أن الكلام في هاتين الآيتين حق على حقيقته وظاهره‏.‏ ولكن ما حقيقته وظاهره‏؟‏

هل يقال‏:‏ إن ظاهره وحقيقته أن الله تعالىمع خلقه معية تقتضي أن يكون مختلطًا بهم، أو حالًا في أمكنتهم‏؟‏

أو يقال‏:‏ إن ظاهره وحقيقته أن الله تعالىمع خلقه معية تقتضي أن يكون محيطًا بهم‏:‏ علمًا وقدرةً، وسمعًا، وبصرًا، وتدبيرًا، وسلطانًا، وغير ذلك من معاني ربوبيته مع علوه على عرشه فوق جميع خلقه‏؟‏

ولا ريب أن القول الأول لا يقتضيه السياق، ولا يدل عليه بوجه من الوجوه، وذلك لأن المعية هنا أضيفت إلى الله ـ عز وجل ـ وهو أعظم وأجل من أن يحيط به شيء من مخلوقاته ولأن المعية في اللغة العربية التي نزل بها القرآن لا تستلزم الاختلاط أو المصاحبة في المكان، وإنما تدل على مطلق المصاحبة، ثم تفسر في كل موضع بحسبه‏.‏

وتفسير معية الله ـ تعالى ـ لخلقه بما يقتضي الحلول والاختلاط باطل من وجوه‏:‏

الأول‏:‏ أنه مخالف لإجماع السلف فما فسرها أحد منهم بذلك، بل كانوا مجمعين على إنكاره‏.‏

الثاني‏:‏ أنه مناف لعلو الله تعالىالثابت بالكتاب، والسنة، والعقل، والفطرة وإجماع السلف، وما كان منافيًا لما ثبت بدليل كان باطلًا بما ثبت به ذلك المنافي وعلى هذا فيكون تفسير معية الله لخلقه بالحلول والاختلاط باطلًا بالكتاب والسنة، والعقل، والفطرة، وإجماع السلف‏.‏

الثالث‏:‏ أنه مستلزم للوازم باطلة لا تليق بالله ـ سبحانه وتعالى ـ‏.‏

ولا يمكن لمن عرف الله تعالى وقدره حق قدره، وعرف مدلول المعية في اللغة العربية التي نزل بها القرآن أن يقول‏:‏ إن حقيقة معية الله لخلقه تقتضي أن يكون مختلطًا بهم أو حالًا في أمكنتهم، فضلًا عن أن تستلزم ذلك ولا يقول ذلك إلا جاهل باللغة، جاهل بعظمة الرب ـ جل وعلا ـ‏.‏

فإذا تبين بطلان هذا القول تعين أن يكون الحق هو القول الثاني، وهو أن الله تعالىمع خلقه معية تقتضي أن يكون محيطًا بهم، علمًا، وقدرة، وسمعًا وبصرًا وتدبيرًا وسلطانًا، وغير ذلك مما تقتضيه ربوبيته مع علوه على عرشه فوق جميع خلقه‏.‏

وهذا هو ظاهر الآيتين بلا ريب، لأنهما حق، ولا يكون ظاهر الحق إلا حقًا ولا يمكن أن يكون الباطل ظاهر القرآن أبدًا‏.‏

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتوى الحموية ص103جـ5 من مجموع الفتاوي لابن قاسم‏:‏ ثم هذه المعية تختلف أحكامها بحسب الموارد فلما قال‏:‏ ‏{‏يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا‏}‏ ‏[‏سبأ‏:‏ 2‏]‏ ‏.‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏ 4‏]‏ ‏.‏ دل ظاهر الخطاب على أن حكم هذه المعية ومقتضاها أنه مطلع عليكم، شهيد عليكم، ومهيمن عالم بكم، وهذا معنى قول السلف‏:‏ إنه معهم بعلمه ‏.‏ وهذا ظاهر الخطاب وحقيقته‏.‏ وكذلك في قوله‏:‏ ‏{‏مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ‏}‏ ‏[‏المجادلة‏:‏ 7‏]‏ ‏.‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا‏}‏ ‏[‏المجادلة‏:‏ 7‏]‏ ‏.‏ الآية‏.‏

ولما قال النبي، صلى الله عليه وسلم، لصاحبه في الغار‏:‏ ‏{‏لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 40‏]‏ ‏.‏ كان هذا ـ أيضًا ـ حقًا على ظاهره، ودلت الحال على أن حكم هذه المعية هنا معية الاطلاع والنصر والتأييد‏.‏

ثم قال‏:‏ فلفظ المعية قد استعمل في الكتاب والسنة في مواضع‏:‏ يقتضي في كل موضع أمورًا لا يقتضيها في الموضع الآخر‏.‏ فإما أن تختلف دلالتها بحسب المواضع، أو تدل على قدر مشترك بين جميع مواردها، وإن امتاز كل موضع بخاصية فعلى التقديرين ليس مقتضاها أن تكون ذات الرب - عز وجل - مختلطة بالخلق حتى يقال ‏:‏قد صرفت عن ظاهرها ا‏.‏هـ‏.‏

ويدل على أنه ليس مقتضاها أن تكون ذات الرب - عز وجل - مختلطة بالخلق أن الله تعالى ذكرها في آية المجادلة بين ذكر عموم علمه في أول الآية وآخرها فقال‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ‏}‏ ‏[‏المجادلة‏:‏ 7‏]‏ ‏.‏

فيكون ظاهر الآية أن مقتضى هذه المعيّة علمه بعباده، وأنه لا يخفى عليه شيء من أعمالهم لا أنه سبحانهمختلط بهم، ولا أنه معهم في الأرض‏.‏

أما في آية الحديد، فقد ذكرها الله تعالى مسبوقة بذكر استوائه على عرشه وعموم علمه متلوة ببيان أنه بصير بما يعمل العباد فقال‏:‏ ‏{‏هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏ 4‏]‏ ‏.‏

فيكون ظاهر الآية أن مقتضى هذه المعية علمه بعباده وبصره بأعمالهم مع علوه عليهم واستوائه على عرشه لا أنه سبحانه مختلط بهم ولا أنه معهم في الأرض وإلا لكان آخر الآية مناقضًا لأولها الدّالّ على علوه واستوائه على عرشه‏.‏

فإذا تبين ذلك علمنا أن مقتضى كونه تعالىمع عباده أنه يعلم أحوالهم، ويسمع أقوالهم، ويرى أفعالهم، ويدبّر شؤونهم، فيحيي، ويُميت، ويغني، ويُفقر، ويُؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء إلى غير ذلك مما تقتضيه ربوبيته وكمال سلطانه لا يحجبه عن خلقه شيء، ومن كان هذا شأنه فهو مع خلقه حقيقة، ولو كان فوقهم على عرشه حقيقة ‏.‏

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية ص142جـ3 من مجموع الفتاوى لابن قاسم في فصل الكلام على المعية قال‏:‏ ‏"‏وكل هذا الكلام الذي ذكره الله سبحانه من أنه فوق العرش وأنه معنا حق على حقيقته لا يحتاج إلى تحريف ولكن يصان عن الظنون الكاذبة‏"‏‏.‏ ا‏.‏هـ‏.‏

وقال في الفتوى الحموية ص102، 103جـ5 من المجموع المذكور‏:‏ وجِماع الأمر في ذلك أن الكتاب والسنة يحصل منهما كمال الهدى والنور لمن تدبر كتاب الله وسنة نبيه، وقصد اتباع الحق، وأعرض عن تحريف الكلم عن مواضعه والإلحاد في أسماء الله وآياته‏.‏

ولا يحسب الحاسب أن شيئًا من ذلك يناقض بعضه بعضًا البتة مثل أن يقول القائل‏:‏ ما في الكتاب والسنة من أن الله فوق العرش يخالفه الظاهر من قوله‏:‏ ‏{‏وهو معكم‏}‏‏.‏ وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإنّ الله قبل وجهه‏)‏ ونحو ذلك فإن هذا غلط‏.‏

وذلك أن الله معنا حقيقة، وهو فوق العرش حقيقة، كما جمع الله بينهما في قوله ـ سبحانه وتعالى ـ‏:‏ ‏{‏هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏ 4‏]‏ ‏.‏

فأخبر أنه فوق العرش، يعلم كل شيء، وهو معنا أينما كنا كما قال النبي، صلى الله عليه وسلم، في حديث الأوعال‏:‏ ‏(‏والله فوق العرش وهو يعلم ما أنتم عليه‏)‏‏.‏









 


رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
قواعد ، تأويل ، صفات


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 09:25

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc