تفسير قوله تعالى (جنةٍ بربوة) .
السؤال
جاءت كلمة" ربوة" في سورة البقرة، الآية رقم/265 ، وقد ترجمت الكلمة لتعني الحديقة فوق الأرض العالية التي تؤتي ضعف غيرها من الثمار.
ولكن قرأت في تفسير ابن كثير أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنه المكان المرتفع من الأرض ، وهو أحسن ما يكون فيه النبات. فهل هناك إجماع على ذلك. لم أستطع فهم الحكمة من ذكر المكان العالي على وجه التحديد
مع وجود أماكن خصبة في الوديان، ويمكنها أن تؤتي ضعف الثمار ؟ وهل يمكن اعتبار المكان الخصب المتدني ربوة أيضًا ؟
وهل أثبت العلم فضل المكان الخصب المرتفع من الأرض على غيره من الأماكن الخصبة ؟
وأين يمكن إيجاد مثل هذه الأماكن؟
وإن كان المكان مرتفعا كثيرا، فقد يكون الجو حارا ويؤدي ذلك إلى الجفاف؟
الجواب
الحمد لله
اختلف المفسرون في تفسير كلمة (ربوة) في قول الله تعالى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ
أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) البقرة/ 265. وذلك على قولين:
القول الأول:
الربوة: المكان المرتفع من الأرض. وهو ما قرره جمهور المفسرين، مستندين إلى أصل المعنى اللغوي لكلمة (الربوة) التي هي المكان المرتفع من الأرض.
يقول ابن جرير الطبري رحمه الله:
"والرَّبوة من الأرض: ما نشز منها فارتفع عن السيل. وإنما وصفها بذلك جل ثناؤه
لأن ما ارتفع عن المسايل والأودية : أغلظ ، وجنان ما غلُظ من الأرض أحسنُ وأزكى ثمرًا وغرسًا وزرعًا، مما رقَّ منها، ولذلك قال أعشى بني ثعلبة في وصف روضة:
مَا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الحَزْنِ مُعْشِبَةٌ ...
خَضْرَاءُ جَادَ عَلَيْهَا مُسْبِلٌ هَطِلُ
فوصفها بأنها من رياض الحَزن، لأن الحُزون: غرسها ونباتها أحسن وأقوى من غروس الأودية والتلاع وزروعها.
وإنما سميت (الربوة) لأنها ربت ، فغلظت وعلت، من قول القائل: ربا هذا الشيء يربو، إذا انتفخ فعظُم.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
ثم ذكر قول مجاهد :
هي الأرض المستوية المرتفعة...
وذكر نحوه عن قتادة والضحاك والسدي والربيع .
وقال : قال ابن عباس :
(كمثل جنه بربوة)، قال: المكان المرتفع الذي لا تجري فيه الأنهار" .
انتهى من "جامع البيان" (5/535-536) ، ملخصا .
ويقول ابن قتيبة رحمه الله:
"وأحسن ما تكون الجنان والرّياض: على الرّبا"
انتهى من "تأويل مشكل القرآن" (ص: 196).
ويقول أبو إسحاق الزجاج رحمه الله:
"والربوة ما ارتفع من الأرض، والجنة البستان، وكل ما نبت وكثف وكثر، وستر بعضه بعضاً فهو جنة .
والموضع المرتفع إِذا كان له ما يرويه من الماءِ : فهو أكثر ريْعاً من المستفِل .
فأعلم اللَّه عزَّ وجلَّ أن نفقة هُؤلاءِ المؤمنين ، تزْكو كما يزكو نبْتُ هذه الجنة التي هي في مكان مرتفع"
انتهى من " معاني القرآن وإعرابه" (1/ 348) .