ومهما كان الرأي في تلك المصاحف فإنها – دون شك – قديمة ترجع إلى القرون الهجرية الأولى
بل ربما إلى القرن الأول بالذات ، خاصة حين لا يظهر فيها أي أثر للإصلاحات التي أدخلت على الخط العربي في النصف الثاني من القرن الأول الهجري
إلا بعض العلامات النادرة أحيانا
فهي بذلك أقرب إلى الفترة التي يحتمل أن تكون المصاحف العثمانية موجودة فيها ، وربما نسخت منها أو من مصحف نسخ من أحدها ، وهي لذلك خير ما يمثل واقع الرسم الذي نسخت به المصاحف العثمانية .
وتملك مكتبات التراث الإسلامية في مصر خير مجموعة من تلك المصاحف القديمة
كذلك يروى أن أحد تلك المصاحف القديمة كان موجودا في الحرم النبوي في المدينة المنورة حتى الحرب العالمية الأولى (1914-1918م)، حيث نقله العثمانيون إلى الآستانة مع انسحابهم من أراضي الحجاز
ويقال إنه انتقل إلى ألمانيا .
ومنها مصحف محفوظ الآن في مدينة طشقند في تركستان الإسلامية في روسيا ، وقد قامت بنشره – في مطلع هذا القرن – جمعية الآثار القديمة الروسية ، وطبعت منه خمسين نسخة
ومع ذلك فإن الدراسات عن تلك المصاحف القديمة وعددها في مكتبات العالم لا تزال قليلة "
انتهى باختصار يسير.
" رسم المصحف دراسة لغوية تاريخية " (ص/188-191)
الاحتمال الثاني الذي يحتمله هذا السؤال : أن يكون الغرض منه التشكيك في المصاحف الموجودة بين أيدينا اليوم : وهذا ما نستبعده عن السائل لظهور خطئه
فإن تواتر نقل القرآن الكريم عبر مئات الآلاف من الأسانيد المتصلة والكتب والمصاحف والمخطوطات أمر مشهور معروف ، ولو أنشئت المؤسسات العلمية الكبيرة لحصر هذه الأسانيد والمصاحف
والكتب وجمع أدلة تواتر القرآن الكريم لما أمكنها ذلك ، تماما كما لو أنشأنا مؤسسة بحثية لإثبات تواتر خبر وجود دولة كالصين مثلا في عالم الناس اليوم ، فهل يطلب عاقل القيام بذلك
وهل بالإمكان حصر جميع الأخبار ، والآثار ، والمشاهدات ، التي وقعت لكل إنسان رأى الصين ، أو جاءه شيء منها ، أو اتصل به خبرها بوجه ما ؟!!
ثم مع ذلك كله ، بل فوق ذلك كله : حفظ القرآن في الصدور ، ونقله شفاها ، شخصا عن شخص
وجيلا عن جيل ، وقرنا عن قرن ، من أول نزول الوحي على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، إلى يوم الناس هذا ، لا يختلفون ولا يمترون فيه .
والمصاحف العثمانية إنما أخذت عن تواتر القرآن الكريم في عهد الصحابة رضوان الله عليهم وليست هي المصدر الأول لرواية القرآن ، فكيف نقلب المنهج اليوم وننفي تواتر القرآن بعدم وقوفنا على المصاحف العثمانية .
يقول العلامة الزرقاني رحمه الله:
" ثم إن عدم بقاء المصاحف العثمانية قاطبة لا يضرنا شيئا ، ما دام المعول عليه هو النقل والتلقي ثقة عن ثقة ، وإماما عن إمام ، إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك متواتر مستفيض على أكمل وجه في القرآن حتى الآن .
على أن المصاحف العثمانية نسخت على غرارها الآلاف المؤلفة في كل عصر ومصر ، مع المحافظة على الرسم العثماني " انتهى.
" مناهل العرفان " (1/405)
فقل لسائلك ، بدلا من أن تتحير :
أين عشر معشار ذلك كله ، وأدنى منه بكثير ، لشيء من كتبكم ، ودينكم ؟!
لقد ذكرنا سؤال هذا النصراني بقول الشاعر حافظ إبراهيم رحمه الله :
يا ساكِنَ البَيتِ الزُجا
جِ ، هَبِلتَ ، لا تَرمِ الحُصونا
أَرَأَيتَ قَبلَكَ عارِياً
يَبغي نِزالَ الدارِعينا
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين