الوجه الثاني : جاء الشرع آمرا المسلم بنصرة أخيه المسلم .
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا )، فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا
أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ ؟
قَالَ: ( تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ ) رواه البخاري (6952) ، ومسلم (2584) من حديث جابر رضي الله عنه .
وعن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ ) رواه البخاري (2442) ، ومسلم (2580) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
" ( المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ ) يعني في الدين ..
.
( وَلاَ يُسْلِمُهُ ) يعني لا يسلمه لمن يظلمه ، فهو يدافع عنه ويحميه من شره ، فهو جامع بين أمرين:
الأمر الأول: أنه لا يظلمه .
والأمر الثاني: أنه لا يسلمه لمن يظلمه ، بل يدافع عنه .
ولهذا قال العلماء ـ رحمهم الله ـ : يجب على الإنسان أن يدافع عن أخيه في عرضه وبدنه وماله "
انتهى من " شرح رياض الصالحين " (2 / 566 – 567) .
والمسلمة ، وإن كانت فاسقة بتبرجها مثلا ؛ فإنّ هذا الفسق لا يزيل عنها الأخوة الإيمانية ، كما هي عقيدة أهل السنة والجماعة ، ولا يسقط حقها في الموالاة والنصرة ، بحسب القدرة .
قال الله تعالى : ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى
الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) الحجرات /9 – 10 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى :
" وفي هاتين الآيتين من الفوائد ... وأن الإيمان والأخوة الإيمانية لا تزول مع وجود القتال ، كغيره من الذنوب الكبار التي دون الشرك ، وعلى ذلك مذهب أهل السنة والجماعة " .
انتهى من " تفسير السعدي " ( ص 801) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" ومن أصول أهل السنة ...
لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر ، كما يفعله الخوارج ؛ بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي "
انتهى من " مجموع الفتاوى " (3 / 151).
والمرأة المجهولة الحال في بلد أكثر أهله مسلمون ، غالب الظن أنها مسلمة
فيجب الدفاع عنها ؛ وإذا قدر أنها كانت كافرة في نفس الأمر ، فالأصل في تواجدها بين المسلمين أنها تتمتع بأمانهم ، وللمسلم أن يدافع عن الكافر المستأمن لأنه لا يجوز ظلمه .
راجع الفتوى القادمه
قال النووي رحمه الله تعالى
:
" ويجوز لغير المصول عليه الدفع ، وله دفع مسلم صال على ذمي ، وأب صال على ابنه ، وسيد صال على عبده ؛ لأنهم معصومون مظلومون " .
انتهى من " روضة الطالبين " (10 / 186) .
وقيّد بعض أهل العلم الوجوب بحال عدم خوف المدافع على نفسه .
قال الرملي رحمه الله تعالى :
" والدفع عن غيره كهو [يعني كالدفع] عن نفسه ، جوازا ووجوبا ؛ حيث أمن على نفسه " .
انتهى من " نهاية المحتاج " (8 / 25) .
والذي يعجز عن الدفع عن الغير بنفسه : فعليه بذل وسعه في الاستعانة بالغير ، واستصراخ الناس ونحو هذا مما يستطيعه ، ويغلب على ظنه حصول المصلحة به .
والله أعلم .