تركيا...الاتحاد الأوروبي,إقصاء مبكر

[Su2013]

ليس مطلب اليوم...

الإمبراطورية العثمانية,أراضي شاسعة من أقاصي المغرب إلى المشرق,امتدادا إلى وسط أوروبا...حركة التبادل التجاري بين الأقاليم المختلفة و طبيعة تكوين الجيوش العثمانية (لاسيما الجيش الانكشاري) كلها عوامل جعلت من المجتمع العثماني أكثر تنوعا و تعددا,وكما أوضح الكثير من المؤرخين انصهار الكثير من الأنساب الأوروبية داخل العائلات التركية و أحيانا كان بعض الأمراء و الولاة العثمانيين على صلة مصاهرة و نسب وتربطهم زيجات بأقرانهم الأوروبيين,أمر ظهر بكثرة مع نهاية القرن السابع عشر...هذا ما جعل نسبة كبيرة من سكان تركيا اليوم من نسب أوروبي.وبعد قيام نموذج الدولة التركية الحديثة سارع الأب المؤسس لها كمال مصطفى إلى إقحام جمهوريته الفتية في مختلف المنظمات الدولية و أدرج اسم بلده ولو بشكل رمزي في كثير من تلك المنظمات والهيئات...خلف كمال بعد وفاته لجمهوريته سياسات إصلاحية, أكسبت تركيا مقعدا دائما في حلف الناتو,وقبلها كانت تركيا أحد أوائل الأعضاء في المجلس الأوروبي.لتقوم بعدها بعدة خطوات للتقرب من المنظمات الأوروبية كإبرام اتفاقيات جمركية مع تلك المنظمات..ولينتهي هذا المجهود بتقديم طلب رسمي لنيل العضوية الكاملة داخل الاتحاد الأوروبي.

تركيا...ماذا تضيف للاقتصاد الأوروبي

الاقتصاد التركي الحالي يعتمد بشكل أساسي على السياحة و الاستثمارات المحلية المتوسطة,مع خطوات متواضعة في ما يخص إصلاح المنظومة الجبائية,هذا الاقتصاد الناشئ لا يزال يقبع تحت شبح التضخم الذي عرفته تركيا من قبل,وتبذل الحكومة التركية كل ما بوسعها من أجل دعم الاستثمارات المحلية(حتى ان كانت فاشلة) ومساعدتها للخروج داخل حدود تركيا مثل شركات البناء المنتشرة في عدد من بلدان شرق أوروبا و الجزائر و ليبيا,كل هذه النقاط الايجابية لا تكفي..إذ يبقى أمام الأتراك ضرورة وضع خطط شاملة من أجل التكيف مع القوانين الأوروبية الاقتصادية التي ستفرض في البلاد في حالة قبولها,إضافة إلى العملة التي لن يكون أمرا سهلا تغييرها في ليلة واحدة...وبالنسبة لخبراء الاقتصاد داخل الاتحاد الأوروبي سيكون الطرح كالآتي : دول أوروبية كثيرة تعاني من أزمة مالية خانقة,إضافة بلد أخر يعني أنه سيضيف لنا شيء مفيد..وما الذي ستضيفه تركيا باقتصادها المتواضع للاتحاد الأوروبي''

عقدة اللغة....تركيا للأتراك فقط
لابد أن الحديث عن نوستالجيا العهد العثماني قد جعل الكثيرين يحلمون بأن تركيا اليوم هي مكان للتعددية و بأن المجتمع التركي هو مجتمع متسامح مع المظاهر العرقية و الدينية المختلفة,الحقيقة هي العكس تماما,نتيجة لتراكم سياسات عنصرية منتهجة من قبل الجهات الرسمية منذ إلغاء الدولة العثمانية,ولعل الأبرز هو عقدة اللغة إذ أن إعلان أتاتورك إبدال الأحرف العربية بأحرف لاتينية في الكتابة الرسمية للغة التركية لم يجعل المجتمع التركي يتحدث اللغات اللاتينية بطلاقة,وهنا أحد نقاط الضعف الأبرز عكس المجتمعات متعددة الألسنة و اللهجات و اللغات (على غرار المجتمع الجزائري) لا يكاد يتقن أفراد المجتمع التركي (العوام) لغة أو اثنين على الأكثر (اللغة الألمانية أو الانجليزية) ويكون إتقان اللغة الثانية سطحيا وركيكا جدا..مع وجود استثناءات طبعا,وهذا ما يولد مشاكل كثيرة في التواصل..علما أن عائق اللغة واقع يسري على كل دول الاتحاد الأوروبي.

حقوق الإنسان....تركيا للأتراك فقط

حقوق الإنسان,الملف الأثقل على طاولة المفاوضات بين الأتراك و الاتحاد الأوروبي..يندرج ضمن ملف التشريعات و القوانين,إذ لدى الدولة التركية ماضي أسود في اضطهاد ممنهج لأقليات من الأرمن المسيحيين,والعلويين في لواء اسكندورن جنوبا و إضافة إلى التضييق على الأقليات الكردية عن طريق حملات عسكرية عنيفة,بعد محاولة الانقلاب الأخيرة أعربت أنقرة عن نيتها في إعادة تفعيل عقوبة الإعدام بحق المتورطين,أمر أدى إلى غلق ملف التفاوض حول التشريعات والقوانين,كما أن تبني أنقرة لنظام رئاسي التغيير المفاجئ الذي لم يتوقعه الجانب الأوروبي مما أدى إلى مزيد من التأخير في سير المفاوضات.

إقصاء مبكر....أو استراحة لحين أخر

موازين القوى داخل الاتحاد الأوروبي تتأرجح عادة بين برلين و باريس..وان كان لتركيا مشكلة مع أي من هذه الدول أو لم يكن لديها توافق سياسي معها سيكون من الصعب جدا مناقشة فكرة اكتسابها للعضوية الأوروبية الكاملة,وقد يذهب الكثيرين لوصف الأزمات والتوترات الأخيرة وحرب التصريحات الألمانية بأنها إقصاء مبكر لتركيا,وقد يصفها الآخرين بأنها مجرد ''تصريحات إعلامية''...أما الواقع هو ببساطة أمام تركيا طريق طويلة جدا لنيل العضوية وتحقيق حلم الانضمام للاتحاد الأوروبي.