لا حاجة لنا هنا إلى الكثير من الإرشاد لكي نفهم بأن الأوتوقراطية الدينية والفردية للدولة الأموية نحتت مسارها التنظيمي على أسس عربية أكثر منها إسلامية، يرهبون ويخضعون الشعوب بقوة السيف مصحوبين بقضهم وقضيضهم على حد تعبير ابن عبد الحكم، مفعمون بحماسة السبي والغنم
1/ ونقرا لابن عذارى ما يلي في وصف الديكتاتور عقبة بن نافع” فمضى إلى مدينة المنستير … فقاتلهم قتالا شديدا حتى ظن أنه الفناء”
2 “ووصل عقبة بن نافع الفهري إلى إفريقية … فافتتحها ودخلها ووضع السيف في أهلها وأوغل في الغرب يقتل ويأسر أمة بعد أمة وطائفة بعد طائفة”
3 ونقرأ لابن عبد الحكم عن عقبة كذلك ما يلي : “فاستباح مافي المدينة (خاوار) من ذريتهم وأموالهم وقتل مقاتلتهم”
4 ولم تغب مثل هذه الجرائم العنصرية عن السفاح سارق بيت مال المسلمين موسى ابن نصير أيضا حيث أنه عندما غزا المغرب بعث ابنه مروان على جيش فأصاب من السبي مائة ألف وبعث ابن أخيه في جيش آخر فأصاب مائة ألف … فلما أتى كتابه بذلك قال الناس ابن نصير والله أحمق من أين له عشرون ألفا يبعث بها إلى أمير المؤمنين في الخمس فبلغ ذلك موسى بن نصير فقال : ليبعثوا من يقبض لهم عشرين ألفا”
5″ فلم يسمع بمثل سبايا موسى بن نصير في الإسلام”
6 ثم فتح موسى هوارة وزناتة وكتامة. فأغار عليهم وقتلهم وسباهم فبلغ سبيهم خمسة ألف رأس”
7 وذكر ابن أبي حسان أن موسى لما فتح سقيوما كتب إلى الوليد بن عبد الملك أنه سار لك من سبي سيقيوما مائة ألف رأس، فكتب إليه الوليد : ويحك إني أظنها من بعض كذباتك فإن كنت صادقا فهذا محشر الأمة”
8 فانطلاقا من السبل المنتهجة آنذاك، كان لا بد من انطلاق العديد من الثوراة ضد جحافيل المغول العربية كثورة البطلة تيهيا التي اندلعت من نفس الضغط الذي مارسه العربان الغزاة، “حيث لاحظت الكاهنة أن العرب ما يكادون ينزلون البلاد حتى تتوجه همتهم إلى المدائن والنواحي العامرة يبذلون وسعهم في الاستيلاء عليها فإذا تم لهم ذلك انقضوا على الخيرات والنفائس والأموال فانتهبوها ولم يخلفوا وراءهم منها شيئا … فوقع في ظنها أن العرب لا يريدون من فتح هذه البلاد الا أمرا واحدا الأموال والغنائم والأسلاب والسبي فأحبت أن تقطع رجاء العرب في البلاد بأن تقضي على كل معالم العمران فيها”
9″ فقالت للبربر : إن العرب إنما يطلبون من إفريقية المدائن والذهب والفضة … فلا نرى لكم إلا خراب بلاد إفريقية كلها، حتى ييأس منها العرب فلا يكون لهم رجوع إليها الى آخر الدهر”
10 ولا بد أن نعرج هنا على قرار التخريب هذا الذي أثار حفيظة الكثير من المؤرخين لما يمثله من تناقض صارخ لقيم البربر فبرو فنسال يؤيد مقالة جاتو ويقول ” أنه من الواضح أن نسبة هذا العمل الذي يخالف طباع البربر إلى الكاهنة لا بد أن تكون محل شك ولا ريب أن العرب وهم المسؤولون الحقيقيون عما أصاب إفريقية من خراب البلاد الاقتصادي الزراعي. بعد ذلك بسنوات هم الذين نسبوا إلى بطلة الأوراس هذه الجريمة التي لا بد أن نضيفها إلى حسابهم دون أدنى من الشك أو التردد”11.
كانت هذه الأعمال الوحشية والجرائم اللاإنسانية ترتكب باسم الإسلام، والإسلام براء منهم، مع أن مفاهيم الإسلام ومبادئه تحرم مثل هذه التجاوزات وينهى عنها وليس هذا فقط بل تم اعتبار البربر أنفسا وأموالا يحق للولاة الغزاة حق التصرف فيها “فكانوا يسترقون أبناء البربر حين يعجزون عن دفع ما عليهم من أموال … وبعد إتمام الفتح عول الولاة في القيروان على إتباع سياسة مالية جائرة فأرهقوا البربر بالمغارم والجبايات واعتبروا بلادهم دار حرب حتى بعد اعتناقهم الإسلام فقد طبقت السياسة التي استنها الحجاج في كافة الولايات الإسلامية لأنها ضمنت للخلافة مزيدا من الأموال، وتقضي هذه السياسة بعدم إسقاط الجزية عن الموالي اسلموا أم لم يسلموا. فضلا عن إرهاق الفلاحين بمزيد من الضرائب غير ضريبة الخراج”
“فقد رأى عبيد الله بن الحبحاب شدة الإقبال في العاصمة على صوف الخراف العسلية الذي تصنع منه الملابس الناصعة البياض فقد اغتصب من البربر أغنامهم ودبحها … بل اغتصب أيضا نسائهم وبناتهم وأرسلهن إلى الشام ليخدمن في القصور، وذلك لشدة ولع العرب بنساء البربر اللائي عرفن على الدوام بأن جمالهن يبز جمال العربيات”
وإذا كان هذا المقال قد تمحور، بالدرجة الأولى في البداية، حول أهمية الاعتذار للتحرر من لعنة الزمن الماضي، فإنه صار يدور الآن حول الأسباب التي تفسر تشبتنا نحن الأمازيغ إلى كشف الحقيقة عن مشكل تاريخي كان ضحيته الآلاف من أبناء وبنات ونساء وشيوخ هذا الشعب وفق عمل مخطط مدروس وسلوك عربي صرف سار على هدى استراتيجية يزعم أنها في سبيل الإسلام. هذا الأخير الذي تدفعنا أهميته للحديث عنه، لأنه يعزز لضرورة تلزم الأمازيغ بصفة خاصة على إعادة التفكير في مجمل السياسات والقضايا التي تربطنا مع هؤلاء العرب، أي بمعنى آخر، فيما إذا سيكون بالإمكان مواصلة التواطؤ في اغتيال التاريخ عن طريق المغالاة في الكرم والطيبوبة وهذه السذاجة التي حولتنا إلى مدلولين، حتى نرضي السيد العربي الذي يرى أنه خلق بتفويض إلهي، وأنه ضل الله في الأرض لذا فالحق في الإعتذار للأمازيغ غدا محركا للتحول صوب مطالبة هذه الأنظمة التي تمارس الوصاية العربية على بلدان تمازغا على الإعتذار عن العمليات الإرهابية التي ارتكبها النظامين الأموي والعباسي بأرض تمازغا خلال القرنين 7 و8 م.
وبما أن دساتير أنظمة أغلب دول تمازغا تنص في ديباجتها على احترام حقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها دوليا فسيكون بذلك ملزما بعدم التغاضي عن تلك المآسي ومخيبا للآمال بفصلها عن المطالب الأخرى المشروعة التي ترفعها الحركة الأمازيغية وعلى خلفية السياسة الأموية التي سبقت أن حددت بعضا من معالمها، هذه السياسة التي وصفها فون فلوتن “بالاحتلال حيث يعيش شعب منتصر على حساب آخر مغلوب” أدعو كل أمازيغي حر في الجزائر على التكاثف من أجل العمل على التقدم باقتراح إلى الحكومة الجزائرية يقضي بنقل قبر السادي عقبة بن نافع من مدينة بسكرة الأمازيغية إلى أرض العرب. هذا البربري المتوحش الذي كان يفتقر إلى أدنى شروط النظرة السياسية الهادئة، كيف له ذلك وهو الأعربي القادم من بلاد أهلها يسكنون القفر وحياتهم تملئها النزعة للإستبداد والقتل لا يقيمون وزنا لأي من القيم أو الأخلاق الإنسانية ” فلم يكن نشر الإسلام غاية واضحة في ذهن عقبة … أما عقبة فكان ينقض على المدائن محاربا مقاتلا، ويلبث على ذلك فترة ثم ينصرف دون أن ينتهي مع أهل البلد إلى شيء معلوم”14 ولكي يمثل الحضور العربي النرجيسي كان لا بد له أن يسير في تعامله هذا من زاوية الركض وراء أهواء المجد الشخصية فقد آثار أن لا يصالح البربر وتوخي سياسة اللين والمودة معهم بل إن الأمر بلغ به إلى حد التخلي عن القاعدة الإسلامية والمتمثلة في إعذار الطرف المقابل وجعله يختار واحدة من ثلاث : الإسلام أو الجزية أو الحرب … فانتقم الله منه بأن أيقظ في السكان روح الثورة وكانت نهايته على يدهم. وعلى هذا الأساس كان بد لهذا الكابوس- الذي يشكل فيه عقبة ما يشبه أحد أكثر الفصول ترويعا في أفلام الرعب الأمريكية- أن ينتهي إلى الأبد حيث لن يتأتى ذلك وقبره لا زال على ارض تمازغا بارزا للعيان ومحيلا لتلك المشاهد الفظيعة التي أنشئتها المقصلة العربية.
هوامش
1- إبراهيم بضون “ملامح التيارات السياسية في القرن الأول الهجري” ص 149.
2- بن عذاري المراكشي البيان المغرب ص 16.
3- نفسه ص 26.
4- ابن عبد الحكم “فتوح إفريقية والأندلس” ص 52-51.
5- نفسه. ص 69.
6- ابن عذاري البيان المغرب ص 43.
7- نفسه ص 41.
8- الرقيق القيرواني تاريخ افريقية والمغرب ص 45.
9- حسين مؤنس فتح العرب للمغرب ص 252.
10- ابن عذاري البيان المغرب ج1. ص 36.
11- سعد زغلول عبد الحميد تاريخ المغرب العربي ج 1. ص 221.
12- محمود إسماعيل الخوارج في المغرب الإسلامي ص 29.
13- دوزي تاريخ مسلمي إسبانيا ص 144.
14- حسين مؤنس فتح العرب للمغرب ص 203