في وقت مضى من تاريخ الدول العربية كانت مقاهي المثقفين أحد أفضل أماكن الإبداع و الإلهام للروائيين و المؤلفين و المثقفين و أسمائهم اليوم أشهر من نار على علم، فيها دارت أروع النقاشات الأدبية و العلمية، و منها خرجت تلك العقول الراقية و كانت تلك الرحم التي ولدت ترسانة من فطاحلة الأدب العربي، شعارهم فيها " لن أتعلّم أبداً من شخص يوافقني الرأي" ، لكن دعوني أنتقل بكم من أدب اللغة إلى أدب الثقافة التي نعيشها اليوم، فمثقفونا يرسمون لنا لوحة توحي لنا أنهم آخر المتحضرين في هذه الأرض و هذا و الله ما يجعلهم أكثر غباء، و الأمَر من هذا كله ما يعمد إليه بعضهم من الخيانة، نعم فلا شيء أسوء من خيانة القلم و كما قيل: الرصاص الغادر قد يقتل أفراداً بينما القلم الخائن قد يقتل أُمماً، فما أكثرهم اليوم، يلبسون عباءة الإعلام، يروجون كل قبيح و يطمسون كل جميل فالناس فيهم الكاذب والخائن و المخادع و الغشاش و المنافق، فلو عاملنا كل مثقف أو كاتب بما فيه من صفته لاجتمع فينا ما تفرق فيهم وهي مذمة ما بعدها مذمة، صنف آخر نعاني منه اليوم و هو الذي قال فيه شكسبير " يرضع الطفل من أمه حتى يشبع و يقرأ على ضوء عينها حتى يتعلم القراءة و الكتابة و يأخذ من نقودها ليشتري أي شئ يحتاجه و يسبب لها القلق والخوف حتى يتخرج من الجامعة وعندما يصبح رجلاً، يضع ساقاً فوق ساق في أحد مقاهي المثقفين و يعقد مؤتمراً صحفياً يقول فيه: إن المرأة بنصف عقل!! سحقاً لعقلية سكنت عقول البشر!" و ليس موضوع الأم محورنا، لكن أردت أن يكون معيارا لمواضيع لا تقل أهمية عنها، مثقفون ظنوا أن الثقافة تعطيك تأشيرة التفلسف في أمور الدين و ثوابته، و آخرون لا يعرفون من الثقافة إلا لوي ألسنتهم بلغة أجنبية متناسين أن حقيقة الارتقاء أساسها التمسك والحرص على استعمال اللغة الأم قبل كل شيء، حالهم كالذي يقلد كل أحد و يحب أن يكون نسخة من كل أحد كالظل الذي يتبعك في الظلام لكن سرعان ما ينكشف عند أول شعاع من الضوء.
أختم بلوحة فنية لأحمد مطر يقول فيها: " جسّ الطبيب خافقي و قال لي:هل هنا الألم..؟!
قلت له: نعم، فشق بالمشرط معطفى و أخرج القلم..!!
هزّ الطبيب رأسه و مال و ابتسم و قال لي: ليس سوى قلم
فقلت: لا يا سيدي، هذا يد.. و فم و رصاصة و دم
و تهمة سافرة تمشي على قدم.
- مثقفون يدقون آخر مسمار في نعش الثقافة -
- عثمان الجزائري -