مواعظ في المستشفى.

[الألمعي]

حدث أن نُقل أحد أقاربي إلى المستشفى، وقد دام مكوثه فيه أسبوعان ، وكان طوال تلك المدة في انتظارٍ لموعد علاجه. والحمد لله أن حالته الصحية لم تكن صعبة ولا تستدعي قلقا، وهذا ما خفف وطأة الأمر علينا.
خلال زياراتي اليومية لقريبي في المستشفى كنت أعاين وأعايش أشكالا من معاناة المرضى، فهذا واضع يده على خده مستغرق في التفكير ينتظر موعد إجراء العملية، وذاك يصبّر أحد أقربائه كان قد أجريت له عدّة عمليات جراحية أرهقت جسمه ، وتلك خرجت من عند الطبيب باكية ،....
هكذا مرت تلك المدة أرى فيها آلاما قد ارتسمت على وجوه المرضى كلٌّ منها تخبر عن قصةٍ مع المرض. ورغم كل تلك الأوجاع والأسقام حين تسألهم عن أحوالهم يبادرون بالإجابة قائلين : الحمد لله طيبة ، قدر الله وما شاء فعل،... .
تلك الحالات التي عايشتها طيلة تلك المدة ، بقيت مستحوذة على فكري ومسيطرة على شعوري ، جعلتني أقدر كيف أننا معشر الأصحاء نتقلب في نعم وفيرة لا يحصيها إلا الله من مفارق رؤوسنا إلى أخمص أقدامنا ، حينها تجلى لي معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((من أصبح منكم آمناً في سربه ، معافى في جسده ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها )) .
فما أضعفنا! وما أعجزنا! عند أقل مرض يُلمّ بنا.... لطفك اللهم بنا وعفوك عنا.

****

المستشفيات - هذه - تخفي بين جنباتها مواعظ وأيُّ مواعظ أبلغ من أن نرى تاج الصحة قد خُلع عن رؤوس الأصحاء وبُدّل سقماً وربما يكون أحدنا يوما ما مكان هؤلاء .
فلا أجمل من أن نبادر بعيادة المرضى والمُبتلين نؤانسهم ونسلّيهم عن معاناتهم ، ولا أفضل منها علاجا لقسوة القلب فإنها تورث المرء رقة وعطفا . وتجعلنا ندرك أن أموراً كثيرة في حياتنا لا تستحق أن نحزن عليها.