
كنّا صغارا نذهب مساء أيّام الصّيف الطّويلة رفقة أبي حفظه اللّه إلى المروج الخضراء ، نلعب ونمرح ونركض ، مع نسمات باردة ، وشمس توشك أن تغيب على أمل أن تطلع مع بزوغ فجر جديد .
كنت أذهب مع إخوتي ، نأخذ معنا قارورة مملوءة إلى نصفها بماء بارد منعش آملين أن نجد مايكفي من توت العلّيق لملئها ، غير مبالين بأشواكه التّي كثيرا ماأدْمَتْ أيدينا وأرجلنا الصّغيرة ، لكن كلّ شيء يهون في سبيله .
وكنّا نعود قبيل آذان المغرب فرحين ممتلئين نشاطا وأملا ، نغسل أطرافنا ونتوضّأ ونصلي ، ونتعشّى ، بعدها نقتسم ماغنمناه من حبّات توت ، فقد كان بالنّسبة لنا كالغنيمة ، وكم كنّا نسعدُ بها .
أحيانا نتّفقُ على تقسيمها ، وأحيانا أخرى كنّا نختلف حدّ الشّجار ، ممّا يضطرّ بالكبار إلى التّدخُّل لحلّ الأزمة النّاشئة بسبب التُّوت .
الأن أحنّ إلى تلك الأيّام ، ولن تصدّقوا إن قلتُ لكم كَم أتوق لأكل حبّات منه ، مرّت سنوات طوال منذ تناولته آخر مرّة .
لكن ياترى هل سيكون له الطّعمُ ذاته ؟
أم أنّه فَقَدَ جزءا من لذّته ، لأنّه حينها كان ممزوجا بطعم الطّفولة والصّغر وحلاوتهما ، وكنت أقطفه بيديّ من مروج خضراء جميلة ، وعلى وقع أصوات العصافير والأبقار ، ومنظر الفلّاحين وهم يَسْقُون محاصيلهم ويعتنون بها ويقطفونها ، ومنظر الفتية وهم يلعبون غير بعيدين عنّا ، أمّا الأن ، فحتّى وإن تناولته فسيكون بين جدران أربعة ، فباللّه عليكم ، هل سيكون له نفسُ الطّعم ؟