شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتب و المتون العلمية و شروحها ..

قسم الكتب و المتون العلمية و شروحها .. يعنى بجميع المتون من نظم و قصائد و نثر و كذا الكتب و شروحاتها في جميع الفنون على منهج أهل السنة و الجماعة ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2016-01-27, 15:18   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

الدرس الثاني عشر من /كتاب التوحيد من صحيح البخاري 17/ من شهر ربيع الثاني 1437 .

بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثاني عشر:
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: (بَابُ مُقَلِّبِ القُلُوبِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ} [الأنعام: 110])
7391- حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَكْثَرُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْلِفُ: «لاَ وَمُقَلِّبِ القُلُوبِ».

******************
(حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الشرح: (قَوْلُهُ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ هُوَ الْوَاسِطِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ يُكْنَى أَبَا عُثْمَانَ وَيُلَقَّبُ سَعْدَوَيْه وَكَانَ أحدَ الْحُفاظ).اهـ
وأحيانًا في الأسانيد يُذكر بلقبه (سعدويه)، وأحيانًا يُذكر باسمه (سعيد).
(عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ)
وهو عبد الله بْنُ المُبَارَكِ أبو عبد الرحمن المروزي.
جُمِعت فيه خصالُ الخير، لم يسبقه صحابةُ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا بصحبتهم إياه والغزوِ معه.
طلبَ العلمَ وهو ابنُ عشرين عامًا كما في سير أعلام النبلاء.
وهذه بركةٌ من الله سبحانه وتعالى،طلبَ العلمَ في أثناء سنِّ الشباب.
ولا يأت وسواسٌ لأحدٍ ،تأخير طلب العلم إلى سنٍ متأخِر؛فإن هذا من التسويف وهومذمومٌ ، فالعمر قصير، والزمن يسير ، العمر يمشي ، وما مضى منه لا يمكن تداركُ شيءٍ منه ولا دقيقة ، والتأخيرُ له آفات . وكثيرٌ من العلماء يحفظون القرآنَ وكثيرًا من المتون في سنِّ الصِغر قبل سنِّ الشباب والكُهولة وقد قال تعالى منكرا على الكفار {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}.
-عبد الله بن المبارك قيل فيه
إِذَا سَارَ عَبْدُ اللهِ مِنْ مَرْوَ لَيْلَةَ ... فَقَدْ سَارَ مِنْهَا نُوْرُهَا وَجَمَالُهَا
إِذَا ذُكِرَ الأَحْبَارُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ ... فَهُم أَنْجُمٌ فِيْهَا وَأَنْتَ هِلاَلُهَا

مرجع البيتين سير أعلام النبلاء .
ومن الآثار في الثناء عليه رحمه الله
روى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ترجمة ابن المبارك أنه قدم هارون الرشيد أمير المؤمنين الرقة، فانجفل الناس خلف عبد اللَّه بن المبارك، وتقطعت النعال، وارتفعت الغبرة، فأشرفت أم ولد لأمير المؤمنين من برج من قصر الخشب، فلما رأت الناس قَالت: ما هذا؟ قَالُوا: عالم من أهل خراسان قدم الرقة يقَالُ له عبد اللَّه بن المبارك، فقَالت: هذا واللَّه الملك لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشُرَطٍ وأعوان.
ومن مناظرة عبد الله بن المبارك رحمه الله يقول: كُنْتُ أُصَلِّي إِلَى جَنْبِ النُّعْمَانِ بْنِ ثَابِتٍ فَرَفَعْتُ يَدَيَّ فَقَالَ: مَا خَشِيتَ أَنْ تَطِيرَ؟ فَقُلْتُ إِنْ لَمْ أَطِرْ فِي الْأُولَى لَمْ أَطِرْ فِي الثَّانِيَةِ قَالَ وَكِيعٌ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى ابْنِ الْمُبَارَكِ كَانَ حَاضِرَ الْجَوَابِ فَتَحَيَّرَ الْآخَرُ , وَهَذَا أَشْبَهُ مِنَ الَّذِينَ يَتَمَادُونَ فِي غَيِّهِمْ إِذَا لَمْ يُبْصِرُوا .
والأثر علقه البخاري في جزء " رفع اليدين "رقم 45 .
وهو موصول يراجع "نشر الصحيفة "للوالد رحمه الله .
أبو حنيفة كان يرى رفع اليدين في الصلاة في التكبيرة الأولى فقط، أما بقية المواضع فلا يرى مشروعية الرفع فيها وقد ردَّ عليه العلماء .
من الآثار الثابتة عن عبد الله بن المبارك رحمه الله: "مَنْ بَخِلَ بِالْعِلْمِ ابْتُلِيَ بِثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ يَمُوتَ فَيَذْهَبَ عَلِمُهُ، أَوْ يَنْسَاهُ، أَوْ يَتْبَعَ سُلْطَانًا" والأثر أخرجه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع.
وهذا فيه الحث على نشر العلم وتعليمه، وتبليغه، وعدم كتمانِه.
"إِمَّا أَنْ يَمُوتَ فَيَذْهَبَ عَلِمُهُ": يعني ما ينتفعُ بعلمه بعد وفاته، ما ينتفع بمؤلفاته وبأشرطته.
"أَوْ يَنْسَاهُ": من أسباب نسيان العلم كتمانُه.
أما تبليغ العلم فهو من أسباب تثبيتِ المعلومات، ورسوخِها، ونمائِها. وفي الحديث القدسي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "قَالَ اللَّهُ: أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ" متفق عليه. البخاري (5352)، مسلم (993).
والنفقة عامة وليست مقصورة على نفقة المال.
والشاعر يقول:
يزيدُ بكثرةِ الإنفاقِ منه***وينقصُ إنْ بهِ كَفًا شَدَدْتَ
ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول في الحديث الذي رواه مسلم (2699) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه و فيه: (وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) .
وأعظم الإعانة الإعانة في طلب العلم الذي عليه مدار السعادة في الدنيا والآخرة.
ويقول الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله: لأَن تدرِّس الكتاب مرة واحدة خير لك من أن تقرأه بمفردك عشر مرات.
وهذا من بركة التعليم تثبتُ المعلومات وارتِساخُها ، ويستفيد وينتفع كثيرًا مما لو قرأه بمفرده .
"أَوْ يَتْبَعَ سُلْطَانًا": السلف يكرهون الدخول على السلاطين، والقرب منهم. وتقدم معنا بعض الآثار سابقًا في هذا المعنى في الكلام على إسناد حديث ابن عباس كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو مِنَ اللَّيْلِ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ...
هذه طريقة السلف؛ لأن الإمارة، والقرب من الأمراء قد يشغل، ويأتي بالغفلة، وقد يتولَّى المنصبَ وهو غير قادر عليه، وتقدم معنا الولاية لها ركنان: القوة والأمانة. وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: (القليل من يجتمع فيه ذلك) القليل من يجتمع فيه الصفتان القوة والأمانة، قد يوجد فيه الأمانة لكن فيه ضعف والعكس .

ومن الآثار الثابتة عنه في الثبات على طلَبِ العلم قيل لابن المبارك كم تكتب؟ قال: لعل الكلمة التي أنتفع بها لم أكتبها بعد. أخرجه ابن أبي حاتم رحمه الله في «مقدمة الجرح والتعديل» (صـ280) والأثر له طرق .
وفي بعض الروايات الأخرى يقول :لعل الكلمة التي تقع فيها نجاتي لم تقع إليَّ.

(عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ)
قال الذهبي في ترجمته من سير أعلام النبلاء : كَانَ بَصِيْراً بِالمَغَازِي النَّبويَّةِ، أَلَّفَهَا فِي مُجَلَّدٍ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صَنَّفَ فِي ذَلِكَ.
وَهُوَ أَخُو إِبْرَاهِيْمَ بنِ عُقْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُقْبَةَ، وَعَمُّ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ.
أَدْرَكَ: ابْنَ عُمَرَ، وَجَابِراً.
وَحَدَّثَ عَنْ: أُمِّ خَالِدٍ.
وَعِدَادُهُ فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ. اهـ

وقد أخرج البخاري(6364) من طريق مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ خَالِدٍ بِنْتَ خَالِدٍ، قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَهَا، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ» .
وهذا نصٌ من موسى بن عقبة رحمه الله أنه لم يسمعْ أَحَدًا سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَأم خالد .
وذلك لأنَّ أم خالد رضي الله عنها تعمَّرت حتى أدركها مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كساها ثوبًا ودعا لها وقال : «أَبْلِي وَأَخْلِقِي ثُمَّ، أَبْلِي وَأَخْلِقِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي» .
والحديث رواه الإمام البخاري (3071) عن أم خالد .
قال الحافظ عقِبَ هذا الرقم: وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ هُنَا مِنَ الزِّيَادَةِ فِي آخِرِ الْبَابِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْمُصَنِّفُ –أي البخاري- لَمْ تَعِشِ امْرَأَةٌ مِثْلَ مَا عَاشَتْ هَذِهِ يَعْنِي أُمَّ خَالِدٍ .
قال الحافظ قلت :وإدراك مُوسَى بن عقبَة لَهَا دَالٌّ عَلَى طُولِ عُمُرِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَلْقَ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرَهَا . اهـ
وفي حديث أم خالد جواز الدعاء بطول العمر ولكن الأولى ترك ذلك أما الجواز فيجوز. والأولى ترك ذلك لما رواه الإمام مسلم (2663) أن أُمَّ حَبِيبَةَ قَالَتْ: اللهُمَّ مَتِّعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ، وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكِ سَأَلْتِ اللهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ، وَآثَارٍ مَوْطُوءَةٍ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ، لَا يُعَجِّلُ شَيْئًا مِنْهَا قَبْلَ حِلِّهِ، وَلَا يُؤَخِّرُ مِنْهَا شَيْئًا بَعْدَ حِلِّهِ، وَلَوْ سَأَلْتِ اللهَ أَنْ يُعَافِيَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ، وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ لَكَانَ خَيْرًا لَكِ».
وهذا للأولى والأفضل. وكان الإمام أحمد يكره الدعاء بطول العمر ويقول هذا أمر فُرغ منه.
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ)
هوعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. أبو عبد الرحمن أمه زينب بنت مظعون، أخت عثمان بن مظعون الصحابي.
وكان رضي الله عنه شديدَ الحرص على تتبُّعِ آثار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلى العمل بالأدلة.

وعبد الله بن عمر رضي الله عنه كان متزوجًا بصفية بنت أبي عبيد الثقفي أخت المختار الذي ادعى النبوة. وقد قبل عبد الله بن عمر حديثًا من روايتها والحديث أخرجه أبوداود(1831)من طريق سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ «كَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ يَعْنِي يَقْطَعُ الْخُفَّيْنِ لِلْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ» ثُمَّ حَدَّثَتْهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ أَبِي عُبَيْدٍ، أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ «رَخَّصَ لِلنِّسَاءِ فِي الْخُفَّيْنِ فَتَرَكَ ذَلِكَ» .
يقول الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين (1600): هذا حديث حسنٌ .وصفية بنت أبي عبيد الثقفي لم يوثِّقْها معتبر ، ولكن قبول عبد الله بنِ عمر وعمله بروايتها يدل على أَنها ثقةٌ عنده . اهـ
عبد الله بن عمر رضي الله عنه رأى رؤيا مفزعة،فأرشده النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى قيام الليل لأنه وقايةٌ من النار ، أعاذنا الله من النار.
والحديث في صحيح البخاري (7028)عن عبدالله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانُوا يَرَوْنَ الرُّؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُصُّونَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللَّهُ، وَأَنَا غُلاَمٌ حَدِيثُ السِّنِّ، وَبَيْتِي المَسْجِدُ قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَوْ كَانَ فِيكَ خَيْرٌ لَرَأَيْتَ مِثْلَ مَا يَرَى هَؤُلاَءِ، فَلَمَّا اضْطَجَعْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ فِيَّ خَيْرًا فَأَرِنِي رُؤْيَا، فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ جَاءَنِي مَلَكَانِ، فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، يُقْبِلاَنِ بِي إِلَى جَهَنَّمَ، وَأَنَا بَيْنَهُمَا أَدْعُو اللَّهَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهَنَّمَ، ثُمَّ أُرَانِي لَقِيَنِي مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَقَالَ: لَنْ تُرَاعَ، نِعْمَ الرَّجُلُ أَنْتَ، لَوْ كُنْتَ تُكْثِرُ الصَّلاَةَ. فَانْطَلَقُوا بِي حَتَّى وَقَفُوا بِي عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ البِئْرِ، لَهُ قُرُونٌ كَقَرْنِ البِئْرِ، بَيْنَ كُلِّ قَرْنَيْنِ مَلَكٌ بِيَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، وَأَرَى فِيهَا رِجَالًا مُعَلَّقِينَ بِالسَّلاَسِلِ، رُءُوسُهُمْ أَسْفَلَهُمْ، عَرَفْتُ فِيهَا رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ، فَانْصَرَفُوا بِي عَنْ ذَاتِ اليَمِينِ.
فَقَصَّتْهاعَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ، عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ» .
من فوائدِ الحديث:
1. أن أكثر يمين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم «لاَ وَمُقَلِّبِ القُلُوبِ»، وكان يحلف بأيمان أخرى. وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه (بَابٌ: كَيْفَ كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
ومن أيمانه صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (والله - وايم الله - والذي نفسي بيده - والذي نفس محمد بيده).
وليس هناك من الأدلة الثابتة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حلف بغير الله عز وجل.
أما ما جاء أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: <أفلح وأبيه إنْ صدقَ>.
فهذا اللفظ انفرد به مسلم(11) عن البخاري فقد أخرج الحديث البخاري (46) ولم يذكر لفظة (وأبيه) وقدأعلها ابن عبدالبر وقال : إنها غير محفوظة كما في فتح الباري .
وذكر العلامةُ الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة (10القسم الثاني تحت رقم 4992)طرقَ الحديث وشواهده ثم جزم بأنها زيادة شاذة غير محفوظة شذَّ بها إسماعيل بن جعفر .
وحكم عليها الوالد الشيخ مقبل رحمه الله حينما رَاجعنا حالَها بما يلي :
قال :هي شاذة شذَّ بها إسماعيل بن جعفر رواها عن أبي سهيل، عن أبيه، عن طلحة، ومالك ممن روى الحديث عن أبي سهيل ولم يذكر هذه اللفظة .
وكذلك ما جاءعند مسلم(93/1032) من طريق ابْن فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ فَقَالَ: " أَمَا وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأَنَّهُ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الْفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الْبَقَاءَ، وَلَا تُمْهِلَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ، قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا، وَلِفُلَانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ " .
وقد رواه مسلم (92) قبل هذه الرواية بدون <وأبيكَ> . وأصله عند البخاري (1419) و (2748) بدونها .
قال الشيخ الألباني في الضعيفة (4992) عن هذا اللفظ منكر .
وأفادنا الوالدُ رحمه الله أن لفظةَ (وَأَبِيكَ )انفرد بها محمد بن فضيل وقد خالف من هو أرجح منه فهي لفظة شاذة.
وقد تقدم هذا ولكن أعدناه لتجديدِ العهدِ به .
إذن لم يأت أنَّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حلف بغير الله عز وجل في الأدلة الثابتة.
الحلف بغير الله عز وجل يكون شركًا أصغر إذا لم يعتقد تعظيم المحلوف به كتعظيم الله أو أشد. ويكون شركًا أكبرإذا اعتقد تعظيم المحلوف به كتعظيم الله أو أشد.
مما كان يسأل عنه الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله: ما الدليل على أن الحلف بغير الله شرك؟!
والشيخ الوالد رحمه الله يقول عن الحديث الذي رواه أبوداود في سننه(3251) من طريق سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، قَالَ: سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ، رَجُلًا يَحْلِفُ: لَا وَالْكَعْبَةِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» هو منقطع سعد بنُ عبيدة لم يسمعه من عبدالله بن عمر ، وقد ذكره في أحاديث معلة .
وتكون إجابة بعضهم بأدلة النهي عن الحلف بغير الله كحديث «مَنْ كَانَ حَالِفًا، فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» رواه البخاري (2679).
وهذا خطأٌ ،عندنا قاعدة (ليس كلُّ محرمٍ شركًا ، وكلُّ شركٍ محرَّمٌ) فأدلة التحريم لا يصح الاستدلالُ بها على إثبات الشرك .
وقد ثبت في سنن النسائي (3773) وهو في الصحيح المسند للوادعي (1638) عن قُتَيْلَةَ امْرَأَةٍ مِنْ جُهَيْنَةَ أَنَّ يَهُودِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّكُمْ تُنَدِّدُونَ وَإِنَّكُمْ تُشْرِكُونَ تَقُولُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ وَتَقُولُونَ وَالْكَعْبَةِ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْلِفُوا أَنْ يَقُولُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَيَقُولُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شِئْتَ.
وهذا دليلٌ على أن الحلف بغير الله شرك .
2. وفي الحديث الحثُّ على الثبات والتحذير من أسباب الزيغ.
وفي الآية الكريمة التي ذكرها الإمام البخاري رحمه الله {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ}[الأنعام: 110]. ويقول عز و جل: { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[الأنفال: 24] دليلٌ على ذلك .
وقد ثبت في صحيح مسلم (2654) عن عبدالله بن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ».
وثبت في سنن ابن ماجة (199) عن النواس بنِ سمعان قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ» وَكانَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يَقُولُ: " يَا مُثبِّتَ الْقُلُوبِ، ثبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ. قَالَ: وَالْمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ، يَرْفَعُ أقْوَامًا وَيَخْفِضُ آخَرِينَ، إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " .
هناك أمور تعين على الثبات بإذن الله عز وجل منها:
1. الدعاء: ومن أدعية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم «يَا مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا إِلَى طَاعَتِكَ».
وفي صحيح مسلم (1343) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرْجِسَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَافَرَ يَتَعَوَّذُ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ، وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ، وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ». الشاهد (وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ).
ومن أدعية عباد الله الصالحين: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران:8].
ويقول المصلي في كل ركعة في قراءة الفاتحة{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } .
وهذه الآية من أدعية الثبات .
وقد أورد الحافظ ابنُ كثيرٍ إشكالا على هذا وأجاب عنه .
قال رحمه الله في تفسير سورة الفاتحة فإن قيل فكيف يَسْأَلُ الْمُؤْمِنُ الْهِدَايَةَ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا وَهُوَ مُتَّصِفٌ بِذَلِكَ؟ فَهَلْ هَذَا مِنْ بَابِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ أَمْ لَا؟
قال :فَالْجَوَابُ أَنْ لَا، وَلَوْلَا احْتِيَاجُهُ لَيْلًا وَنَهَارًا إِلَى سؤال الهداية لما أرشده الله تعالى إِلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ الْعَبْدَ مُفْتَقِرٌ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَحَالَةٍ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي تَثْبِيتِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ وَرُسُوخِهِ فِيهَا وَتَبَصُّرِهِ وَازْدِيَادِهِ مِنْهَا وَاسْتِمْرَارِهِ عَلَيْهَا فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ فَأَرْشَدَهُ تَعَالَى إِلَى أَنْ يَسْأَلَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ أَنْ يَمُدَّهُ بِالْمَعُونَةِ وَالثَّبَاتِ وَالتَّوْفِيقِ، فَالسَّعِيدُ من وفَّقه الله تعالى لسؤاله فإنه قَدْ تَكَفَّلَ بِإِجَابَةِ الدَّاعِي إِذَا دَعَاهُ وَلَا سِيَّمَا الْمُضْطَرُّ الْمُحْتَاجُ الْمُفْتَقِرُ إِلَيْهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ} [النِّسَاءِ: 136] فَقَدْ أَمَرَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْإِيمَانِ وَلَيْسَ ذلك من باب تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ لِأَنَّ الْمُرَادَ الثَّبَاتُ وَالِاسْتِمْرَارُ وَالْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْأَعْمَالِ الْمُعِينَةِ عَلَى ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.اهـ

2. العقيدة الصحيحة: فمن كان ذا عقيدة صحيحة فإن هذا من أسباب ثباته، لا تتخطفه الشبهات ولا الشهوات.
3. العلم النافع: ولهذا ربنا عز وجل يقول: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر:9] ويقول: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه:114]. أمر الله عز وجل نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بطلب المزيد من العلم لأهميته. وحياة العلماء شاهدة بذلك أن العلم من أسباب الثبات.
الإمام أحمد بن حنبل يروي عنه ولده عبد الله وجاء عن صالح قال: حين احتضر أبي جَعَلَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: لَا ، بَعْدُ، لَا، بعد، فقلت: يا أبة ما هذه اللفظة التي تلهج بِهَا فِي هَذِهِ السَّاعَةِ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إِنَّ إِبْلِيسَ وَاقِفٌ فِي زَاوِيَةِ الْبَيْتِ وَهُوَ عَاضٌّ عَلَى أُصْبُعِهِ وَهُوَ يَقُولُ: فُتَّني يَا أَحْمَدُ؟ فَأَقُولُ لَا ،بَعْدُ ، لَا، بَعْدُ - يَعْنِي لا يفوته حتى تخرج نفسُه مِنْ جَسَدِهِ. البداية والنهاية (10/375)
أي مادامتِ الروح في الجسد فهو على خطر، والقصة مشهورة.
ومن الآثار الثابتة في هذا المعنى ما جاء عن أبي زرعة الرازي- وهو عبيد الله بن عبد الكريم- وَكَانَ فِي السَّوْقِ، وَعِنْدَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ وَارَةَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ شَاذَانَ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَذَكَرُوا قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» , فَاسْتَحْيُوا مِنْ أَبِي زُرْعَةَ، وَقَالُوا: تَعَالَوْا نَذْكُرُ الْحَدِيثُ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ وَارَةَ: حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ , عَنْ صَالِحٍ وَلَمْ يُجَاوِزْ وَالْبَاقُونَ سَكَتُوا، فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ وَهُوَ فِي السَّوْقِ:، ثنا بُنْدَارٌ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ , عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي عَرِيبٍ , عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» وَمَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
والأثر أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث (76). وأخرجه بنحوه ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل (1/345).
وقد رأيت من حياة والدي الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله ما يدل على صبره وثباته. فقد يكون مريضًا ولا تنقطع دروسه، ولا بحوثه، ولا خدمته لطلابه من مراجعة البحوث والإعانة لهم. قد يكون عنده سعال شديد، وجسمه ملتهب بالحمى، ويخرج يلقي دروسه. وفي مرضه الأخير يقول الأطباء: لو كان هذا المرض في غيرك لكان طريحًا على الفراش.
وكان رحمه الله إذا كان مريضًا يسلِّي على من يعوده، وعلى أقربائه كأنه المعافَى ونحن المرْضَى. وهذا من ثمار العلم النافع، ومن ثمار الصدق والإخلاص، والبركة من الله.
نحن ربما نُلقى على الفراش بسبب الزُّكام . نسأل الله أن يرحمَنَا.
4. الصبر: قال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾ [النحل:127]. وقال: ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾ [الطور:48]. وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران:200].
وقد قال ابن القيم في طريق الهجرتين (266): "ومعلوم أن شجرة الثبات والعزيمة لا تقوم إلا على ساق الصبر، فلو علم العبد الكنز الذى تحت هذه الأحرف الثلاثة أعنى اسم "الصبر" لما تخلف عنه".اهـ
من نَصحَ بالصبر فقد أعظمَ النصيحة. الصبرُ خلُقٌ عظيم، وجزاء الصابرين الجنة. ومن الخطأ أن يقول بعض الجاهلات أنت لا تشعرين بما عندي، هذا خطأ قال تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [التغابن:11] والواجب الصبر والتصبر، اللهَ أسأل أن يُلْهِمَنَا الصبرَ .
5-الإخلاص :فقد قال تعالى { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } وروى البخاري في صحيحه(2898) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ» .
6-القناعة :قال تعالى { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }.
والقناعة من أعظم أسباب الثبات فإن كثيرا من الناس قد استعبدتْهُمُ المادَّةُ ويدورون معها حيث كانت على خيرٍ أو شرٍ .
7-الاستقامة ظاهرا وباطنا : فمن استقام على دين الله فإن الله يثبته قال تعالى { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ }.
هذه بعض الأمور في أسباب الثبات .
ومن أسباب الزيغ والانحراف والعياذ بالله:
1. المعاصي: قال سبحانه وتعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الصف:5]. فالمعاصي تخون صاحبها في وقت أحوج ما يكون إلى الثبات، تخونه بسلب سعادته وحياته الطيبة، وتوقعه في الهلَكة، وتحول - والعياذ بالله – بينه وبين الخاتمة الحسنة.
2. اتباع الهوى: قال سبحانه: ﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾
[ص:26].
التقليد في دين الله :أخرج البخاري (86)عَنْ أَسْمَاءَ، قَالَتْ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ وَهِيَ تُصَلِّي فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، قُلْتُ: آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا: أَيْ نَعَمْ، فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلَّانِي الغَشْيُ، فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَى رَأْسِي المَاءَ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أَكُنْ أُرِيتُهُ إِلَّا رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي، حَتَّى الجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَأُوحِيَ إِلَيَّ: أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ - مِثْلَ أَوْ - قَرِيبَ - لاَ أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ - مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، يُقَالُ مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا المُؤْمِنُ أَوِ المُوقِنُ - لاَ أَدْرِي بِأَيِّهِمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ - فَيَقُولُ: هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالهُدَى، فَأَجَبْنَا وَاتَّبَعْنَا، هُوَ مُحَمَّدٌ ثَلاَثًا، فَيُقَالُ: نَمْ صَالِحًا قَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا بِهِ. وَأَمَّا المُنَافِقُ أَوِ المُرْتَابُ - لاَ أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ - فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ " .
3. جلساء السوء وقد تقدم لنا شيء من المذاكرة في هذا ومنها قصة هرقل في صحيح البخاري (7) وفيه "... أَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِي دَسْكَرَةٍ لَهُ بِحِمْصَ، ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ، ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، هَلْ لَكُمْ فِي الفَلاَحِ وَالرُّشْدِ، وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ، فَتُبَايِعُوا هَذَا النَّبِيَّ؟ فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ، وَأَيِسَ مِنَ الإِيمَانِ، قَالَ: رُدُّوهُمْ عَلَيَّ، وَقَالَ: إِنِّي قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْتُ، فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ" الحديث.
فكان جلساء هرقل سببًا في ثباته على الكفر وعدم إسلامه.
كما أن أبا طالب كان السبب في موته على الشرك بعض جلسائه قال له ( أترغب عن ملَّةِ عبدالمطلب فكان آخرَما قال : هو على ملة عبدالمطلب ).
وعكس موقف هرقل موقف النجاشي التابعي الجليل فإنه قال للمهاجرين الذين هاجروا إليه من الصحابة: من سبكم غرم فنخرت بطارقته، فقال: وإن نخرتم، اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي ).
4. الذهاب إلى بلاد الكفر ولا يسلم إلا مَن سلمه الله، حتى إنه من البلاءِ على من سكن فيها أنه قد لا يستطيع الخروجَ منها يقول : سأهاجر وما يكون إلا مجرد أماني ، ما يتحققُ خروجُهُم .والله المستعان.

هذا ولا يأمن على نفسه من الزيغ إلا من كان جاهلا فقد قال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم أفضلِ الخلق {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} .
وقال نبيُّ الله يوسف عليه الصلاة والسلام {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)}.

3-ومن فوائد الحديث أن الهداية والضلال بيد الله عز وجل؛ لأن الله هو الذي يقلب القلوب، ويصرفها كيف يشاء. وهذا قول أهل السنة والجماعة، وقد قال سبحانه: ﴿أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ [النساء:88]. ويقول سبحانه: ﴿فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [الروم:29]. ويقول: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [القصص:56]. ويقول: ﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾ [الكهف:17].
والقدرية يخالفون ويزعمون أن الله لم يخلق الخير والشر. وعقيدة الرافضة هي عقيدة المعتزلة ودخلت عليهم الشبهة أنه يُنزَّه الله عز وجل عن أن يمنع من الإيمان ثم يأمر بالإيمان ويعاقب على الكفر. ولكن الله هذا ملكه يتصرف فيه كما يشاء: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء:23].
ثم قد بيَّن سبحانه وتعالى في أدلةٍ أخرى أنه ما ختم على قلوبهم ولا منعهم من الإيمان إلا لتماديهم في الطغيان والكفروتكرر ذلك منهم قال سبحانه: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الأنعام:110]. يعني أن هذا تكرر منهم، وقال: ﴿ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ﴾ [التوبة:127]. وقال سبحانه :﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [البقرة:10]. وقال: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الصف:5].
ومن هنا تأول القدرية أدلةَ القدر في خلق أفعال العباد، وقالوا في الهداية: المراد سماه الله مهتديًا، ومنهم من قال: المراد بالهداية هداية الدعوة والبيان. فهداية الدعوة والبيان لا ينكرها القدرية ولكنهم ينكرون هداية التوفيق فلهذا لجأوا إلى التحريف .
وقالوا في أدلة الإضلال: سماه الله ضالًا، ومنهم من قال: ألفاه الله ووجده إلى غير ذلك من التأويلات الباطلة كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله في شفاء العليل.
والواجب أن نؤمن بها على ظاهرها. أدلة الختم على ظاهرها ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [البقرة:7]. أدلة الطبع، أدلة الهداية والضلال، إلى غير ذلك نؤمن بها على ظاهرها ولا نحرفها كما ذهبت إليه المعتزلة.
علمنا أن حديث الباب دليل على أن الله خالقُ أفعالِ العباد خيرِها وشرِّها .
ولا يكون في ملكه إلا ما يريد، والقدرية يقولون: العبد هو الذي يخلق فعل نفسه هو الذي يخلق الخير والشر والسعادة والإيمان والفسوق، وهذا القول باطل .
4- الحديث من أدلة العناية بالقلوب. وقد قال سبحانه: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر:4]. وهذا يشمل تطهير الثياب والبدن والمكان من النجاسة، ويشمل طهارة القلب وقد ذكر هذا المعنى ابن القيم في إغاثة اللهفان.
وفي الصحيحين البخاري (53)، مسلم (1599) عن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "... أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ" .
فالعناية بالقلب أمر مهم، بطهارته ونظافته ونقاوته من جميع الأمراض الباطنة كالنفاق والرياء والعجب والغرور والحسد .والله المستعان.
وقد قيل يطيَّبُ القلبُ للعلم، كما تطيبُ الأرضُ للزراعة.
هذا من الأمور التي ينبغي أن نعتني بها، وأن نجاهد في إصلاح قلوبنا فإنها قد تفسد وقد تمرض وقد تموت، تتراكم ظلمة المعاصي عليها، وتستحكم عليها فلا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أُشرب من هواه.
علينا بالدعاء أن الله يصلح سرائرنا بحيث تكون قلوبنا نظيفة خالية من الأوساخ وكان من أدعية النبي: "وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي" .
ومن دعاء عباد الله الصالحين: ﴿وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر:10].
القرآن والسنة فيهما تربيتنا على الآداب والأخلاق والصبر والصدق والإخلاص وعلى المجاهدة في طاعة الله.
5- في الحديث إثبات قدرة الله عز وجل، وعظمته فهو يتصرف كما يشاء في خلقه. والله تعالى أعلم.
6-إثبات صفة التقليب لله عزوجل .
7-عدَّ بعضهم«وَمُقَلِّبِ القُلُوبِ» من أسماء الله عزوجل .

قال شيخ الإسلام في مجموع فتاواه في سياق ذكر أسماء الله عزوجل :وَكَذَلِكَ أَسْمَاؤُهُ الْمُضَافَةُ مِثْلَ: أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَخَيْرُ الْغَافِرِينَ وَرَبُّ الْعَالَمِينَ وَمَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ وَأَحْسَنُ الْخَالِقِينَ وَجَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمُقَلِّبُ الْقُلُوبِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا ثَبَتَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَثَبَتَ فِي الدُّعَاءِ بِهَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ .










رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 03:37

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc