وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ( 51 ) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ( 52 ) إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ( 53 ) فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( 54 )
هذه هي النفخة الثالثة ، وهي نفخة البعث والنشور للقيام من الأجداث والقبور؛ ولهذا قال: ( فَإِذَا هُمْ مِنَ الأجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ) والنَّسلان هو:المشي السريع، كما قال تعالى: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ [ المعارج:43 ] .
( قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ) ؟ يعنون: [ من ] قبورهم التي كانوا يعتقدون في الدار الدنيا أنهم لا يبعثون منها، فلما عاينوا ما كذبوه في محشرهم ( قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ) ، وهذا لا ينفي عذابهم في قبورهم؛ لأنه بالنسبة إلى ما بعده في الشدة كالرقاد.
وقال أُبَيّ بن كعب، ومجاهد، والحسن، وقتادة:ينامون نومة قبل البعث.
قال قتادة:وذلك بين النفختين.
فلذلك يقولون: ( مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ) ، فإذا قالوا ذلك أجابهم المؤمنون - قاله غير واحد من السلف- : ( هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) . وقال الحسن:إنما يجيبهم بذلك الملائكة.
ولا منافاة إذ الجمع ممكن، والله أعلم.
وقال عبد الرحمن بن زيد:الجميع من قول الكفار: ( يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) .
نقله ابن جرير، واختار الأول، وهو أصح، وذلك كقوله تعالى في الصافات: وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ * هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ [ الصافات:20 ، 21 ] ، وقال [ الله ] تعالى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [ الروم:55 ، 56 ] .
وقوله: ( إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ) ، كقوله: فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ [ النازعات:13 ، 14 ] . وقال تعالى: وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ [ النحل:77 ] ، وقال: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا [ الإسراء:52 ] .
أي:إنما نأمرهم أمرًا واحدًا، فإذا الجميع محضرون، ( فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ) أي:من عملها، ( وَلا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )