سكون أبكم استنطق حواس تلك الجدران الباكية ..المتعرقة وحلا يلملم فتات ذكرى من توسدوها بعبرات الوداع البالية..هي عاصفة ما بعد الصمت الثرثار...ألمت بتلك المحطة المهجورة..حين دغدغت عجلة القطار أكتاف تلك السكة البرونزية الحمراء..ليمد القطار أبوابه مشتاقا لمن أنهكهم الضياع و امتهنوا الفرار الذي سموه "رحيل".. ربما مواساة منه...أو لاشباع بطنه دراهم حديدية باغتت جيوب البائسين الذاهبين ..و استلقت على أيمان ذاك الرجل القصير الذي سرقت منه سكاكر العمر نابه الأيسر ..اعترت وجهه المستطيل خارطة مشبعة بالتواءات الحنين..رغم أن ملامحه سطعت ببلوغه العقد الثالث ...شعره البرتقالي و النمش المنثور على وجنتيه كانا مشعين بجنسيته الأوروبية ...و حديثه بالفرنسية المتهكمة أبدى بأنه بريطاني أو ايطالي..و لكن بمجرد سماع صوته العالي..و غضبه المتسكع الذي يصهل أنينا في كل زوايا تلك المحطة..و كأنه يسنفر رحيلهم و ينصحهم بالبقاء على أرض الوطن و لا يتوسدوا خطاه ..و تقشعر الأبدان..و يزداد الألم...لينتهي كل شيء بمجرد الحصول على تذكرة "الاغتراب".....